أزمة الغذاء المتصاعدة تضرب سريلانكا مع هجر المزارعين لحقولهم

مزارع يستريح أثناء غرس الشتلات في حقل أرز في بانداراغاما، سريلانكا، في وقت سابق من هذا الشهر.
مزارع يستريح أثناء غرس الشتلات في حقل أرز في بانداراغاما، سريلانكا، في وقت سابق من هذا الشهر. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

آر داراناغاما مزارع يبلغ من العمر 70 عاماً، يعتبر العام الماضي من بين أكثر الأعوام صعوبة في حياته بالنسبة لزراعة الأرز.

وفي الوقت الذي تعاني فيه سريلانكا من أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ عقود، بالكاد لمس داراناغاما حقله الذي تبلغ مساحته 16,000 متر مربع هذا الموسم. فمن دون الوصول إلى الأسمدة، يتوقع هو ومزارعون آخرون تراجع غلات المحاصيل، مما يهدد الإمدادات الغذائية في جميع أنحاء البلاد التي تقع بالفعل على حافة الهاوية.

يقول داراناغاما، الذي يزرع الأرز في منطقة غامباها الساحلية: "لا أعرف كيف سيكون الحصاد؛ فأنا لم أر مثل هذا الوضع من قبل".

الجدير بالذكر أن المخاوف تتزايد من أزمة الجوع في سريلانكا، وهي جزيرة على شكل دمعة جنوب الهند. حيث ينتشر النقص في عناصر مثل الدقيق ومسحوق الحليب على نطاق واسع. ويتأرجح تضخم الغذاء حول 60%. لكن في مواجهة التكاليف الباهظة، تخلى العديد من المزارعين مثل داراناغاما عن زراعة الأرز بالكامل هذا الموسم. وهو تحول مخيف بالنسبة لبلد متوسط ​​الدخل لم يواجه ذات مرة أية مشكلات في إطعام 22 مليون نسمة.

وقد أدى الانهيار الاقتصادي في سريلانكا، وهو الأسوأ منذ استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1948، إلى خسائر فادحة في قطاع الزراعة. حيث انخفض إنتاج الأرز في موسم الحصاد الأخير بالفعل بنسبة 40% إلى 50%. والآن، يمكن أن تؤدي ندرة البذور والأسمدة إلى تقليص غلة المحاصيل بنسبة تصل إلى 50% هذا العام، وفقاً لما قاله وزير الزراعة ماهيندا أماراويرا.

أكياس السماد في متجر في كيسبيوا، سريلانكا.
أكياس السماد في متجر في كيسبيوا، سريلانكا. المصدر: بلومبرغ

سوء التغذية

حذّر رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينغ من أن كبح جماح الجوع هو أحد أكبر تحديات سريلانكا خلال الأشهر القليلة المقبلة، مما دفع الأشخاص ذوي القدرة إلى بدء تخزين الإمدادات. وتُقدِّر الأمم المتحدة أن ما يقرب من ربع السكان يحتاجون بالفعل إلى مساعدات غذائية.

تعليقاً على الموضوع، قالت جيافاردانا بريدارشاني، وهي أم لأربعة أطفال تعيش في هامبانتوتا، معقل سلالة راجاباكسا الحاكمة، إن أسرتها كانت تأكل السمك أو البيض يومياً. لكن في هذه الأيام، لا يمكنها تحمل تكلفة الحصول على هذه العناصر إلا مرة واحدة في الشهر. كما قالت إن المدارس توقفت عن تقديم وجبات الطعام للطلاب ونادراً ما يخرج الصيادون إلى البحر بسبب نقص الوقود، على الرغم من وفرة الأسماك.

كذلك أضافت: "الأطفال هنا، بمن فيهم أطفالي، يعانون من التعب والضعف"، مضيفةً أن طبيباً حذّر من أن هذه أعراض لنقص البروتين.

ويتردد صدى المشكلة في جميع أنحاء سريلانكا. حيث قال ساجيث بريماداسا، زعيم المعارضة السياسية، إن ما يُقدّر بنحو 15% من الأطفال في البلاد يعانون من "الهزال"، ويشير هذا المصطلح إلى الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن والذين تكون أجهزتهم المناعية ضعيفة، مما يجعلهم عرضة للتأخر في النمو والمرض وحتى الموت.

علاوةً على ذلك، أفادت وسائل الإعلام المحلية في مستشفى ليدي ريدجواي في كولومبو، وهو أكبر مستشفى في البلاد للأطفال، أن حوالي 20% من المرضى يعانون من سوء التغذية بسبب الأزمة المستمرة. حيث يحمل سوء التغذية عبئاً اقتصادياً كبيراً من حيث ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وانخفاض الإنتاجية.

وتعود مشكلات سريلانكا إلى استنفاد احتياطيات العملات الأجنبية، والتخفيضات الضريبية في توقيت غير مناسب، وخسارة الدولارات المتولدة من قطاع السياحة، والاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19. وفي قطاع الزراعة، لعبت الزلات السياساتية دوراً أيضاً، ففي أبريل 2021، حظرت الحكومة بقيادة الرئيس غوتابايا راجاباكسا استيراد الأسمدة الاصطناعية لدفع البلاد نحو الزراعة العضوية.

