صادرات الصين تفقد قوتها الدافعة

أحد المشاة بالقرب من ميناء يانغشان ديب ووتر في شنغهاي، الصين.
أحد المشاة بالقرب من ميناء يانغشان ديب ووتر في شنغهاي، الصين. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسود حالة من التشاؤم بين المصنعين الصينيين، بعد عامين من الصادرات القياسية، على خلفية إحجام المستهلكين في أكبر أسواقهم عن الإنفاق، واندفاع العملاء بسبب الإغلاقات الناتجة عن فيروس كورونا إلى المنافسين في المنطقة.

نتيجة لتعايش معظم العالم حالياً مع فيروس كورونا واستئناف السفر والأنشطة الترفيهية الأخرى، انخفض إنفاق المستهلكين على أجهزة الكمبيوتر المحمولة والهواتف والسلع المتعلقة بالعمل من المنازل المصنوعة في الصين، وهي المنتجات التي أنعشت صادرات البلاد وغذّت تعافي الاقتصاد من التراجع الناتج عن الوباء في عام 2020.

أزمة أوكرانيا وإغلاقات كورونا في الصين تجهضان تعافي التجارة العالمية

كما يعني التضخم المرتفع في الولايات المتحدة وأوروبا أن الأسر ستُقلّل من إنفاقها في حين يؤثر استمرار تفاقم تكاليف المواد الخام واللوجستيات على أرباح المُصدِّرين.

تآكل الأرباح

تبقى هذه بعض التحديات التي تواجهها شركات من أمثال "شينزن تينابادز إليكترونيكس" (Shenzhen Teanabuds Electronics)، المُصدِّرة لسماعات الأذن اللاسلكية وسماعات الرأس ومكبرات الصوت إلى الولايات المتحدة وأوروبا والشرق الأوسط، بعد انخفاض طلباتها بمقدار 50% تقريباً مقارنة بالعام الماضي.

قال تشانغ وانلي، مدير التسويق العالمي لدى الشركة: "سيستمر التراجع لبقية هذا العام لأننا نفقد ميزتنا".

أرباح الشركات الصناعية في الصين تتراجع لأول مرة منذ عام 2020

أوضح تشانغ أن بعض عملاء "تيانابادز" (Teanabuds) حوّلوا طلباتهم مؤخراً إلى دول جنوب شرق آسيا بعد عروض الأسعار المنخفضة التي قدّمها المورِّدون الذين لم تتأثر سلاسلهم التوريدية بشكل كبير. وأفاد أن ارتفاع تكاليف المواد الخام والشحن قلّص هامش ربح الشركة إلى 15% من 30% في 2019.

يوجّه تراجع الطلب على السلع الصينية ضربة قاسية للاقتصاد الصيني الذي قد ينمو هذا العام بأقل قدر منذ عقود بسبب ركود سوق العقارات والقيود الحكومية الصارمة الناتجة عن فيروس "كوفيد".

سياسة "صفر كورونا" تقوّض اقتصاد الصين

من المرجح أن تنمو الصادرات بحوالي 1.6% فقط هذا العام بعد ارتفاعها بنحو 30% في عام 2021، وفقاً لتقديرات "نامورا هولدينغز" (Nomura Holdings)، التي أشارت إلى أن الصادرات شكّلت أكثر من ثلث نمو الصين خلال العام الماضي و20% في عام 2020.

قد تمنح إعادة فتح شنغهاي بعد شهرين من الإغلاق الناتج عن "كوفيد" دعماً مؤقتاً، ويتوقع الاقتصاديون أن تكشف بيانات يوم الخميس أن الصادرات نمت 8% على أساس سنوي في مايو، مرتفعة عن 3.9% التي حققتها في أبريل. مع ذلك، سيستمر الاتجاه الهبوطي لبقية العام.

تراجع الصادرات

قال لاري هو، رئيس اقتصاديات الصين لدى "ماكواير غروب" (Macquarie Group): "لقد أصبحت طفرة الصادرات التي تسبب فيها كوفيد وراءنا الآن".

من جهته، توقع توماس غاتلي، كبير المحللين في "غافيكال ريسيرش" (Gavekal Research) ، أن ينكمش حجم الصادرات هذا العام حتى وإن أصبح النمو الاسمي إيجابياً بسبب زيادات الأسعار. ومن شأن التباطؤ الشديد أن يجعل النمو الاقتصادي المستهدف لبكين البالغ 5.5% بعيد المنال.

