مكاسب التمويل اللامركزي لسوق العملات المشفرة تُعمي محترفي التمويل عن المخاطر

مشاركة منصة العملات المشفرة "سلزيوس نتوورك" في مؤتمر يوم الرموز غير القابلة للاستبدال بباريس، أبريل الماضي.
مشاركة منصة العملات المشفرة "سلزيوس نتوورك" في مؤتمر يوم الرموز غير القابلة للاستبدال بباريس، أبريل الماضي. المصدر: بلومبرغ
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يوم آخر وانهيار جديد يظهر على السطح في عالم اقتراض العملات المشفرة شديد الصخب. وهذه المرة لم يستمع للتحذيرات حتى أبرز الشركات المصرفية وصناديق التقاعد رفيعة المستوى، ممن ضعفت أمام الخوف من تفويت مكاسب العملات المشفرة، أو ما يعرف اختصاراً باسم الـ"فومو" (FOMO)، مما أدّى إلى مطاردتها للعوائد غير الحقيقية في عام "التمويل اللامركزي" غير الخاضع للوائح التنظيمية.

جاء إيقاف شركة "سلزيوس نتوورك" (Celsius Network) للسحوبات، والمقايضات، والتحويلات على منصتها، يوم الإثنين، بعد بضعة أسابيع فقط من انهيار عملة "تيرا" المستقرة، البالغ حجم تداولاتها 60 مليار دولار، وبعد أقل من يوم على نفي أليكس ماشينسكي، مدير " سلزيوس"، للأخبار التي تشير إلى إيقاف الشركة للسحوبات، واصفاً إياها بـ"المعلومات المضللة".

وحتى قبل تضرر منصات العملات المشفرة من ضغوط البيع، كانت الجهات التنظيمية تدق ناقوس الخطر حول "سلزيوس" لبعض الوقت الآن. فالمنصة، التي قالت في 2021 إن لديها أصول تشفير تتخطى حاجز الـ20 مليار دولار ومليون عميل، تلقت ضربة موجعة بسبب الإجراءات التي اتخذتها عدة ولايات أميركية وسط حملة التدقيق على ما إذا كانت معدلات تحمل الفائدة تتعارض مع قوانين الأوراق المالية أو لا.

اقرأ أيضاً: التضخم يضغط على العملات المشفرة.. و"إيثر" تسجل أدنى مستوى منذ 15 شهراً

تجاهل التحذيرات

لكن أمام إغراء العوائد الوفيرة التي تصل إلى 18%؛ قوبلت هذه التحذيرات بالتجاهل، بالرغم من شروط التعاقد المذكورة بوضوح، والتي تنص على أن المبالغ التي تتحصل عليها المنصة قد لا يتم إعادتها في حالة الإفلاس.

مع ذلك، فالخوف من تفويت مكاسب العملات المشفرة الذي أغرى المضاربين العاديين أتى بمفعول قوي أيضاً على محترفي القطاع المالي.

أدّت هذه المكاسب غير المستدامة على ما يبدو إلى جذب المسؤولين عن صندوق المعاشات التقاعدية في كيبك، والبالغ قيمته 420 مليار دولار كندي (أو ما يعادل 326.7 مليار دولار أميركي)، إذ قاد الصندوق إلى جانب مجموعة رأس المال المغامر "ويست كاب" (WestCap) استثماراً بقيمة 400 مليون دولار في "سلزيوس"، بعد تقييم الشركة بنحو 3 مليارات دولار خلال العام الماضي، حتى بعد التحذيرات التي أطلقتها الولايات المتحدة بشأنها.

ناهيك عن ذكر الخطوة التي اتخذها رود بولغر، رئيس الشؤون المالية الأسبق في "رويال بنك أوف كندا"، حيث تولى المنصب ذاته في "سلزيوس" خلال فبراير الماضي، ليحل بذلك محل المسؤول التنفيذي الذي تمّ إيقافه عن العمل بعد القبض عليه في إسرائيل، بسبب وجود صلات بينه وبين عملية نصب محتملة (ولكنه رفض الاتهامات).

بلا رقابة

كانت وجهة النظر الرسمية التي أعلنها صندوق المعاشات التقاعدية في كيبك، المعروف اختصاراً باسم (CDPQ)، عندما استثمر 150 مليون دولار أميركي هي: أن ذلك رهان على قدرات سلسلة الكتل (بلوكتشين) على استبدال التقنيات القديمة، أو كما قال مسؤولو كيبك حينها بالفرنسية “les chaines de blocs”.

يبدو أن هذه المكاسب غطّت على مخاطر منتجات التمويل المركزي التي تحاول التشبه بنظيرتها البنكية، لكنها تفتقر إلى الرقابة المصرفية. وتتضمن مثل هذه المخاطر دوامة الذعر من هبوط الأسعار، والبيع القسري، وفقدان الثقة على غرار البنوك، والذي قد يصل بأعمال الإقراض إلى الحد الأقصى.

كما أن التلهف على ما أسماه صندوق المعاشات التقاعدية في كيبك باصطياد "الألماس الخام" في العملات المشفرة أدّى هو الآخر أيضاً إلى عدم إعطاء أهمية كبيرة للمخاوف الأميركية حول "سلزيوس".

