كيف انقلبت خريطة روسيا التجارية منذ غزو أوكرانيا؟

مشغل رافعة جسرية يعمل في ميناء بيهالا الداخلي في برلين، ألمانيا.
مشغل رافعة جسرية يعمل في ميناء بيهالا الداخلي في برلين، ألمانيا. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

فشلت جهود روسيا لإعادة توصيل التدفقات التجارية، وتجاوز أثر العقوبات الموقعة عليها جراء الحرب في أوكرانيا، في تعويض انهيار الواردات الذي يشل اقتصادها.

من بين أحد النتائج الصارخة حتى الآن: للمرة الأولى، تفوقت بيلاروسيا، الدولة المجاورة التي اعتمدت روسيا على مساعدتها في تنظيم الغزو، في شهر أبريل الماضي على ألمانيا- التي يفوق اقتصادها الدولة الأولى بـ60 مرة- وذلك من حيث قيمة الصادرات إلى روسيا، بحسب تحليل أجرته بلومبرغ شمل أحدث البيانات.

بخلاف النفط والغاز.. هؤلاء هم الخاسرون تجارياً من الغزو الروسي لأوكرانيا

قال أندري بوبزيموف، رئيس وحدة الخدمات اللوجستية العالمية في شركة "إس دي إي كيه" (SDEK)، وهي واحدة من أكبر شركات التوصيل السريع في روسيا: "انهار السوق من الناحية العملية" خلال فصل الربيع الحالي. وتابع: "بات من الصعب للغاية في الوقت الحالي إحضار شحنة من أوروبا، وفي بعض الأحيان يكاد يكون الأمر مستحيلاً".

صدمة تجارية

جعلت روسيا من الحصول على قراءة دقيقة لاقتصادها مسألة صعبة بسبب توقفها عن نشر بعض الإحصاءات الأساسية، بما فيها التوزيع المفصل للواردات والصادرات. لكن الموقف الذي يتضح من خلال الأرقام التي أتاحها أكبر نظراء روسيا يتمثل في أن الطلب التجاري انقلب رأساً على عقب.

تبين حسابات بلومبرغ أن المبيعات إلى روسيا من قبل الشركاء التجاريين- الذين مثلوا معاً ما يصل إلى نصف وارداتها خلال 2021- تراجعت بحوالي 40% خلال شهر أبريل الماضي مقارنة بالعام السابق. حتى هؤلاء، على غرار الصين، الذين لم يلتحقوا بالولايات المتحدة وحلفائها في توقيع العقوبات، يخفضون شحنات البضائع.

يعد الغزو الذي حدث في أواخر شهر فبراير الماضي بمثابة لحظة صدمة بالنسبة لاقتصاد مندمج بطريقة هائلة في التجارة العالمية لـ3 عقود، وكانت حصة وارداته من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات التي سبقت الحرب أعلى بنسبة كبيرة مما كانت عليه في الأسواق الناشئة على غرار البرازيل والهند والصين.

بوتين يحتاج لمساعدة الصين والهند لمواجهة حظر أوروبا للنفط الروسي

لكن بما أن ردة الفعل العالمية العنيفة تجاه الحرب قطعت سلاسل التوريد ودفعت الكثير من الشركات متعددة الجنسيات إلى الانسحاب، كان على الروس أن يتدبروا الأمر أو يتعلموا طريقة الإبحار في مسار العقبات الجديد وهي الحصول على مكونات التصنيع من موردين أجانب بدلاء، أو البحث حول العالم عن مسارات حديثة أو العثور على ثغرات أخرى لنقل البضائع. تقدر شركة "أتكاراتيا ريسيرش" (Otkritie Research) أن قيمة الواردات خلال شهر أبريل الماضي ربما تكون هبطت إلى 5 مليارات دولار، متراجعة من نحو 27 مليار دولار خلال العام السابق.

رأي خبراء بلومبرغ إيكونوميكس

قال سكوت جونسون :"انهيار الواردات يغذي ميزان الحساب الجاري، لكنه يعبر عن حدوث تعديل موجع سيحتاج لفترة زمنية لتمريره في أنحاء الاقتصاد. وحتى تتم إعادة تشكيل سلاسل التوريد، سيتعرض المنتجون لمعوقات وعلى الأرجح ستتدهور مستويات المعيشة بقدر أكبر".