اقتصاديون يخفّضون توقعات نمو الصين بسبب إغلاقات كورونا

أضاف غاتلي: "هذا الوقت ليس مناسباً على الإطلاق لضعف الصادرات أيضاً، وهذا هو سبب تزايد ذعر مسؤولي السياسات".

رغم ثراء المستهلكين العالميين، يؤثر سحب الدعم المالي الحكومي وارتفاع أسعار الفائدة على دخلهم المتاح للإنفاق، جنباً إلى جنب تراجع الطلب نتيجة لتوجه إنفاق المتسوقين إلى الخدمات بدلاً من السلع.

في غضون ذلك، أقر نائب وزير التجارة وانغ شووين بالضغوط التي تواجه التجارة الصينية، بقوله يوم الأربعاء: "علينا أن نعي جيداً أن التجارة الخارجية محاطة بسلسلة من الشكوك". وأضاف، في مؤتمر صحفي في بكين، أن عوامل الانتعاش الاقتصادي العالمي الهش، والتضخم المرتفع حول العالم، والاختناقات اللوجستية في الصين، تتسبب جميعاً في حالة من عدم اليقين بشأن التوقعات التجارية لبقية العام.

مخزون متراكم

زادت مخزونات كبار تجار التجزئة في الولايات المتحدة مثل "ولمارت" و"تارغت كورب"(Target Corp) إلى حوالي 45 مليار دولار، مرتفعة بحوالي 26% عن العام الماضي. حيث راكمتها الشركات خلال الوباء من أجل التغلب على تأخر الشحن، مما يعني أنهم لا يعانون من ضغط لوضع طلبات جديدة.

قالت " غوانزو جي إل سابلاي تشين" (Guangzhou GL Supply Chain) ، التي تصنع كافة منتجات البستنة مثل علب الري ومفارش المائدة إلى أكياس التخزين المستوحاة من أجواء عيد الميلاد، إن الطلبات الواردة من العملاء الأميركيين والأوروبيين انخفضت بحوالي النصف عن نفس الفترة من العام الماضي.

أوضح تشين زيجيان، مدير المبيعات، أن منتجات موسم عيد الميلاد بيعت بشكل سيئ مقارنة بعام 2021، "ربما لأن الناس يضطرون إلى إنفاق مبالغ أكثر على الضروريات الأساسية" نتيجة لارتفاع التضخم.

وأفاد زيجيان: "كان الوباء أكثر خطورة العام الماضي، لكننا بعنا منتجات البستنة ولم تتأثر أعمالنا كثيراً، ربما لأن الناس بقوا في المنزل واعتنوا بالحدائق. هبطت مبيعاتنا كثيراً مقارنة بالعام الماضي".

خسارة الحصص

ألمح المحللون إلى تسارع التحول نحو سلاسل توريد التصنيع الأرخص في جنوب شرق آسيا، بعد توقف قصير في العامين الماضيين. حيث فقد الطلب الصيني على الأثاث نحو 7% لصالح دول مثل فيتنام بين سبتمبر 2021 ومارس 2022، بالإضافة إلى 5% للمنسوجات و2% للإلكترونيات، وفقاً لتقديرات "إيفربرايت سيكيوريتيز"(Everbright Securities).

يتضاعف التحدي من خلال ارتفاع أسعار المواد الخام والشحن، حيث صعد المؤشر الفرعي للمواد الخام داخل مؤشر أسعار المنتجين في الصين بـ17.4% في أبريل، ليُبقي على التكاليف مرتفعة. ما يزال مؤشر شحن الحاويات في شنغهاي أعلى بأربع مرات عن مستويات ما قبل الجائحة رغم تراجعه بحوالي 17% حتى الوقت الحالي من العام.

مع ذلك، تسود حالة من القلق حيال المستقبل بين المُصدِّرين الذين حققوا أداء جيداً بسبب رفع الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى لأسعار الفائدة.

قال هيرمان تشاي، المدير العام لـ "كينغ هايك فيهيكل" (Kinghike Vehicle) التي تُصدِّر عربات الغولف الكهربائية إلى الولايات المتحدة من مقرها في شاندونغ، إن الشركة تحظى بزيادة الطلبات بفضل تحوّل المزيد من العملاء إلى العربات الكهربائية بدلاً من تلك التي تعمل بالبنزين في ظل الارتفاع الهائل بأسعار الطاقة.

أضاف تشاي: "أتمنى أن تكون إجراءات الاحتياطي الفيدرالي فعّالة لاحتواء التضخم لأن سوء الأمور وتحوّلها إلى تضخم مفرط قد يؤدي إلى تضرر مبيعاتنا بشكل كبير".