جميع الأجيال من "إكس" إلى "زد" يتَّفقون على إيجابيات العمل عن بعد

فطور للترحيب بعودة الموظفين إلى مكاتب شركة "غوغل" في شيكاغو
فطور للترحيب بعودة الموظفين إلى مكاتب شركة "غوغل" في شيكاغو المصدر: بلومبرغ
Chris Hughes
Chris Hughes

Chris Hughes is a Bloomberg Opinion columnist covering deals. Previously, he worked for Reuters Breakingviews, the Financial Times and the Independent newspaper.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في بدايات تفشي الوباء، كان الحديث المطروح حول العمل عن بُعد يوحي بأنه خيار يمثل صعوبة بالنسبة لصغار الموظفين العالقين في منازلهم الضيقة، بينما يكون نعيماً بالنسبة لكبار الموظفين ممن يمكنهم العمل في مكاتبهم المنزلية جيدة التهوية. وبينما كان الشباب من الموظفين يفقدون فرصة التعلم الشخصي، ركز رؤساؤهم بشكل أكثر على كيفية إنفاق المدخرات التي جمعوها من تراجع إنفاقهم على التنقل.

لكن في الوقت الحالي، فإن المواقف إزاء العمل عن بُعد باتت أقل تناقضاً.

ويبدو أن غالبية الموظفين في المكاتب التقليدية باتوا أكثر تقديراً لفكرة العمل من المنزل على الأقل ليوم واحد في الأسبوع. ولا شك أن هناك بعض الاختلافات بحسب السن، إلا أنها ليست اختلافات كبيرة أو متسقة بما يكفي لتكون ذات أهمية كبيرة.

التخلّي عن العمل

فوجدت دراسة حديثة أجرتها شركة الاستشارات "ماكنزي آند كو" (McKinsey & Co) أن الموظفين بين 18 و34 عاماً أكثر ميلاً بنسبة 59% لترك العمل إذا لم يوفر صاحب العمل لهم فرصة العمل الهجين، مقارنة بمن هم بين 55 و64 عاماً.

اقرأ أيضاً: انحسار "كورونا" يثير جدلاً حول جدوى نظام "العمل الهجين"

هذا المسح الأكبر لترتيبات واتجاهات العمل تم بتعاون بين "جامعة شيكاغو" و"المعهد التكنولوجي المستقل" في المكسيك، و"معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" و"جامعة ستانفورد"، قدّم نتائج أكثر دقة أيضاً. حيث أظهرت البيانات أن الموظفين في العشرينات من أعمارهم من المرجح أن يبحثوا عن وظيفة جديدة إذا حرمهم أصحاب العمل من فرص العمل الهجين. وأن من تزيد أعمارهم عن 50 عاماً سيستقيلون فوراً على الأرجح. (بالطبع يؤخذ بالاعتبار أن لدى العاملين الأصغر سناً ميل عام لتغيير الوظائف، ولدى الموظفين الأكبر سناً تطلع نحو التقاعد).

علاقة الأمر بالأجور

تعتمد أمور كثيرة على كيفية طرحك للسؤال حول العمل عن بعد. فإذا طلبت من الموظفين التفكير في مسألة زيادة الأجر عند اختيار العمل من المنزل ليومين أو لثلاثة أيام، فستجد أن الفكرة تحصل على تقييم أعلى من قبل من هم في الثلاثينات من العمر. بينما إذا سألت عن زيادة الأجر المطلوبة للعمل خمسة أيام من المكتب، فسوف يطلب الموظفون فوق الـ50 عاماً الرقم الأكبر.

تكاليف ووقت التنقّل

كذلك، فإن النقطة المهمة تتمثل بأن جميع الفئات تدعم ترتيبات العمل الهجين. ومن الواضح أن الرغبة في خفض وقت التنقل، تعد الميزة الأكثر ذكراً بالنسبة للعمل عن بُعد، وهي تتجاوز الموظفين الأكبر سناً. حيث يشعر الموظفون الأصغر سناً بتأثير تكاليف التنقل بشكل أكبر على دخلهم المتاح للإنفاق، وغالباً ما تكون الأجزاء الأكثر مركزية من شبكات النقل العام هي الأكثر ازدحاماً. في الوقت نفسه، فإن جيل الألفية أمضى عامين تقريباً في اعتياد العمل المشترك في المنازل، والتفاوض بشأن المساحات المشتركة للعمل مع شركاء السكن.

