إرث شيريل ساندبرغ هو إنترنت إعلانات مستهدفة ومؤتمتة

خلّصت مؤسسي "غوغل" من مخاوفهما حيال الإعلانات وأسهمت بجعلهما مليارديرين فاحشيْ الثراء

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حين استقالت شيريل ساندبرغ، كبيرة مسؤولي العمليات لدى "ميتا بلاتفورمز"، في الأول من يونيو، نشرت مقالاً احتفت فيه بشراكتها الطويلة مع مؤسس "فيسبوك" الشريك مارك زوكربيرغ وتحدثت فيه عن إنجازاتها في الشركة منذ 2008. كما أشارت إلى كتابها "Lean In" ولم تنسَ التذكير بعدد مستخدمي منصات الشركة الذي بلغ ثلاثة مليارات مستخدم، إلا أنها بالكاد ذكرت مساهمتها الأكبر في قطاع أعمال التقنية.

تحدثت ساندبرغ عن لقائها الأول مع زوكربيرغ في حفل في 2007، وكتبت أنها كانت مطّلعة على "فيسبوك" في ذلك الوقت، مع ذلك كانت ما تزال تعتقد أن الإنترنت "مجرد مكان مجهول يمكن فيه البحث عن صور مضحكة". لكن إن كان هذا ما حدث فعلاً، فهو استخفاف صارخ يداني الإجرام بالإنجازات التي حققتها ساندبرغ حتى ذلك الحين. فلم تكن مجرد مبتدئة في مجال الإنترنت عندما تحدثت مع زوكربيرغ بل كانت مسؤولة تنفيذية في "غوغل" ومهندسة التغييرات التي حوّلت الشركة إلى أكبر وأهم شركة إنترنت في التاريخ. انضمت ساندبرغ إلى "فيسبوك" خلال بضعة أشهر، وحملت معها الرؤية ذاتها إلى شبكة التواصل الاجتماعي.

شيريل ساندبرغ لدى مشاركتها في قمة المقبل من العام في بلومبرغ في نيويورك لعام 2019
شيريل ساندبرغ لدى مشاركتها في قمة المقبل من العام في بلومبرغ في نيويورك لعام 2019 المصدر: بلومبرغ

مخاوف "غوغل"

كانت مهمة ساندبرغ في "غوغل" أن تبني الجانب الإعلاني الذي لم يتجشم مؤسسا "غوغل" لاري بايج وسيرغي برين عناء إنشائه، ويعود ذلك جزئياً إلى اعتقادهما أن الإعلانات تنتهك شعارهما الشهير "لا تكن شريراً". تمكنت ساندبرغ من تخطي الاعتراضات الداخلية الأولية التي واجهتها فيما كانت تسعى لتوسيع منظومة بيع الإعلانات في "غوغل"، وخلّصت المؤسسين من مخاوفهما وأسهمت في تحويلهما إلى مليارديرين فاحشيْ الثراء.

قدمت "غوغل" تحت قيادتها منتجين متصلين مخصصين للإعلانات "أد ووردز" (AdWords ) و"أد سنس" (AdSense)، وأولهما عبارة عن نظام مؤتمت يتيح للشركات التنافس على موقع في أعلى صفحة نتائج البحث على "غوغل" عبر تحديد السعر الذي توافق على دفعه في كلّ مرّة ينقر فيها أحد مستخدمي محرك البحث على إعلانها. إذا بدا أن "أد ووردز" يتوقع رغبات المستهلكين عبر تقديم رسائل مصممة خصيصاً لتتوافق مع ما يبحثون عنه، فإن "أد سنس" حاول القيام بالأمر نفسه من خلال استخدام برنامج يجري مسحاً لمحتوى المواقع الإلكترونية ثمّ يقدم إعلانات معدّة خصيصاً لهذا المحتوى.

أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي يسعون لتخفيف هيمنة "غوغل" على الإعلانات الرقمية

استخدم النظامان برنامجاً إلكترونياً لعرض الإعلانات تلقائياً، وقد صُمما كي لا يقتصر عملهما على داخل "غوغل"، بل على امتداد كامل شبكة الإنترنت. لتحقيق إيرادات من الإعلانات، ما كان على المدونين المستقلين ومالكي المواقع الإلكترونية إلا إنشاء حساب وإدخال قدر من البرمجيات على موقعهم.

سرعان ما تبنى قطاع الإعلانات "أد ووردز" و"أد سنس". واللافت أن تقديمات "غوغل" باتت الأهم، وفي بعض الأحيان قناة التسويق الوحيدة للمؤسسات الصغيرة.

بلا حد أدنى

استفاد المعلنون الصغار من عدم إلزام "غوغل" لهم بقدر إنفاق أدنى ومن فعالية هذه المنصة. إذ تمكّن أصحاب المؤسسات من دفع الأموال عن العملاء الذين زاروا مواقعهم الإلكترونية فقط، وليس من تجاهلوا الإعلانات. بما أن هذه الإعلانات تنتشر في باقي أرجاء الإنترنت، حيث يختار الناشرون الكبار وحتى محركات البحث المنافسة عرض إعلانات "غوغل"، ارتفعت إيرادات الشركة من الإعلانات من 86 مليون دولار في 2001 إلى حوالي 16 مليار دولار بحلول نهاية 2007. حين انضمت ساندبرغ إلى "فيسبوك" كانت مهمتها واضحة: قومي بالأمر نفسه لدينا.

