لماذا تنعكس السوق الهابطة سلباً على الأسهم والسندات؟

غواصان مشاركان جنباً إلى جنب في بطولة أوروبا للسباحة، في إسبانيا
غواصان مشاركان جنباً إلى جنب في بطولة أوروبا للسباحة، في إسبانيا المصدر: بلومبرغ
Richard Cookson
Richard Cookson

Richard Cookson was head of research and fund manager at Rubicon Fund Management. He was previously chief investment officer at Citi Private Bank and head of asset-allocation research at HSBC.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تشهد السوق الهابطة للأصول المالية مرحلة من التقلبات المتأججة خلال الأشهر الأخيرة، حيث أظهرت بعض العلامات تراجعاً واضحاً.

تراجع مؤشر "مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال" (MSCI) للأسهم العالمية من أعلى مستوى بَلَغَهُ خلال الخريف الماضي بنسبة 22%، كما تراجعت أسهم الأسواق الناشئة بنحو 30% منذ ارتفاعها في أوائل العام الماضي. ولكن الأمر الأكثر لفتاً للانتباه هو مدى سوء أداء الأصول الأخرى وتراجعها في نفس الوقت، وخاصة السندات الحكومية وسندات الشركات. حيث فقدت مؤشرات سندات الخزانة الأميركية التي تعود إلى 7- 10 سنوات، كما هوت ديون الشركات ذات الدرجة الاستثمارية بحوالي 10% و13% على التوالي خلال هذا العام.

طالع المزيد: كيف نتصرف بعدما باتت السوق هابطة؟

على الرغم من ذلك، لا يزال أداء الأصول الأميركية أفضل بكثير من الأداء المؤسف لنظرائها في أوروبا. فمن غير المعتاد أن يكون أداء كلٌّ من الدخل الثابت والأسهم سيئاً للغاية في الوقت نفسه. منذ أواخر التسعينات، كانت أسعار الأسهم والسندات مرتبطة بشكلٍ عكسيّ: إذا تراجعت الأسهم، مالت السندات إلى الارتفاع. فماذا حدث؟

أكبر فقاعة مالية

كتبتُ في مقالٍ نُشِرَ في فبراير 2021، أن الاحتياطي الفيدرالي قد تسبّب بأكبر فقاعة مالية شهدها التاريخ لأنّها شملت كل شيء. وزعمتُ أن استمرار الضغوط التضخمية المتزايدة قد تنفجر في نهاية المطاف داخل هذه الفقاعة مع اضطرار بنك الاحتياطي الفيدرالي وغيره من البنوك المركزية إلى التحرك واتخاذ الإجراءات اللازمة. وكان ينبغي أن أذكر أيضاً أنّ التقييم العام لمعظم محافظ الأوراق المالية التقليدية، التي تحتوي على مجموعة مختارة من السندات والأسهم، بلغ أعلى مستوى له في التاريخ دون أي شكّ. وقد أخذت التقديرات تواصل ارتفاعها من أي وقت مضى مع تحرّكات البنوك المركزية خلال العقدين الماضيين لخفض مستويات التضخم، إلى جانب التدابير الاستثنائية التّي اتّخذتها في التوقيت الخاطئ، إثر انتشار جائحة كورونا.

اقرأ أيضاً: هل ربحية الشركة مفتاح صمودها في السوق الهابطة؟

تعثّر النموّ

يمكن تفسير كلّ هذه التطورات الأخيرة بطريقة مبسّطة وواضحة جداً: أخذ التضخم يتسارع بوتيرةٍ فاقت توقعات الناس، وبخاصة محافظي البنوك المركزية. حيث أخذ التضخم الجامح يلتهم النمو الحقيقي. ومع إدراك البنوك المركزية ضرورة تضافر جهودهم لكبح جماحه - وربما أكثر من ذلك بكثير، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس خلال الأسبوع الماضي كما فاجأ البنك الوطني السويسري الجميع برفع أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس - فمن شبه المؤكد أن يتعثّر النمو أكثر . يُشكّل تزايد نسبة التضخم وارتفاعه من جهة، وانخفاض النمو وتراجعه من جهة ثانية، مزيجاً ساماً لكلّ من السندات والأسهم بعد أن كانت تقديراتها مرتفعة.

التقلب يضرب سوق السندات مع الاعتماد على البيانات في تحديد مسار "الفيدرالي"

عوامل أخرى

إلّاَ أنني أعتقد أنّ عوامل أخرى أكثر دهاءً، تؤثّر على السوق، وهي عوامل قد يستغرق حلّها سنوات كثيرة. قبل أواخر التسعينات، ارتبطت الأسهم والسندات إيجاباً - حيث ارتفعت وانخفضت جنباً إلى جنبٍ – لأنّ الأدلّة تؤكّد بقوة قلق المستثمرين بشأن التضخم. أمّا اليوم، أصبح المستثمرون أكثر قلقاً حيال انخفاض التضخم والنمو معاً، حيث انعكست الارتباطات السابقة. وبعد أن دفعت مخاوف التضخم بنفسها إلى الواجهة خلال العامين الماضيين، انقلبت العلاقة بين الأسهم والسندات إيجاباً مرة أخرى.

