الولايات المتحدة تستنفد احتياطي البترول الاستراتيجي بأسرع مما يبدو

مدخل مكاتب احتياطي البترول الاستراتيجي التابعة لوزارة الطاقة الأميركية في فريبورت، بولاية تكساس، يوم 9 يونيو 2016. تستخدم الولايات المتحدة المخزونات الاستراتيجية وكل الوسائل الممكنة للحد من ارتفاع أسعار النفط
مدخل مكاتب احتياطي البترول الاستراتيجي التابعة لوزارة الطاقة الأميركية في فريبورت، بولاية تكساس، يوم 9 يونيو 2016. تستخدم الولايات المتحدة المخزونات الاستراتيجية وكل الوسائل الممكنة للحد من ارتفاع أسعار النفط المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أصبحت الولايات المتحدة الحل الأخير للعالم في ما يتعلق بصناعة النفط، حيث تمنع بمفردها أسعار الطاقة من الارتفاع إلى مستويات أعلى مما هي عليه، وذلك من خلال بيع جزء كبير من احتياطي البترول الاستراتيجي لديها. لكن واشنطن لا تستطيع استخدام هذا الاحتياطي إلى ما لا نهاية: فهذا المخزون يتّسم بالمحدودية، وهناك احتمال أيضاً بأن يواجه نقصاً غير محدود في التدفقات. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق، فهو أن البلاد تستنفد مخزونها المؤقت بشكل أسرع بكثير مما يبدو عليه.

اقرأ أيضاً: مخزون الاحتياطي النفطي الأميركي يهبط لأدنى مستوى منذ 35 عاماً

هذا الأمر مهم. فقد حذّرت الوكالة الدولية للطاقة في وقت سابق من هذا الأسبوع، من أن "إمدادات النفط العالمية قد تعجز عن مواكبة الطلب في العام المقبل". وبالتالي، قد يكون احتياطي البترول الاستراتيجي في أواخر هذا العام وفي عام 2023، آخر وسيلة لوضع سقف لأسعار النفط والتضخم العالمي. من هنا، فإن نجاح ما يقوم به رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، وأقرانه حول العالم في ما يتعلق بأسعار الفائدة، يتوقف إلى حدّ كبير على تطورات سوق الطاقة.

اقرأ المزيد: تحالف "أوبك+" يتلمّس خطواته المقبلة في ظل الضغط الأميركي

لمعرفة المعادلة فيما يتعلق بمحدودية احتياطي البترول الاستراتيجي، يجب على المرء أن يطّلع على عمليات هذا الاحتياطي ذاته، والعمليات الداخلية في صناعة تكرير النفط الأميركية. لقد باع البيت الأبيض نحو 115 مليون برميل من مخزونه في العام الماضي، مع ارتفاع الكميات المُفرج عنها إلى مستوى قياسي قارب المليون برميل يومياً منذ منتصف مايو. هذا يعني بالمعدل الحالي، أن الولايات المتحدة تبيع كميات من احتياطيها، تتفوق على إنتاج معظم الدول متوسطة الحجم في "أوبك"، مثل الجزائر أو أنغولا.

اقرأ أيضاً: "الطاقة الدولية": زيادة طاقة تكرير النفط غير كافية لحل أزمة الديزل العالمية

تقلّص حجم المخزونات

إذا التزمت واشنطن بالوتيرة الحالية لإطلاق كميات من احتياطي البترول الاستراتيجي، سيتقلص هذا الاحتياطي إلى أدنى مستوى له منذ 40 عاماً عند 358 مليون برميل بنهاية أكتوبر، عندما يتوقف السحب من المخزونات كما هو مقرر. وصل احتياطي البترول الاستراتيجي في أربع خزانات في تكساس ولويزيانا إلى 621 مليون برميل قبل عام. بالنظر إلى وضع سوق النفط اليوم، من الصعب معرفة كيف ستوقف واشنطن المبيعات في أكتوبر. فاستبعاد هذا العرض الإضافي، قد يعني نفاد المخزونات التجارية سريعاً، الأمر الذي سينعكس ضغوطاً تصاعدية على أسعار النفط.

نظرياً، سيسمح الحجم المتبقي بعد شهر أكتوبر للبيت الأبيض ببيع المزيد من النفط الخام في نوفمبر وديسمبر، وفي العام المقبل. لكن تبقى هناك مشكلة أساسية تتعلق بعدم تساوي كميات الخام الموضوعة جانباً، وما يتبقى يصبح أقل فائدة بشكل مطرد مما تم بيعه بالفعل.

