الاحتياطي الفيدرالي يبالغ باهتمامه حيال 500 رأي عشوائي

يُطلب من أشخاص عاديين يتفاوت إلمامهم بالأعداد أن يتنبأوا بما يفشل اقتصاديون بتقديره جيداً

رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول
رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول المصدر: بلومبرغ
Jonathan Levin
Jonathan Levin

Jonathan Levin has worked as a Bloomberg journalist in Latin America and the U.S., covering finance, markets and M&A. Most recently, he has served as the company's Miami bureau chief. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تنشر جامعة "ميشيغان" بيانات توقعات التضخم الشهرية للمستهلكين الجمعة، وذلك في أول إصدار يلي إعلان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أن الاستبيان عامل رئيسي في قرار المجلس برفع أسعار الفائدة الأسبوع الماضي بأكبر قدر منذ 1994. سيوفر ذلك حافزاً جديداً لتقلبات عنيفة في الأسواق المالية، لكن ينبغي للمتداولين ولباول أن يخففوا من تركيزهم على هذا الاستبيان.

توقعات التضخم هي نبوءات تحقق ذاتها، ويمكن تفهم قلق باول حيالها، فأن ارتفعت التوقعات يمكن أن يطلب العمال نظرياً زيادات لتعويض المخاوف التضخمية، كما قد ترفع الشركات أسعار السلع المُصنعة لتعويض ارتفاع تكاليف العمالة، فيدخل الاقتصاد برمته في دوامة تضخمية طويلة قد يصعب الخروج منها.

"الفيدرالي" مطمئن بأن السوق تتفاعل مع خطواته "جيداً"

لم يتقن أحد للأسف فن كيفية قياس هذه التوقعات بكفاءة وموثوقية على نحو يُعَول عليه لأغراض السياسة، ما يجعلها أداة ذات مشاكل إن استخدمت لاتخاذ قرارات حساسة من حيث الوقت ومؤثرة على توسع الاقتصاد الأميركي، أو كسر نموه. فقد تؤدي قراءة أخرى صادمة للتوقعات، مثل تلك التي أذهلت باول على ما يبدو في 10 يونيو، لتضليل صانعي السياسات بسهولة.

ضع في اعتبارك الطريقة التي تعمل بها استطلاعات الرأي الخاصة بالتضخم الاستهلاكي في الواقع. في حالة جامعة "ميشيغان"، تتصل الجامعة بمجموعة من أرقام الهواتف، وتطرح أسئلة على 500 شخص على الأقل ومنها: "ما هو متوسط النسبة المئوية التي تتوقعها بشأن ارتفاع الأسعار أو انخفاضها سنوياً خلال السنوات الخمس إلى العشر المقبلة؟"

الحفاظ على الواقعية

هذا جزء من استطلاع أوسع لثقة المستهلك، لكنه من أصعبها، فلم يُسأل معظم الناس حول هذا مُطلقاً. انجذب المشاركون في الاستطلاع إلى الأرقام بمضاعفات رقم خمسة، وأجابت مجموعة لا يُستهان بها منهم بتقديرات بلغت 20% فأكثر. لدى فريق الاستبيان توجيهات بتحفيز المشاركين باستخدام آليات أخرى إن أعطى المشارك تقديراً أعلى من 5%، حيث يجب أن يقولوا: "دعني أتأكد أنني تلقيت ذلك بدقة". يُغير المشاركون إجاباتهم أحياناً لدى سؤالهم: "قلت إنك تتوقع ارتفاع الأسعار أو انخفاضها بنسبة كذا خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، هل هذا صحيح؟"

لا يستوعب عامة الناس مفهوم التضخم بشكل جيد، فقد وجدت الدراسات أن المشاركين يميلون لبناء تقييماتهم للأسعار على مجموعة محدودة من السلع التي يتفاعلون معها بانتظام، بما فيها الطعام والبنزين، وفقاً لإيجاز أكاديمي حول هذه المسألة للباحث، مايكل ويبر وآخرين معه من كلية بوث للأعمال في جامعة "شيكاغو".