يمكن أن ينجم عن ذلك نتائج ملحوظة، حتى على المدى القصير. فعلى الرغم من سعي المستثمرين الأكثر ذكاءً إلى التحوط من الأحداث الشديدة من خلال شراء خيارات منخفضة الفرص بهدف حماية أنفسهم في ظلّ تردّي أوضاع السوق. فإن كل بنك وصندوق تحوط وشركة استثمار تعتمد بشكل كبير على نظام إدارة المخاطر الذي تشكل فيه الارتباطات مكوناً رئيسياً. ويعرف نموذج إدارة المخاطر باسم "القيمة المعرضة للمخاطر" ("في إي آر" VaR، باختصار). وهي معرّضة لخطر المبالغة في التبسيط، فإن كنت تملك على سبيل المثال أصلَين في محفظتك"، سيدقٌّق النموذج في التقلبات وأداء الأسعار والعلاقة بينهما. في حال ارتفع أحد الأصول عندما انخفض الآخر ستحصل بذلك على فوائد التنويع. ما يعني أنه يمكن أن يتولى مدير الصندوق مراكز أكبر، مقابل مبلغ معيّن من رأس المال.

تأثير العلاقة بين الأسهم والسندات

لكن في حال انخفاض الأسعار، تتسارع التقلبات وتتغير تلك الارتباطات، ما يتسبّب في خسائر كبيرة يتكبّدها كلا الأصلين فعند إقرار النموذج فائدة التنويع؛ يضطر المستثمر إلى تقليل التعرض لكلا الأصلَين. وهذا ما يُعرف بصدمة " القيمة المعرضة للمخاطر"، هو سيناريو قريب لما شهدناه خلال الأسابيع القليلة الماضية: اضطرار المستثمرين الذين يجدون أنفسهم فجأة في دائرة الخطر على بيع أصولهم. تتلاشى هذه الصدمة عندما تعاود أسعار الأصول انخفاضها إلى مستوياتٍ تُسعد المستثمرين الأطول أجلاً للاستثمار فيها. يُطرح سؤالٌ حول المستويات التي ترضي المستثمرين، وهل كل شخص لديه مقاييس تقييم أو احتياجات مختلفة.

في هذا السياق، يبقى سؤالَان مطروحَان حول هذا الموضوع. يتعلّق الأول بتكلفة التحوط في إدارة المخاطر مثل الأسهم ذات السندات الحكومية. حيث لا تُشير الارتباطات إلى نهاية مطاف الأصلًين، فقط كيف يصلان إلى هذه المرحلة. على مدى العقدين الماضيين، كان الاحتفاظ بالسندات الحكومية هو التحوط النهائي لأنه حتى عام 2020، ارتفع السعر فقط مع مرور الوقت. وجنى المستثمرون المال من فئتي الأصول. ولكن منذ منتصف عام 2020، أدّت الضغوط التضخمية الشديدة في عدد من البلدان إلى تكبّد خسائر فادحة. وأتصوّر، أنّ أغلب السندات الحكومية ستظل باهظة الثمن، وتسبب المزيد من الخسائر ما لم يبدأ التضخم في التراجع أكثر ممّا تتوقعه الأسواق. على أي حال، ما قيمة المبلغ الذي يرغب المستثمرون في دفعه مقابل التحوط الذي لا فائدة منه؟

أمّا السؤال الثاني فهو أكثر دقة ولربّما أكثر قوة. يرتفع الطلب على كلّ من الأسهم والسندات في حال تنوّعهما بشكلٍ مناسبٍ، فترتفع بالتّالي تقديراتهما كلٌّ على حدة. وقد تحتاج البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة بنسبةٍ تفوق توقعات الأسواق الآن للحدِّ من جماح التضخّم، الأمر الذي يودي بالدول إلى الركود الحاد أو ما يسمى بـ"نسبة التضحية". ولأنني أشكّ في امتلاك هذه البنوك الشجاعة الكافية أو الدعم السياسي للقيام بهذه الخطوة، أعتقد أنه من المرجح استمرار التضخم كمشكلة هادرة للوقت، على الرغم من الارتفاع والانخفاض الراهن. بناءً على ذلك، قد تظلّ الارتباطات إيجابية، فمن المرجح أن تنخفض التقييمات القائمة بذاتها أكثر.