ولكن بدون إعداد كافٍ، جاءت الخطة بنتائج عكسية. حيث واجهت السلسلة الزراعية بأكملها في سريلانكا -حوالي ثلث القوة العاملة و8% من الناتج المحلي الإجمالي– اضطرابات؛ وجفت عائدات الصادرات من الشاي، وهو مصدر رئيسي للإيرادات. ومع تصاعد رد الفعل، بدأت الحكومة في إلغاء الحظر في نوفمبر.

دور صندوق النقد

من جانيه قال الرئيس راجاباكسا إن حظر الأسمدة الاصطناعية كان يهدف إلى زيادة دخل المزارعين من خلال تزويدهم ببدائل مستدامة وأرخص تكلفة. وفي مقابلة حديثة مع بلومبرغ نيوز، أقرّ بوجود مشكلات في التنفيذ.

حيث قال: "لم يكن عند مُصنِّعي الأسمدة العضوية لدينا القدرة، ولكن لم يتم إبلاغي بذلك، ولم أحصل على دعم من المسؤولين".

يُشار إلى أنه بدون خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي، يشعر الكثيرون بالقلق من أن سريلانكا يمكن أن تمضي الآن في طريق فنزويلا، حيث تتسبب عملة لا قيمة لها أساساً في صعوبات لسنوات قادمة. ولأسابيع، أغلق المتظاهرون أجزاءً من العاصمة كولومبو، حيث يُوجّه الجمهور الكثير من غضبه إلى عائلة راجاباكسا، التي قادت البلاد لمعظم العقدين الماضيين.

اقرأ أيضاً: سريلانكا غير قادرة على الاستفادة من تمويل صيني بسبب "صندوق النقد"

فضلاً عن ذلك، تستمر موجات الصدمة من حظر الأسمدة في التردد. نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج -التي تصل إلى ضعف محاصيل الأرز- استعد جزء صغير من المزارعين لموسم يالا للحصاد هذا العام، والذي يتزامن مع موسم الرياح الموسمية الممتد من مايو إلى أغسطس.

كما أصبح الوضع يائساً بالنسبة لسريلانكا الأفقر. حيث حثّ أماراويرا، وزير الزراعة، الناس على زراعة المحاصيل في المنزل، قائلاً إن هذا هو الحل الوحيد للأزمة. وخلال الأشهر الثلاثة المقبلة، منحت الحكومة موظفي الدولة أيام الجمعة من العمل للعناية بحدائقهم. ولتلبية النقص، ستحتاج سريلانكا إلى إنفاق أكثر من 200 مليون دولار لاستيراد الأسمدة هذا العام.

حتى الآن، تتوقع الحكومة مساعدة مجمعة بقيمة 150 مليون دولار من البنك الدولي وبنك التنمية الآسيوي، وفقاً لمسؤول كبير مطلع على الأمر. كذلك قدم بنك الهند للتصدير والاستيراد بالفعل قرضاً بقيمة 55 مليون دولار لسريلانكا لشراء اليوريا، وهي أحد أشكال الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية. كما أرسلت الصين شحنات الأرز لسد فجوات الإمداد.

مزارع في حقل أرز في بانداراغاما، سريلانكا.
مزارع في حقل أرز في بانداراغاما، سريلانكا. المصدر: بلومبرغ

نفاد الخيارات

ومع تضاؤل ​​الاحتياطيات الغذائية، والأسعار العالمية القياسية للحبوب والأسمدة بسبب الحرب في أوكرانيا، فإن خيارات سريلانكا تنفد. حيث بدأ برنامج الأغذية العالمي بتوزيع قسائم غذائية على بعض النساء الحوامل كجزء من استجابته لحالات الطوارئ، بهدف تقديم المساعدة إلى 3 ملايين من الأشخاص الأكثر ضعفاً. وحتى مع المساعدات الإنسانية والزيادة الأخيرة في الزراعة، فإن انتشار الجوع ممكن إذا لم يتمكن المزيد من المزارعين من زراعة أو حصاد محاصيلهم بسبب الأسعار الجامحة.

من جانبه، يقول كيه سوغاث، مزارع يبلغ من العمر 52 عاماً، إن التحديات تتراكم باستمرار. وبدون الوصول إلى اليوريا، زرع فقط 4,000 متر مربع من الأرز هذا الموسم. كما اختار العديد من المزارعين في منطقته عدم الزراعة بالكامل، بحجة أن الأسمدة العضوية المتاحة تنتج محاصيل محدودة. يُضاف إلى ذلك أن أسعار الوقود المرتفعة تعني أيضاً أن تكلفة تشغيل الجرارات ضعف تلك التكلفة الآن.

وفي الواقع، فإن سوغاث غير متفائل بشأن محصوله، إلا أنه قلق من عدم وجود خيارات إذا كان يريد إطعام أسرته.

حيث قال: "ارتفعت أسعار الأرز لكن لا أحد يبيع".