في ظل تيبس التجارة مع غالبية دول أوروبا، تبزغ بيلاروسيا كواحدة من المستفيدين الأساسيين. قفزت قيمة صادراتها إلى روسيا من عناصر تتراوح بداية من مواد البناء وصولاً إلى أغذية الحيوانات الأليفة بما يفوق نسبة 100% خلال شهر أبريل الماضي.

قال بوريس، الذي يملك سلسلة متاجر ضخمة ومصانع في كافة أنحاء روسيا، إن معالجة المدفوعات كانت في البداية تمثل تحدياً أكبر من عمليات تسليم الشحنات.

أوضح بوريس، الذي طلب عدم نشر اسمه بالكامل ليتحدث بصراحة عن أنشطته التجارية، أن الحلول البديلة توفرت في الوقت الحالي لضمان تدفق شحنات أكثر وبداية تعافي الواردات.

طريق طويل

لكن هناك تهديد هائل وشيك مع دخول الحزمة الخامسة من عقوبات الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ بالكامل خلال الشهر القادم. تتوقع شركة بوريس، التي تعول على الواردات لتوفير حوالي نصف البضائع التي تبيعها، أن تختفي 5% من منتجاتها من على أرفف المتاجر.

قال: "لقد نزلنا بضع خطوات لكن هذا لا يعني أننا بلغنا النهاية حتى الآن.. سيحتاج الوصول لنهاية أسفل الدرج وقتاً طويلاً".

كان انهيار الواردات أحد القوى التي تزيف اقتصاد زمن الحرب الروسي وتقوده صوب ما يسميه بنكها المركزي "التخلي عن التصنيع".

جنحت مصانع السيارات- التي توظف عشرات الآلاف- إلى التوقف عن العمل جراء نقص المكونات، وبات الورق البسيط نادر الوجود نظراً لأن الشركات المصنعة لم تكن تمتلك عامل تبييض كاف. وصل الأمر إلى أن بنك روسيا يتوقع أن تتحول بعض الواردات إلى نهج "التجارة المكوكية" الذي شهدته فترة التسعينيات عندما سافر الناس بطريقة جماعية إلى الخارج للعودة بالبضائع وبيعها في الأسواق المفتوحة.

وبهدف البحث عن طرق حديثة لتسليم السلع الاستهلاكية القادمة من الخارج، أطلقت شركة "فيسكو" (Fesco)، وهي شركة شحن روسية كبرى، خطاً بحرياً حديثاً يمتد بين الموانئ الفيتنامية وميناء "فلاديفوستوك" الذي يقع على ساحل المحيط الهادي. وشملت مبادراتها الحديثة الأخرى خلال شهر أبريل إطلاق خدمة نقل الحاويات بين إسطنبول ونوفوروسيسك على البحر الأسود، وشحنات السكك الحديدية التي تصل إلى أوروبا الغربية.

رؤية قاتمة

ورغم ذلك تبدو التوقعات قاتمة، حتى عبر تصريحات الحكومة. بحسب التوقعات الرسمية الأساسية، من المنتظر أن تتراجع واردات السلع بما يزيد عن الربع على أساس القيمة الحقيقية خلال 2022.

بجانب توفير الائتمان الرخيص والإعانات للقطاعات المتعثرة، استجابت الحكومة أيضاً عبر إلغاء الرسوم الجمركية على منتجات عديدة وإضفاء الشرعية على مبيعات السوق الموازية، والتي تشتهر أيضاً بمسمى الواردات الموازية.

ربما تصبح دول على غرار تركيا قنوات لنقل الواردات بشكل متزايد، بحسب أندريه غولوبشيك، الأستاذ في "أكاديمية التجارة الخارجية الروسية". أوضح أنه تم استئناف الشحنات إلى الهند والخليج العربي من خلال إيران.

قال غولوبشيك: "على مدى الشهرين ونصف الماضيين، تخلصت الأطراف المشاركة في السوق من حالة الذهول .. فالصدمة الأولى على وشك أن تنتهي".