هل ينبغي للولايات المتحدة إنشاء نظام ملكي؟

الملكة إليزابيث الثانية مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارة إلى إنجلترا، في عام 2021
الملكة إليزابيث الثانية مع الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارة إلى إنجلترا، في عام 2021 المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أثارت الاحتفالات الأخيرة باليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية في المملكة المتحدة تساؤلات في بعضاً من أنحاء الولايات المتحدة حول ما إذا كان يجب أن يكون لدى أميركا نظام ملكي هي الأخرى؟ وفيما يبدو أن فكرة الملكية المطلقة خاصة، وليس الرمزية أو الدستورية منها، تجد بعض الأتباع الجدد في اليمين.

في هذا الإطار، دعا المهندس ورائد الأعمال، كورتيس يارفين، الذي كتب أيضاً تحت اسم مستعار هو مينسيوس مولدبوغ، إلى إنشاء ملكية جديدة في أميركا، أشبه بحكم إليزابيث الأولى منها بفترة إليزابيث الثانية. وكان رد الفعل الأمريكي الفوري بالطبع، هو رفض الملكية المطلقة باعتبارها غير عادلة وقديمة الطراز وغير قابلة للتطبيق. وفي الواقع، فإن هذا يبقى رد الفعل الصحيح، مع ذلك فإن ما تقوله الرغبة في الملكية، يستحق التفكير بالوضع الحالي للعقلية الفكرية لليمين في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: الشباب الأميركي ليس متمرداً اجتماعياً وسياسياً كما تعتقد

التوافق حول الحاجة للإنجاز

أحد أسباب طرح بعض المفكرين اليمينيين للملكية المطلقة هو أنهم يرغبون بحكومة يمكنها العمل بفاعلية لتحقيق غايات معينة. وكثيراً ما يقارن يارفين الملك في الملكية المطلقة التي يريدها بالرئيس التنفيذي للشركة، مستشهداً بفرانكلين ديلانو روزفلت كرئيس عرف كيفية استخدام السلطة لتحقيق الأهداف. ومن وجهة نظره، فإن الرئيس جوزيف بايدن لا يدير الحكومة التي يرأسها بأي حال، وبالتالي فإننا نعيش في فترة من الفوضى والانهيار.

ومقارنة هذا الفكر مع الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، حين كان كثر من اليمين يحتفون بحالة الاختناق والشلل الحكومي كأفضل النتائج المتاحة. فإنه يبدو أن تلك الأيام قد ولّت منذ زمن بعيد، وينبغي أن يُسعد ذلك المفكرين اليساريين، حتى لو لم يكونوا مستعدين لتقليد مناصب الملكية إلى المنافس التالي. حتى أن الكتاب الليبراليين (غير الملكيين) مثل عزرا كلاين، يتوقون إلى حكومة يمكنها إنجاز الأمور بالفعل، ويحثون التقدميين على إعادة توجيه طاقاتهم الفكرية في هذا الاتجاه.

الاستفادة القصوى من الصلاحيات

وعندما يركز اثنين من المفكرين ممن هم على طرفي النقيض من الطيف السياسي على الحاجة إلى "إنجاز الأمور"، فإن ذلك يدلّ على أن هناك شيء ما يحتاج للانتباه. كذلك فإن نسختي الخاصة من ذلك في مقالي بعنوان "تحرير قدرة الدولة" يصب في السياق نفسه. وإذا احتاج البعض إلى زخارف النظام الملكي ليتوصلّوا إلى هذه الفكرة، فأنني سأعتبرها انتصاراً بدلاً من الخوف من استبداد الملكة الأميركية القادمة، وهو ما لن يحدث على أية حال.

يذكرنا أتباع الملكيّة الجدد أيضاً، وإن كان عن غير قصد منهم، بمخاطر توسعة قدرات الدولة بأكثر مما يلزم. فقد تسهل السخرية من النظام الملكي، لكن ألا تكون بعض المشاكل مع الملكية تؤثر على التحركات غير الملكية نحو توسيع قدرات الدولة؟ كيف نضمن الاستخدام الأفضل لقدرات الدولة تماماً؟ فمثلاً تجد الصين أنه من السهل جداً البناء بتكلفة منخفضة، لكنها تسيء استخدام سلطاتها المهيمنة، فتتبع دون جدوى سياسة "صفر كوفيد"، وتراقب مواطنيها بشكل مفرط.

