عندما يتلاقى شغف العملات المشفرة مع الاقتصاد الحقيقي

شعار العملة المشفرة "بتكوين" يظهر عبر نافذة مكتب صرف العملات المشفرة في إسطنبول، تركيا
شعار العملة المشفرة "بتكوين" يظهر عبر نافذة مكتب صرف العملات المشفرة في إسطنبول، تركيا المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع انضمام أبرز نجوم عالم العملات المشفرة إلى أوساط النخبة العالميين في دافوس، تزامناً مع القلق الذي قضّ مضاجع المضاربين بعد أن فاقم انهيار السوق خسائرهم، فقد حان الوقت للجهات التنظيمية للتفكير في تأثر العالم الحقيقي بالدورة التالية للتشفير المتقلبة صعوداً ونزولاً.

توسّعت تطبيقات التكنولوجيا المالية والتشفير بسرعة لتحصل على السيولة عبر الوسائل الرقمية والقروض والمنتجات المعقّدة التي يمكن أن تبدو بسيطة مثل بطاقة الائتمان في شكل بريد إلكتروني. وأدى ذلك إلى نشأة قنوات مالية تتجاوز بكثير الرهان أحادي الاتجاه على كلٍّ من "بتكوين" أو رموز "بورد إيبز" (القرود الضجرة)؛ إذ توفر منصات التمويل اللامركزي عوائد تشفير تتراوح بين 8% و10% للمستثمرين، والتي يقوم من خلالها البعض بدوره عبر تمويل الشركات الناشئة في جميع أنحاء العالم دون اللجوء إلى البنوك. يتلاقى "شغف الزنبق" (Tulipmania) مع الاقتصاد الحقيقي بالسرعة نفسها التي تصل بها رسائل "واتساب".

ثورة الكريبتو تحفّز البنوك المركزية حول العالم لتصميم مستقبل الأموال

في هذه الأوقات التي تتعرّض فيها السوق إلى ضغوط، أفسحت العوائد، التي تكشف عن نفسها بأنَّها غير مستدامة، المجال لسلسلة فوضوية من الخسائر، الأمر الذي يسلّط الضوء على التحدي الهائل الذي يواجه صانعي السياسات، إذ يقر بعضهم بأنَّهم أساؤوا التعامل مع العملات المشفَّرة.

تبخر الأموال

يتم حالياً سحب الأموال المشفَّرة من منصات الإقراض بما فيها تلك المدعومة بأصول حقيقية. وقد تعرّض أحد المشاريع الذي يوفر عائدات بـ8% على ديون الرموز المشفَّرة الصادرة عن تطبيق مزوّد القروض المحدودة قصيرة الأجل الفرنسي "بلينغ" (Bling)، لموجات من طلبات استرداد "ضخمة" تتجاوز السيولة النقدية المتاحة، فضلاً عن خط ائتمان من داعمي رأس المال الاستثماري. وبالنسبة إلى أحد المستثمرين الذين تحدثتُ إليهم؛ فإنَّ هذا يعني أنَّه من المحتمل أن ينتظر شهوراً لاستعادة أمواله. وكان دافعه الرئيسي للاستثمار في المقام الأول هو المكافآت من الرموز المشفرَّة المجانية التي تبخّرت منذ ذلك الحين.

وفي الوقت نفسه، على الطرف الآخر من السلسلة؛ فقد وصل الإقراض للمستهلك النهائي أيضاً إلى طريق مسدود. وعلّق تطبيق "بلينغ" خدمة الإقراض النقدي مقدماً في أبريل، في الوقت الذي شنّت فيه الجهات التنظيمية حملات لملاحقة القطاع. وقدّرت إحدى مجموعات الدفاع عن المستهلك تكلفة قرض "بلينغ" الفوري لمدة شهر بما يعادل فائدة سنوية تبلغ 128% متضمنة الرسوم.

من الواضح أنَّ مشروعاً صغيراً مدعوماً بضمانات بمثل هذا الاندفاع لبيع الأصول ليس شيئاً يقارن بانهيار عملة "تيرا" البالغة 60 مليار دولار، وهذا ما دفع بالكوريين اليائسين للتوجه لطرق باب مؤسسها دو كوون. لكنَّه يظهر سبب قلق الجهات التنظيمية بشأن المخاطر المستقبلية على النظام المالي.

"تيرا" لم تقض على العملات المشفرة لكن الأمر كان وشيك الحدوث

تدور هذه المكافآت المجانية والعوائد المرتفعة بين الأشخاص الذين قد يكونون أقل قدرة على تحملها. تُظهر بيانات البنك المركزي الأوروبي أنَّ ملكية العملات المشفَّرة هي أشبه بشكل حرف "يو" (U) بالإنجليزية، إذ من المرجّح أن تمتلك الأسر ذات الدخل المرتفع والدخل الأدنى عملات رقمية أكثر من الأسر المتوسطة.