السياسة تشوش آراء الأميركيين حيال الاقتصاد

تميل أسعار الجعة للعب دور في حسابات الرجال. لقد صُمم استطلاع جامعة "ميشيغان" بواسطة أكاديميين فكروا ملياً بعديد من هذه الألغاز، منها على سبيل المثال، سؤال المشاركين عن "الأسعار" بدلاً من "التضخم" لتفادي حدوث ارتباك لا طائل منه. لكنه يصعب التغلب على التحدي المتأصل وهو أننا نطلب من أشخاص عاديين يتفاوت إلمامهم بالأعداد أن يتنبأوا بما يفشل اقتصاديون بتوقعه جيداً.

هل يعول عليه؟

إذن ما هو تقرير استطلاع الرأي في الواقع؟ هل هو معلومات يمكن الاستناد إليها لاتخاذ قرارات حيال ما تدور حوله نقاشات السياسة اليوم؟

أشار بنك "مورغان ستانلي" في مذكرة حديثة إلى أن استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة "ميشيغان" حول توقعات التضخم على المدى الطويل يميل بشكل أساسي لمماشاة المتوسط المتغير لمؤشر أسعار المستهلك لمدة خمس سنوات، فقد كان هذا المتوسط في ارتفاع أخيراً، لذا ترتفع معه خشية التضخم في استبيان "ميشيغان". حتى إن تجاهلت احتمالية أن يضلل الاستبيان صانعي السياسات، فإن التفسير الأكثر اعتدالاً يشير إلى أنه مجرد زائد عن الحاجة كعامل في القرارات المتعلقة بمعدل الفائدة على الأموال الفيدرالية.

اقتصادي حائز على "نوبل" يرى "احتمالية كبيرة" لركود اقتصادي في أميركا

صدرت آخر أرقام استطلاع جامعة "ميشيغان"، في البيانات الأولية لمايو، قبل خمسة أيام فقط من قرار الاحتياطي الفيدرالي الأخير، وأظهرت أن المشاركين توقعوا زيادة الأسعار بنسبة 3.3% خلال خمسة إلى عشرة أعوام، وهي النسبة الأكبر منذ 2008. يمكن لمحافظي البنوك المركزية التعايش مع توقعات تضخم أعلى على المدى القريب، لكن التقديرات طويلة الأجل المتزايدة تشير نظرياً إلى أن الجمهور يفقد الثقة. قال بأول، في مؤتمر صحفي بعد القرار إن ثبات توقعات التضخم مهم جداً:

حتى لو رأينا مؤشرين (لتوقعات التضخم) فسيدفعنا ذلك للتساؤل لأننا نأخذ ذلك على محمل الجد. لا نعتبره أمراً مسلماً به بل نعامله بجدية شديدة. لذا، قد تُراجع القراءة الأولية لاستطلاع جامعة "ميشيغان"، مع ذلك فقد كانت ملفتة وقد أخذناها في الاعتبار.

يمشي مجلس الاحتياطي الفيدرالي على حبل دقيق جداً، حيث يحاول معالجة أسوأ تضخم منذ 40 عاماً وإنقاذ التوسع الاقتصادي. إن بدأ المجلس بالاعتماد على مقاييس غير دقيقة بطبيعتها فقد يمضي مبالغاً في اتجاه أو آخر، و الأسوأ من ذلك أن ينتهي به الأمر مشتتاً بين اتجاهين فيفشل ببلوغ أي من الوجهتين.

كان المجلس مُحقاً هذه المرة بتوجيه رسالة جريئة حول التزامه بمحاربة التضخم. لكن درجة الاعتماد على استبيان "ميشيغان" في اتخاذ القرار تعني أن الاحتياطي الفيدرالي اتخذ القرار الصحيح لأسباب مغلوطة. بينما يتجه المجلس للمرحلة التالية من معركته مع التضخم، يجب عليه التخلص من أوجه القصور في رسم سياساته، وهذه إحداها.