اتفاقية بين "فيسبوك" و"غوغل" تضعهما في مرمى اتهامات أوروبية بالاحتكار

كانت الماكينتان الإعلانيتان في "غوغل" و"فيسبوك" متعطشتين دائماً لمزيد من المعلومات عن المستخدمين. جمعت "فيسبوك" على مرّ العقد التالي كمّاً هائلاً من البيانات الشخصية عبر موقعها الإلكتروني ومن خلال برامج تتبع ضمّنتها المواقع الأخرى لدمج خدماتها معها. استخدمت "فيسبوك" بعدها تلك البيانات لإنشاء أمر يبدو أشبه بآلة قادرة على قراءة الأفكار. بالتالي، ظلّ المسوّقون قادرين مثلاً على استهداف طلاب جامعة هارفرد بالإعلانات مثلما كان الحال في بدايات "فيسبوك"، ولكن أيضاً بات بإمكانهم استهداف خريجي هارفرد من الأرامل المحبين لرياضة الكيرلينغ.

إعلان يتبعك

يمكنهم أيضاً تحميل قائمة من البريد الإلكتروني التي سبق وجمعوها ليستخدم "فيسبوك" مجموعته الهائلة من البيانات الشخصية من أجل إعداد قائمة جديدة من الأشخاص المستهدفين، ثمّ عرض الإعلانات لهم. فيمكنهم إعادة استهداف أي شخص زار موقعهم الإلكتروني من خلال شيفرة تعقب تُعرف باسم "بيكسل فيسبوك"، تجعل الإعلانات شخصية بحيث تظهر نظارة كنت قد وضعتها في حقيبة تسوقك الإلكترونية دون أن تشتريها حين تفتح تطبيق "انستغرام".

كما حال النظام الذي بنته ساندبرغ في "غوغل"، فإن مجال الإعلانات الذي أشرفت عليه في "فيسبوك" بات اليوم مدرّاً لأرباح طائلة، فقد أسهم في تحقيق حوالي 115 مليار دولار في 2021، أي كامل إيرادات "ميتا" تقريباً.

هل ستواصل استخدام "غوغل" في المستقبل؟

سعت خدمة الإعلانات في "فيسبوك"، كما هو شأن "غوغل"، لتحقيق سيطرة مركزية، فبات شبه مستحيل أن تطرح منتجاً أو تؤسس شركة دون أن تدفع المال للعملاقين للترويج لعملك عبر الإنترنت. إذ تملك "غوغل" 90% من سوق البحث على الإنترنت. أمّا "ميتا، فتملك ثلاثة من تطبيقات شبكات التواصل الاجتماعي الأربعة الأولى، فيما تملك "غوغل" التطبيق المتبقي، أي "يوتيوب". أسهم نموذجهما الاقتصادي في تركيز بيئة المعلومات في يديهما بشكل هائل، ما كانت له نتائج كارثية في كثير من الأحيان. ألحق ذلك الدمار بالصحف المحلية أو أدى إلى تقليص حجمها لدرجة لم يعد بالإمكان التعرف إليها، ونشأ جيل من السياسيين المتطرفين الذين كانت "فيسبوك" نفسها مدّتهم بالاستشارات، واستخدموا المنصة لزرع لانقسامات والتحريض على العنف.

استمرار الإرث

على الأرجح لن يتغير أي من هذا الواقع مع مغادرة ساندبرغ. فبغض النظر عن الجهود التي تبذلها "أبل" للحدّ من تعقب المستخدمين عبر تطبيقات أيفون، إلا أن نموذج الأعمال الذي أسهمت ساندبرغ في تطويره ما يزال النهج المفضّل لدى معظم الشركات الناشئة والرأسماليين المغامرين في وادي السليكون. كما أنه في ظلّ هيمنة الشركتين اللتين ساهمت في بنائهما، إلى جانب بضع عمالقة آخرين في وادي السليكون، بات من الصعب على أي قطاع زيادة إيراداته بلا إعلانات مصممة للاستهداف الشخصي.

التريليون المقبل لـ"غوغل" سيأتي من البحث والذكاء الاصطناعي

في كلّ الأحول، الإعلان الرقمي هو الدعامة التي تحمل كلّ تجارة على الإنترنت، ما يعني أن جهود الإصلاح ستكون إشكالية إن لم تكن مستحيلة. يقول زوكربيرغ وساندبرغ إن محاولات تقييد أو منع الإعلانات المستهدفة سيهدد قدرة المؤسسات الصغيرة على الوصول إلى العملاء، ويريان أن معظم الإجراءات المقترحة لكبح عمالقة التقنية الأميركيين ستسهم بتعزيز شبكة التواصل الاجتماعي "تيك توك" التي تملكها الصين. كما ألمحا إلى أن الولايات المتحدة، إن كانت تأمل بالبقاء في المنافسة مع الصين، فلا بديل لديها عن إنترنت ساندبرغ.