بشكل عام، يضم احتياطي البترول الاستراتيجي نوعين من الخام، هما المتوسط الحموضة، والخفيف الحلو. يُشير الأول إلى كثافة النفط، بينما يُشير الثاني إلى محتوى الكبريت. تُفضّل مصافي التكرير الأميركية في العادة، النفط الخام متوسط الحموضة، نظراً لكثافته العالية واحتوائه على نسبة أعلى من الكبريت، لا سيما أنه نوع يمكن معالجته وتحويله بسهولة إلى بنزين ومنتجات أخرى بفضل منشآت التكرير المتطورة.

احتياجات المصافي

يتطابق حجم النفط الخام متوسط الحموضة الذي تضعه الولايات المتحدة جانباً مع نوع الخام المستخدم من قبل مصافي التكرير المحلية. تبلغ كثافة الخام متوسط الحموضة المخزّن نحو 31.9 درجة على مقياس معهد البترول الأميركي للكثافة النوعية، مع محتوى من الكبريت تبلغ نسبته 1.44%، وهذا يعكس متوسط ​​الخام المُعالج من قبل مصافي التكرير الأميركية في السنوات الخمس الماضية، والذي بلغت كثافته 32.6 درجة و1.34% من الكبريت. يتمتع الخام الخفيف الحلو من الاحتياطيات بكثافة أعلى بكثير عند 35.8 درجة وكبريت أقل بكثير بمقدار 0.4%. إلا أن النفط الخام متوسط الحموضة هو ما تضخه روسيا ومعظم دول الشرق الأوسط وفنزويلا.

لهذا السبب، أعطى البيت الأبيض الأولوية لبيع النفط متوسط الحموضة، ما أشبع حاجة المصافي للحصول على خامها المفضل. وشكّل الخام متوسط الحموضة نحو 85% من احتياطي البترول الاستراتيجي الذي تم بيعه العام الماضي، وفقاً لتحليل استند إلى بيانات حكومية. لكن بالنظر إلى أن التكرير هو أحد أكبر الاختناقات في سوق النفط حالياً، تعتبر تلبية الاحتياجات المُفضّلة لمصافي النفط الأميركية أمراً شديد الأهمية. كانت شركتا "ماراثون بتروليوم" (Marathon Petroleum) و"فاليرو إنيرجي" (Valero Energy) من أكبر مشتري عطاءات احتياطي البترول الاستراتيجي في الأشهر الستة الماضية، الأمر الذي ساعد الصناعة على الاستفادة من هوامش التكرير القياسية.

حماية محدودة

مع قيام البيت الأبيض بتزويد مصافي التكرير الأميركية بمجموعتها المتنوعة المُفضّلة، أدت تلك المبيعات إلى تقليص كمية النفط الخام متوسط ​​الحموضة ضمن لاحتياطي النفطي بشكل هائل، وستنخفض بشكل أكبر خلال الأشهر الأربعة المقبلة. ترى "أويل إكس" (OilX) للاستشارات النفطية، أن احتياطي البترول الاستراتيجي سيحتفظ بـ179 مليون برميل فقط من النفط الخام متوسط ​​الحموضة في نهاية أكتوبر. لوضع التحليل في نصابه الصحيح، من المرجح أن تقوم الولايات المتحدة ببيع حوالي 180-190 مليون برميل من الخام متوسط الحموضة من الاحتياطي خلال الفترة من يونيو 2021 إلى أكتوبر 2022. لكن يبدو أن واشنطن بدأت تفقد القدرة على تكرار هذا السيناريو.

مع هذا، يترك المتبقي للبيت الأبيض بعض الحماية، ولكن ليس كثيراً. بدأت الحكومة بالفعل عرض المزيد من الخام الخفيف الحلو بدلاً من الخام متوسط ​​الحموضة في مناقصة احتياطي البترول الاستراتيجي الأخيرة. وبغض النظر عمّا تفضّله المصافي، فإن توافر النفط أفضل من عدمه. ولكن مع اقتراب الأمور الجيدة من نهايتها، لا يمكن للعالم أن يستمر في الاعتماد على احتياطي البترول الاستراتيجي الأميركي لإبقاء أسعار النفط تحت السيطرة.

بوضع ذلك في عين الاعتبار، تبدو رحلة الرئيس الأميركي جو بايدن، الشهر المقبل، إلى المملكة العربية السعودية، أكثر منطقية. يضخّ السعوديون وجيرانهم في الإمارات العربية المتحدة، النفط الخام متوسط ​​الحموضة، وهذا كل ما نحتاج إلى معرفته.