روابط متزايدة

تتزايد الروابط مع النظام المالي، حيث تسعى شركات رأس المال المغامر والبنوك إلى الاستفادة من الإمكانات المتميزة للعملات المشفَّرة، إذ يعمل بنك "سوسيتيه جنرال" على اختبار التعامل بقروض التمويل اللامركزي، في الوقت الذي تطلق بعض المؤسسات الأخرى عملات مستقرة. ويقول الخبير الاقتصادي إسوار براساد، وهو مؤلف كتاب "مستقبل المال": "يسود شعور على نطاق واسع بين أوساط مجتمع المستثمرين بأن على المرء أن يطرق الأبواب الجديدة".

"&e" للاتصالات الإماراتية تطلق رموزاً غير قابلة للاستبدال

تتسم أسواق العملات المشفَّرة اليوم بحجمها المتواضع، إذ تبلغ القيمة الإجمالية الحالية المُضمّنة في التمويل اللامركزي حوالي 100 مليار دولار أو نحو سُدس إجمالي رأس المال المغامر المستثمر العام الماضي، ولكن ما الذي قد تبدو عليه العشرات من عمليات الإقراض المشفَّرة في المستقبل إذا واصل هذا القطاع التوسع؟ قد يكون لسباق بيع الأصول لتغطية طلبات استرداد العملات المشفَّرة تأثيرات غير مباشرة وضخمة، لا سيما إذا تمت إدارتها باستخدام الخوارزميات عبر العقود الذكية. كما تنشأ أوجه التشابه مع سوق الرهن العقاري التي أدت إلى الانهيار المالي العالمي في عام 2008 بشكل متكرر.

الاقتصاد الحقيقي

قال البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي: "على الرغم من أنَّ المخاطر محدودة حالياً، لكنَّها قد ترتفع بشكل كبير إذا بدأت المنصات في تقديم خدمات للاقتصاد الحقيقي، بدلاً من أن تظل محصورة في عالم التشفير"، فقد أشار إلى أنَّ الائتمان المشفَّر على منصات التمويل اللامركزي قد نما بعامل 14 خلال عام 2021.

يقول المؤسسون والمموّلون المسؤولون عن منصات التمويل اللامركزي، مثل "سنتريفيوج" (Centrifuge) أو"غولدفينش" (Goldfinch)، إنَّ خدمة شركات العالم الحقيقي ما تزال قصة جيدة لعالم العملات المشفَّرة. فهم يرون أنَّ إدارة المشاريع باستخدام الخوارزميات وتقليص روتين الإجراءات المعقدة يعني إطلاق العنان لتحقيق مكاسب ممتازة والوصول إلى رأس المال، وتوفير بنية تحتية داعمة على النحو الذي أدت به فقاعات السوق السابقة إلى بناء السكك الحديدية والإنترنت.

إنذار مهم للغاية بعد أسبوع عاصف على العملات المشفرة

ربما يكون الأمر كذلك. ولكن هذه أيضاً أنشطة شبيهة بالأعمال المصرفية، ويمكن أن تُمارس من خلال مزيد من الإشراف، شأنها شأن البنوك. وغالباً ما تتضمّن هياكل مالية معقدة تربط العديد من الشركات ذات المسؤولية المحدودة في "ديلاوير" مع قدر محدود من اللجوء إلى القانون ومخاطر عالية للطرف المقابل. وهي جزء أيضاً من انتشار واسع النطاق لإقراض التكنولوجيا المالية الذي لم يتم اختباره بشكل صحيح حتى الآن في فترة الانكماش. وبدلاً من كونها تمثّل قطاراً عالي السرعة؛ فإنَّها تبدو أشبه بـ "مصارف ظل مضاعفة"، على حد قول مستثمر التكنولوجيا المالية بيتر لوغلي.

لقد توقَّعوا أن يجذب هذا النشاط الاهتمام نتيجة للتركيز المؤسسي والتنظيمي؛ إذ ربما تكون الخطوة التالية هي أن تمارس تطبيقات أمثال "بلينغ" أنشطتها شأنها شأن البنوك التقليدية، وستتضمن منصات إقراض التمويل اللامركزي المزيد من الصناديق المركزية ذات الأسماء الكبيرة التي تقوم بما يلزم من الفحوص النافية للجهالة. ولكن بالنظر إلى الطريقة التي تميل بها الطبيعة إلى العودة؛ ستدرك الجهات التنظيمية أنَّ إدارة المخاطر ستزداد صعوبة من هنا.