الاحتياطي الفيدرالي قد يخاطر بمستقبل الاقتصاد إذا فشل في كبح التضخم اليوم

مبنى البنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة. الولايات المتحدة
مبنى البنك الاحتياطي الفيدرالي في واشنطن العاصمة. الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Ramesh Ponnuru
Ramesh Ponnuru

Ramesh Ponnuru is a Bloomberg Opinion columnist. He is the editor of National Review and a fellow at the American Enterprise Institute.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

توافقت الآراء على أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي انتظر وقتاً طويلاً جداً للبدء في تشديد سياسته النقدية. كان ذلك أيضاً رأي بن برنانكي، الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي. كما وافقته جانيت يلين الرأي، وهي رئيسة سابقة للبنك، وتشغل الآن منصب وزيرة الخزانة، مشيرةً إلى أنَّها استهانت كغيرها من المراقبين بالمستوى الذي قد يصل إليه التضخم، وإلى متى قد يستمر.

يدور جدل كبير بين مراقبي الاحتياطي الفيدرالي، إذ يتساءل عدد كبير منهم ما إذا كان البنك المركزي يشدد سياسته أكثر من اللازم وبوتيرة سريعة اليوم.

في هذا السياق، يراود جوش بيفنز، رئيس الأبحاث في معهد السياسات الاقتصادية، شعور القلق حيث قال لصحيفة "هافينغتون بوست" (Huffington Post): "إذا كان السبب الكامن وراء الركود الذي نشهده اليوم هو إجراءات البنك المتسرعة لرفع أسعار الفائدة؛ فسيكون ذلك خطأ واضحاً".

ذكرت ميغان مكاردل، كاتبة في صحيفة "واشنطن بوست"، أنَّ المرة الأخيرة التي شهد فيها بنك الاحتياطي الفيدرالي تضخماً مرتفعاً، كانت في عهد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي "بول فولكر" حيث قاد السياسة الاقتصادية الأميركية في محاولة لإنهاء التضخّم المُكوَّن من رقمين في أوائل الثمانينيات. إلّا أنَّ هذه السياسة تسببت بركودٍ كبيرٍ. كما أشارت إلى أنَّ تكاليف الركود مرتفعة جداً، إذ يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يسعى إلى تحقيق استقرار التضخم ليقوم بخفضه تدريجياً- إذا كان ذلك ممكناً.

الركود إن حصل.. لن يكون مرعباً كما يبدو

لا تجزعوا حيال تنبؤات الركود المتزايدة

يعتبر هذا الخيار، مثل دواعي القلق الكامنة خلفه، معقولاً. كما أنَّ مدى السرعة التي ينبغي أن يرفع فيها البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة هي مسألة مقدار وحكم. لكنَّ مقارنة ظروفنا الراهنة بظروف فولكر لابدّ أن تحُث بنك الاحتياطي الفيدرالي على اتخاذ التدابير اللازمة بشكل أسرع.

تجربة فولكر

تولّى فولكر منصب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أغسطس 1979. لكن لم يتسبّب البنك المركزي في إحداث انهيار مستمر مع سياسات المال السهلة في السنوات السابقة حتى عام 1981. إذ بلغ التضخم ذروته في منتصف عام 1981، وكذلك معدل نمو الإنفاق في جميع أنحاء الاقتصاد. وصل معدل البطالة في تلك الفترة إلى 7.2%. والجدير ذكره أنَّ سياسة فولكر النقدية المتشددة تسببّت في رفع معدل البطالة وحدوث ركود دفعه إلى الارتفاع بنسبة 3.6% إضافية.

أما اليوم؛ فيبلغ معدل البطالة 3.6%. كما أنَّ معدل مشاركة فئة الشباب بين القوى العاملة أعلى مما كان عليه في ذلك الوقت. وبالتالي؛ فإنَّ سوق العمل مؤهلة بشكل أفضل للتعامل مع سياسة التشديد النقدية.

كان هناك المزيد من التضخم الذي كان من المفترض خفضه في ذلك الوقت أيضاً. بحلول عام 1981، سجّل التضخم مستويات مرتفعة، فقد تخطى المعدل السنوي نسبة 8% لعقد من الزمان. لم يكن التضخم اليوم ثابتاً بالقدر نفسه. هذا يعني أنَّه ليس مترسخاً تقريباً.