اقرأ أيضاً: سياسة "صفر كورونا" تقوّض اقتصاد الصين

الثقافة الملكية

إحدى الطرق الرئيسية لتوجيه قدرات الدولة هي من خلال الثقافة، وهي مجال غير متاح بسهولة بالنسبة لأنصار الملكية في الولايات المتحدة. ففي النهاية، الملكية المطلقة ليست أمراً متعارف عليه في الولايات المتحدة، وهي دولة تأسست بفعل التمرد على حكم جورج الثالث. يرسم يارفين في مقاله تصوراً لرئيس أميركي يسلم الكتاب المقدس، وكرة قدم نووية إلى تشارلز الثالث، ثم يبتعد في سيارة "أوبر"، بينما تبحر سفن البحرية الملكية نحو نهر بوتوماك.

إذا لم تكن متأكداً من مدى جدية يارفين، فهذه هي النقطة الرئيسية. حيث من الصعب للغاية رسم صورة ثقافية متماسكة للانتقال إلى الحكم الملكي في أميركا.

يركز العديد من نقاد الملكية على طبيعة الاقتراح المناهضة للديمقراطية. وقد لا يدركون حجم رؤية أجزاء من اليمين الجديد للوضع الراهن على أنه مسبب للامتثال الخانق في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام والشركات الأميركية (منظومة سمّاها بارفين "الكاتدرائية")، بدلاً من كونه خطاب تعددي حقيقي.

توجيه الانتقاد

من جهتي، فإني أرى تنوعاً فكرياً في أميركا اليوم أكبر بكثير مما يراه يارفين. ومع ذلك، أتمنى أن تكون "الكاتدرائية" (أيُسمح لي أيضاً أن أسميها كذلك؟) أكثر وعياً بقليل بما يتخطى حدودها، وبدلاً من مجرد الصراخ على المفكرين المناهضين للديمقراطية ووصفهم بالفاشيين. من الممكن أيضاً التفكير في الملكية المطلقة كمساعِ يائسة لاستعادة الفكر التعددي، من خلال إنشاء منصب يكون شاغله غير مسؤول أمام المنظومة المتكونة من الإعلام والشركات والأوساط الأكاديمية.

اقرأ أيضاً: كيف نقرأ انخفاض شعبية بايدن راهناً؟

ويعد أكثر انتقادات الملكية المطلقة دلالة هو النقد التاريخي لها. ففي المملكة المتحدة نفسها، واجه الملوك "المطلقين" مطالبات هائلة، لم يتمكنوا من تلبيتها إلا من خلال منح سلطات متزايدة للبرلمان أو للنبلاء المحليين. وكان هذا هو الحال عندما مثلّت الحكومة نسبة صغيرة جداً من الناتج المحلي الإجمالي. وبالنظر إلى ذلك، كيف ستجري الأمور اليوم؟ هل سيكون للملك القوة نفسها التي يتمتع بها تيم كوك في شركة "أبل" مثلاً؟ وإن كان على السلطتين التنفيذية والتشريعية إعادة التفاوض على الصفقات القديمة اليوم، قد تكون النتائج فوضوية للغاية، بحيث ينتهي كل منها بسلطة وتماسك أقل مما يراه يارفين الآن.

في أحسن الأحوال أو أسوأها، فإن المسار الوحيد الممكن لزيادة قدرات الدولة، يكمن في الالتزام بتحسين نقاط القوة التي تمتلكها بالفعل. ورغم كل إخفاقاتها، فإن الدولة الأميركية الحالية لديها العديد من الإنجازات الملحوظة في الآونة الأخيرة، منها: كبح جماح تنظيم القاعدة، وتسليح أوكرانيا، وإدارة عملية السرعة القصوى في خضم الوباء (Warp Speed)​​، وإنقاذ النظام المالي (وإن كان ذلك حصل قبل عقد، لكن لا بأس من ذكر هذا).

بالنسبة لي، لا يبدو النظام الملكي ممتعاً. لكن مجدداً، أنا شخص زار لندن عدة مرات ولم أذهب إلى قصر باكنغهام مطلقاً. لن يهمني مطلقاً رؤية ملكية أميركية فعلية على الإطلاق.

ومع ذلك، فإن مجرد التفكير في الفكرة، يُعدّ طريقة جديدة مفيدة لرؤية المشاكل في شكل الحكومة الأميركية.