مخاطر الفشل تهيمن على شركات التكنولوجيا المالية غير المربحة

واجهة الموقع الإلكتروني على الإنترنت لشركة "إيغ" (Egg)
واجهة الموقع الإلكتروني على الإنترنت لشركة "إيغ" (Egg) المصدر: غيتي إيمجز
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يصادف هذا الأسبوع الذكرى السنوية الثانية والعشرين للاكتتاب العام الأولي الشهير: حيث دخلت شركة "إيغ" (Egg) (أي البيضة)، وهي بنك يوفّر خدماته عبر الإنترنت تموله شركة "برودنشيل" (Prudential Plc)، إلى السوق بتقييم يبلغ ملياري دولار إلا أنه قد اختفى بعد أقل من عشر سنوات.

من السهل أن ننسى ذلك وسط ضجيج التكنولوجيا المالية اليوم. لكن تكاليف جذب العملاء الآخذة في الارتفاع إلى جانب العمليات المربحة الطفيفة التي ابتُليت بها شركة "إيغ"، تمثّل عقبات لا مفر منها أمام الانتشار الواسع لشركات الخدمات المصرفية الجديدة الخاسرة.

لم تمنع هذه العقبات أصحاب رؤوس الأموال الطائلة المغامرين من ضخّ الأموال في هذا القطاع. حيث قاموا بتحويل 125 مليار دولار إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية خلال العام الماضي وحده. ومن المؤكّد أنّهم لم يستهدفوا جميعهم القطاع المصرفي وحده، كما يوجد أمامهم بعض مجالات التمويل المربحة. لكن إذا كان احتمال تحقيق عوائد تفوق مؤشرات السوق هو الدافع وراء هذه الاستثمارات، فلربما يجدون أنفسهم أمام مفاجأة غير سارّة في نهاية المطاف.

في هذا السياق، يبدو ذلك واضحاً في السعي المستمر إلى إعادة توفير الخدمات المصرفية الرقمية. جمعت البنوك الجديدة مثل "شيم" (Chime) و"ديف" (Dave) و"فارو" (Varo) في الولايات المتحدة و"مونزو" (Monzo) في بريطانيا، مليارات الدولارات ووعدت بالقيام بأعمال مصرفية أفضل. وحتى الآن، لم يحقق أي منها ربحاً ملحوظاً.

تجربة بنك "فارو"

لنأخذ على سبيل المثال بنك "فارو". تأسس في عام 2015، حيث يعمل الكثير من المصرفيين الذين أرادوا إيجاد طريقة جديدة للخدمات المصرفية إلى جانب فريق تقني يعتبر أن الخدمات المصرفية هي تحدٍّ مثيرٌ.

يمتلك "فارو" على خلاف نظرائه، ترخيصاً مصرفياً يسمح له بـ"متابعة النمو والربحية في نفس الوقت"، حسبما قال مؤسسه كولين والش في سبتمبر.

وعلى الرغم من اكتساب "فارو" عدداً كبيراً من العملاء (يمتلك أكثر من 4 ملايين مودع في الولايات المتحدة) إلا أن البنك يواصل تكبد الخسائر حتى الآن. حيث خسر 265 مليون دولار خلال العام الماضي، و84 مليون دولار أخرى في الربع الأول من عام 2022 . "فارو" أمام تحديين، الأول يكمن في العروض التي يقدّمها البنك للعملاء المحتملين، حيث يقول إنه "لا يفرض الكثير من الرسوم". وبالنظر إلى أن متوسط إيراداته 24 دولاراً من كل حساب، فإن البنك يتكلّف الكثير لجذب العملاء، حيث أنفق 45 دولاراً لكل حسابٍ جديد خلال العام الماضي.

"المركزي السعودي" يرخّص لـ3 شركات تقنية مالية جديدة في مجالي التمويل والمدفوعات

"أبل" تدخل عالم الإقراض مع إطلاق خدمتها الجديدة "اشترِ الآن وادفع لاحقاً"

يتعيّن بذلك على العملاء البقاء لفترة طويلة حتى يتمكن البنك من تحقيق عائدات لتعويض ما أنفقه على عملية التسويق. ومع ذلك، فإن معظم أرباحه تأتي من معاملات بطاقات الائتمان، وهي أقل استدامة من إيرادات الودائع. وكمؤشر على الالتزام الضعيف من قبل العملاء فقد أودعوا 83 دولاراً فقط في كل حساب حتى نهاية مارس.

في هذا الإطار، تظهر تحديات مماثلة في بنوك جديدة أخرى. حيث حذر "مونزو" في أحدث تقرير سنوي له في يوليو 2021 من "عدم اليقين المادي الذي قد يتحدى قدرتنا على الاستمرار". ومن أجل الحفاظ على رأس المال، كبح البنك جماح إنفاقه التسويقي لكن التأثير على نموه كان ملحوظاً. حيث بلغ عدد الحسابات الجارية الجديدة الصافية ذروتها في النصف الثاني من عام 2019 مُتخطية 20 ألف حساب في الربع الواحد، إلا أنّه آخذ في الانخفاض منذ ذلك الحين ليبلغ 3000 حساب فقط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021.

المصارف الراسخة

تجدر الإشارة إلى أنّ المنافسة التي واجهها "إيغ" آنذاك وتواجهها البنوك الإلكترونية اليوم، لا حدود لها. في عام 2017، أُنشئ "ديف" لزعزعة سوق السلفات المصرفية في الولايات المتحدة، والتي تمثّل أداة مهمة تجني من خلالها البنوك أكثر من 20 مليار دولار من الإيرادات السنوية". بحلول نهاية عام 2021، اشترك 6 ملايين عميل في خدمته حيث ألغى الرسوم على السلفات. ليتوقّف بعده عدد كبير من البنوك عن فرض رسوم عليها، ومن بينهم "آلي" (Ally) و"كابيتال وان" و"سيتي" (Citi)، تاركين "ديف" مكشوفاً. بعد أشهر من طرحه للاكتتاب العام، خفضت "ديف" توقعات إيراداتها من 377 مليون دولار في الوقت الذي قدّم فيه تفاصيل إدراجه، إلى ما بين 200 مليون دولار و230 مليون دولار.

بطبيعة الحال، تتمتع المصارف الراسخة بموارد هائلة. ينفق "بنك أوف أميركا" 3.5 مليار دولار سنوياً على ما يسميه "الاستثمارات التكنولوجية الهجومية" مع تخصيصه ميزانية تبلغ 10 مليارات دولار للمجال التكنولوجي. ومع ذلك، ربما الأهم من ذلك، أن البنوك ليست عرضة لمزاج وأولويات أصحاب رؤوس الأموال المغامرة.

مع تدهور أوضاع السوق وارتفاع تكلفة رأس المال لدى البنوك الجديدة، فإن الفجوة مع البنوك الحالية آخذة في الاتساع. سُئِل جيمي ديمون، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمصرف "جيه بي مورغان تشايس"، خلال مؤتمر عقد الأسبوع الماضي، ما إذا كانت طبيعة المنافسة قد تغيّرت في السنوات الأخيرة في ظل انتشار التكنولوجيا المالية. حيث قال: "أعتقد أنها تراجعت قليلاً في الأشهر الأخيرة".

يتمنّى مؤسسو البنوك الإلكترونية لو أنهم درسوا تجربة "إيغ" عن كثب.