ما الذي يعنيه كل هذا لأصحاب العمل؟

سيستمر ضيق سوق العمل والحاجة إلى جذب مواهب صاعدة، في إجبار معظم الشركات الكبيرة على تقديم خيار العمل عن بُعد لبضعة أيام على الأقل، لكن تأثير هذا التحول على المدى الطويل ما يزال مجهولاً.

مع ذلك يبقى هناك جزء مقلق من هذا التوجّه الذي صاحب الجائحة، مثل فقدان إمكانية التعلم أثناء العمل والتفاعل الشخصي. ولا شك أن انخفاض معدل شغل المكاتب يعني نقلاً أقل للمعرفة بين الأجيال وضعف العلاقات الداخلية في الشركات، وهي أمور تمثّل أحد الميزات التنافسية مثل القدرة على جذب المواهب. فعندما تسوء الأمور في الشركات، غالباً ما يعود السبب إلى ثقافة الشركة.

شاهد أيضاً: "العمل عن بعد".. أفضل ما خلَّفه كورونا

فحتى إذا كان من الممكن تقسيم الأنشطة بشكل فعّال إلى مهام فردية يفضّل إتمامها عن بُعد ومهام تشاركية يفضّل إجراؤها في المكتب، فإن شيئاً ما يضيع حتماً في المنتصف، مثل التعلم من خلال المحاكاة وإمكانية الاستفادة من خبرات زميل آخر. وبالتأكيد لا يتسبب العمل الهجين في اختفاء مثل هذه الفوائد، لكنه يعرضها لخطر التضاؤل.

ميزات المرونة

لذلك من المتوقع أن يقدم أصحاب العمل خيار العمل الهجين مع التشجيع على القدوم إلى المكتب. وثمة أمر قد يساعد في هذا الصدد وهو اقتراح ساعات عمل أكثر مرونة لتفادي السفر في أوقات الذروة والتعامل مع الالتزامات غير المتعلقة بالعمل.

يشير مسح أجري على موظفين في لندن من قبل "كلية كينغز" في لندن إلى أن ثاني أكبر سبب لجاذبية العمل من المنزل هو إمكانية إدارة المسؤوليات المنزلية والاجتماعية. وقد تصبح تكاليف التنقل جزءاً أكثر وضوحاً في المفاوضات المتعلقة بالأجور.

مكاتب المستقبل

من جهة أخرى، يجب أن تستجيب الشركات لما يعتبره الموظفون سلبيات العمل من المكتب، وغالباً ما تنطوي هذه السلبيات على كثرة عوامل التشتيت. فعلى سبيل المثال، تفيد التقارير أن شركة "غوغل"، المملوكة لـ"ألفابيت"، تخطط لإنشاء مكاتب مستقبلية من شأنها منح الناس مساحة أكبر، وهذا يعزز توجّه الشركات المستأجرة التي تسعى لمساحات عالية الجودة في مواقع رئيسية.

اقرأ أيضاً: السؤال الأبرز للشركات اليوم: هل يستمر العمل عن بعد؟

وفيما كانت معدلات الوظائف الشاغرة في المكاتب الفاخرة في وسط لندن تبلغ 4% فقط، فإن هذه المعدلات بلغت 8% بشكل عام في نهاية عام 2021، بحسب استشاري العقارات "كوشمان آند ويكفيلد" (Cushman & Wakefield). وقد استأجر المطور العقاري "بريتيش لاند" (British Land) مؤخراً مبنى في الحي المالي في لندن قبل أربعة أعوام من اكتمال أعمال تشييده المقررة.

ومن المؤكد أن تطوير مستوى مكاتب المدن الكبرى في العالم ليناسب حقبة ما بعد الوباء لن يحدث بين عشية وضحاها. فإذا لم تتغير العقليات بشكل جذري أو يتغير ميزان القوى بين أصحاب العمل والموظفين، فسيكون أمام تجربة العمل الهجين الكثير من الوقت لتظهر نتائجها.