الآن، وحتى نتحدث بصراحة، من السهل الانتقاد بعد فوات الأوان. لكن هذه الحادثة ما هي إلا نقطة في بحر سوق العملات المشفرة، التي تجاوز حجمها الـ3 تريليونات دولار في نوفمبر الماضي، لكنها انزلقت إلى أقل من تريليون دولار يوم الإثنين الماضي. وقال صندوق المعاشات التقاعدية الكندي في بيان: "يراقب فريق عملنا الموقف عن كثب".

اقرأ أيضاً: شركة "ترون" تتعلم من درس "تيرا" وتُعدّل عملتها المشفرة تجنباً للأزمات

مخاطر متأرجحة

مع ذلك، وحتى في الأوقات الأكثر هدوءاً، أظهر توصيف ماشينسكي الخاص لنموذج عمل "سلزيوس" خلال العام الماضي أن الضغوط ستظل تتأرجح ذهاباً وإياباً، فمع وجود أكثر من 100 ألف إلى 115 ألف عملة "بتكوين" في مقابل معدلات فائدة تتراوح بين 6 و7٪، كان على المنصة أن تولد 6 إلى 7 آلاف عملة "بتكوين" حتى "تحقق مستوى التعادل فقط" مع العملاء، كما أوضح ماشينسكي. بعدها، يأتي التوسع في تعدين "بتكوين" وهو أمر يتطلب نفقات رأسمالية كبيرة، وعملاً تجارياً ذا تنافسية عالية، وخططاً للحصول على بطاقات ائتمان.

بالنسبة لصندوق تقاعد غير قادر أو غير راغب في الاستثمار المباشر بالعملات المشفرة، ربما يبدو هذا النوع من الشركات كاستثمار مثالي لتطبيق إستراتيجية التعامل غير المباشر مع المنتج الاستثماري، خاصة في أوقات انخفاض أسعار الفائدة. لكن حتى في ذلك الوقت، لم يتم الاستثمار إلا في ظل التغاضي عن مخاطر "بلوكتشين" الكبيرة في مقابل المكاسب المتصورة، وتجاهل التحذيرات التي أطلقتها الجهات الرقابية.

طالع أيضاً: إنفوغراف.. العملات المشفرة تخسر نحو تريليوني دولار في 7 أشهر

جذب المصرفيين

أما بالنسبة لانتقال بولغر إلى سلزيوس كمدير مالي، فهو ينطوي على رغبة في التفاخر بالتواجد ضمن "فريق إدارة مخاطر على مستوى عالمي" يستخدم ممارسات "شبيهة بالمؤسسات المالية الكبيرة الأخرى"، بالإضافة إلى جرعة كبيرة من التفاؤل بأن إقراض العملات المشفرة يقلل من "الحواجز" أمام التمويل. لكن لا يظهر أي شيء من ذلك حالياً.

وبولغر ليس المصرفي الوحيد الذي استسلم لإغراء شركات العملات المشفرة الثرية، فالأمل في تخفيف القيود التنظيمية، مع ضخ مزيد من الأموال في القطاع أدى إلى تبديل الكثير من العاملين في القطاع المالي لوظائفهم.

تدفق عدد كبير من موظفي البنوك إلى شركات التكنولوجيا المالية بين عامي 2020 و2022، منهم 37 موظفاً من بنك "غولدمان ساكس" وحده انتقلوا إلى شركة "كوين بيس غلوبال" (Coinbase Global).

الدومينو

حتى مع سقوط قطع الدومينو في عالم العملات المشفرة واحدة تلو أخرى، لن يزول الضغط الموجود على عاتق البنوك والصناديق للدخول إلى قطاع التشفير والتمويل اللامركزي بسهولة، ويرغب بنك "جيه بي مورغان تشيس آند كو" في جلب أصول بـ"تريليونات الدولارات" إلى التمويل اللامركزي. كما وجد تقرير شبكة " برايس ووتر هاوس كوبرز" (PWC) السنوي لصناديق تحوط العملات المشفرة هذا العام أن أكثر من 40% من الصناديق استخدمت طريقة الاقتراض والإقراض لتوليد العوائد، وربما يكون هذا أحد الأسباب الكامنة وراء اعتقاد الخبير المالي مايكل نوفوغراتز بأن ثلثي صناديق تحوط العملات المشفرة ستنهار.

رغم ذلك، المفارقة الآن هي أنه مع قيام الجهات التنظيمية بفحص حطام تلك الشركات، فإنهم سيسعون إلى جعل التمويل اللامركزي يبدو أشبه بالمصارف، مع ارتفاع التكاليف، وانخفاض الأرباح، وزيادة التنافس. ويقول تيونيس بروسينز، الخبير الاقتصادي في شركة "آي إن جي غرويب" (ING Groep)، عن "سلزيوس": "إذا لم توضّح هذه الواقعة سبب الترحيب بإخضاع قطاع التشفير للوائح التنظيمية، لا أعرف ما الشيء الذي قد يُفعل لذلك".

ختاماً، وعندما يعود أول مصرفي إلى قطاع التمويل التجاري مجدداً تاركاً وراءه شركات التمويل اللامركزي، سيتوجب علينا وقتها شكر مسؤولي صندوق التقاعد في كيبك.