ليس من مصلحة الهند خسارة ثقة العالم بشأن التجارة

عامل يكنس منطقة بالقرب من أكوام القمح في سوق الجملة في منطقة ناريلا في نيودلهي في 22 مايو 2022. الهند
عامل يكنس منطقة بالقرب من أكوام القمح في سوق الجملة في منطقة ناريلا في نيودلهي في 22 مايو 2022. الهند المصدر: بلومبرغ
Mihir Sharma
Mihir Sharma

Mihir Swarup Sharma is a Bloomberg Opinion columnist. He is a senior fellow at the Observer Research Foundation in New Delhi and head of its Economy and Growth Programme. He is the author of "Restart: The Last Chance for the Indian Economy," and co-editor of "What the Economy Needs Now."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

غالباً ما يتحدَّث رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن سلاسل التوريد "الموثوقة". وأشار خلال اجتماعات "مجموعة العشرين" العام الماضي إلى أن سلاسل التوريد العالمية قائمة على "الثقة والشفافية والأطر الزمنية". كما وجّه خطاباً مشابهاً إلى اليابان، والولايات المتحدة، وأستراليا "للوثوق" بالهند كشريك تجاري لها.

يُعتبر مودي محقاً؛ فإنّ الفرصة الوحيدة التي يجب على دولٍ مثل الهند اغتنامها لجذب سلاسل القيمة بعيداً عن الصين هي التركيز على المرونة والمصداقية.

ومع ذلك، فإن تصرفات حكومة مودي تُقوِّض بشدةٍ حجته. لقد استجابت الهند لارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية من خلال حظر صادرات السكر والقمح على نحوٍ غير متوقّع؛ كما يتوقّع البعض أن يكون حظر صادرات الأرز هو التالي. هذه هي المنتجات التي تلعب البلاد من خلالها دوراً رئيسياً في الأسواق العالمية، حيث تعتبر الهند ثاني أكبر مصدِّر للسكر ومنتج للقمح في العالم. وقد ارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 6% بعد أن حظرت الهند تصديره.

اقرأ أيضاً: ما الطريقة لوقف اعتماد الهند على الأسلحة الروسية؟

تتمتع أسعار المواد الغذائية بأهميّة خاصة بالنسبة للهند، فهي واحدة من الدول القليلة في العالم التي تشكل فيها المنتجات الغذائية أكثر من نصف مؤشر أسعار المستهلكين. إذا لم تتحكم في أسعار المواد الغذائية، فإنك تخاطر بخروج توقعات التضخم عن السيطرة ومواجهة سنوات من عدم استقرار الاقتصاد الكلي.

لكن حظر التصدير ليس الطريقة الوحيدة للتخفيف من التضخم الغذائي. إلى جانب ذلك، ما هو العذر وراء تحركات نيودلهي الأخرى المناهضة للتجارة؟ تجدر الإشارة إلى أن صناعة الصلب في الهند لا تزال تعاني من زيادة غير متوقعة وقسرية في ضرائب التصدير على منتجات الصلب النهائية التي فرضت خلال الشهر الماضي. في هذا الإطار، انخفضت أسعار أسهم شركة "تاتا ستيل المحدودة" (Tata Steel Ltd) بنسبة 15% وأسعار أسهم شركة "هيئة الصلب الهندية المحدودة " بنسبة أكبر.

سياسة متعسفة

في هذا السياق، يبدو تعسف السياسة التجارية الهندية أكثر وضوحاً في الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع صناعة الورق في البلاد. فبعد عامين من ارتفاع الأسعار العالمية، أعلن المسؤولون مؤخراً أن جميع واردات المنتجات الورقية ستتطلب من الآن فصاعداً "تسجيلاً مسبقاً"، على غرار ما تمّ فرضه عام 1970. وزعمت الحكومة أن هذا الإعلان "سيقطع شوطاً طويلاً في الترويج لعلامة "صنع في الهند" و(الاعتماد على الذات)".

بالتالي، بدلاً من الحجج التي توضّح بالتفصيل كيف تساهم السياسة التجارية المتماسكة في تعزيز الإنتاجية والاستثمار، فقد تُرِكنا أمام شعارات فارغة. بحيث يُقدّم كل قرار سيئ ومناهض للتّجارة على أساس أنه داعماً لحملات مودي الدّاعية إلى تعزيز "الصناعة في الهند" و"الاعتماد على الذات"، أو يُقدّم كضرورة للسيطرة على التضخم. كما يمكن للشعارات أن تشير بفرح إلى اتجاهين معاكِسَين: فقبل عامين، فرضت الهند رسوماً جمركيةً على واردات الصلب لحماية المنتجين المحليين؛ أمّا اليوم فهي تفرض ضريبة على الصادرات لحماية المستهلكين المحليين.

لا تعتبر سياسة الهند التجارية غير متماسكة وحسب، بل متناقضة أيضاً. على سبيل المثال، يشكو منتجو الصلب بشكلٍ مبررٍ من أن الضرائب الجديدة على الصادرات ستحول دون تحقيق الأهداف التي كانت قد حددتها الحكومة الهندية للصادرات، في ظل نظام دعم الحوافز الذي بدأ مؤخراً في العام الماضي.

زعزعة الثقة

تلخيصاً لما سبق: أولاً، رفعت الحكومة التعريفات الجمركية على الصلب، ثم دعمت الصادرات ووضعت أهدافاً صارمة لصناعة الصلب، لتفرض بعدها ضريبة على صادرات الصلب للسيطرة على الأسعار المحلية. والجدير ذكره أن كل ذلك حدث في غضون بضع سنوات فقط.

إن أقل ما يمكن قوله إن هذا النوع من القرارات لا يبني الثقة بين الدول. من سيوقع عقداً طويل الأجل لاستيراد الصلب الهندي في ظلّ الظروف الراهنة؟ لا يمكن للهند أن تأمل في سرقة أضواء الاستثمار من الصين طالما أن سياستها التجارية متقلّبة.

اقرأ أيضاً: الهند تُربك العالم وتحظر صادرات القمح بشكل مفاجئ

علاوة على ذلك، لا يضرّ نظام الحماية الجمركية الذي اعتمدته الحكومة الهندية بالمنتجين الهنود فحسب؛ بل يؤلم العالم بأكمله. وكما أشار زميلي ديفيد فيكلينغ في "بلومبرغ" لمقالات الرأي، فإن شبكة الأمان العالمية لمكافحة الجوع تعتمد على كبار منتجي الأغذية في العالم -من بينها الهند- لتجنب الاضطرابات مثل حظر التصدير. وإذا كانت الهند، التي ستتولى رئاسة مجموعة العشرين في وقت لاحق من هذا العام، تتوقع أن تُعامَل كزعيمة عالمية، فيتعيّن علينا أن نأخذ التأثير العالمي لسياساتنا في الاعتبار.

ينسجم مودي بشدّة مع التصورات الدولية للهند. مع ذلك، فإنه لا يزال يتعرّض لمواقف محرجة بسبب قرارات حكومته المتقلّبة. ففي العام الماضي، وعد بأن تقوم الهند بتطعيم العالم، لتحظر بعدها تصدير اللقاحات إثر انتشار متغير دلتا الفيروسي. وفي أبريل، وعد بـ"إطعام العالم" و"إرسال الإغاثة اعتباراً من الغد نفسه"؛ لتحظر حكومة مودي في غضون أسابيع صادراتها من القمح.

تؤكّد كلمات مودي مدى فهمه لأهميّة الثقة في العلاقات بين الدول وكلّ ما يحتاجه الآن هو بناء بعض منها.

السلع الزراعية