إنَّ الفرق في العائدات بين السندات المعدّلة وفقاً للتضخم وغير المعدلة يشير إلى أنَّ المشاركين في السوق يتوقَّعون أن يبلغ التضخم متوسطاً أقل من 2.5% خلال الفترة القادمة أي من 6 إلى 10 سنوات من الآن. وكما يقول محافظو البنوك المركزية، فإنَّ توقُّعات التضخم "راسخة بشكلٍ جيد".

هل بلغ معدل إنفاق المستهلكين الأمريكيين ذروته؟

قد تكون هذه الأخبار جيدة، لكنَّ تداعياتها غامضة. فإذا كنت متشائماً نسبياً بشأن التضخم؛ فيمكنك إلقاء نظرة على تلك التوقُّعات المنخفضة للتفاؤل، ولا حاجة لاتخاذ إجراءات جذرية. لكنَّ الطريقة الأخرى للنظر إلى الأمر هي أنَّ توقُّعات التضخم المنخفضة تقلل من تكاليف مكافحة التضخم.

بينما يتوقَّع العالم ارتفاع الأسعار بنحو 10% سنوياً؛ فإنَّ مكافحة التضخم تعني قلب هذه التوقُّعات. إذ يعتاد الموظفون على الحاجة إلى زيادات كبيرة في رواتبهم لمواكبة تكلفة المعيشة الآخذة في الارتفاع. ويتعيّن على أصحاب العمل إما أن يخيّبوا آمال موظفيهم، أو أن يلمسوا آثار ارتفاع تكاليف المعيشة التي تواكب التضخم. وتعد عملية التكيف هذه سبباً رئيسياً في أنَّ مكافحة التضخم تنطوي في الكثير من الأحيان على التغاضي عن ارتفاع معدلات البطالة.

ومن ناحية أخرى؛ عندما تكون توقُّعات التضخم ضعيفة، فليس من الضروروي أن يكون التعديل مؤلماً إلى هذا الحدّ. فهذا هو وضعنا السعيد نسبياً الآن، على الرغم من شكوانا المبررة بشأن التضخم بعد الجائحة. ويتعيّن على الاحتياطي الفيدرالي أن يعمل على خفض التضخم المتوقَّع قليلاً، وأن يحدّ في الوقت نفسه من ارتفاعه. فالمطلوب ليس خفضه بشكل كبير.

تكلفة الاستقرار

إنَّ تكاليف استعادة الاستقرار النقدي بسرعة تبدو ضئيلة. ومن ناحية أخرى؛ فإنَّ تأجيل استعادة الاستقرار النقدي قد يحول دون ارتفاع هذه التوقُّعات.

نحن لسنا في عام 1981، حيث يجب علينا الاختيار بين استمرار التضخم المرتفع أو الركود الحاد. بل نحن في عام 1968، أمام قرار لوقف التضخم في مراحله المبكرة حتى لا ينتهي بنا المطاف كما انتهى في عام 1981.

في هذا السياق، يبدو أنَّ بعض واضعي السياسات في الاحتياطي الفيدرالي يفكرون بشكلٍ تقريبي على هذا الغرار في الوقت الحالي. من جهتها، تشير لايل برينارد، نائبة رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أنَّ خفض التضخم يأتي في مقدّمة قائمة مهامهم، والاقتصاد "لديه الكثير من الزخم". كما أشارت ماري دالي، محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو إلى الأمر نفسه في الأيام الأخيرة.

لكن تشير بعض الدلائل إلى أنَّ محافظي البنوك المركزية ما زالوا مترددين للغاية بشأن السيطرة على التضخم. كما تظهر أحدث توقُّعات البنك الفيدرالي أنَّ التضخم سيتجاوز 2% حتى عام 2024 ليستقر بعدها عند 2% على المدى الطويل. وهذا يعني أنَّ إجمالي الإنفاق بالدولار لن يعود إلى ما كان عليه قبل الجائحة. إحدى الطرق لتحليل هذه التوقُّعات تتمثل في عدم التوقُّع بأن يشدد بنك الاحتياطي الفيدرالي سياسته بما فيه الكفاية. ربما سيكسب المزيد من الثقة إذا تصرّف بشكلٍ أسرع.