أزمة الجوع تزداد سوءاً منذ انتشار الجائحة

داخل أحد بنوك الطعام في مدينة نورثبورت بولاية ألاباما الأميركية ، يوم 28 مارس 2022. تشهد بنوك الطعام في الولايات المتحدة إقبالاً كبيراً في ظل ارتفاع أسعار الغذاء
داخل أحد بنوك الطعام في مدينة نورثبورت بولاية ألاباما الأميركية ، يوم 28 مارس 2022. تشهد بنوك الطعام في الولايات المتحدة إقبالاً كبيراً في ظل ارتفاع أسعار الغذاء المصدر: بلومبرغ
Amanda Little
Amanda Little

Amanda Little is a professor of journalism and science writing at Vanderbilt University. She is the author of a Bloomberg Opinion series on the fate of food after Covid-19 as well as the book "The Fate of Food: What We'll Eat in a Bigger, Hotter, Smarter World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع انتشار جائحة كورونا، بات الجوع مصدر قلق بالغ، خصوصاً بعدما خسر ملايين الأميركيين وظائفهم، وعادت الأسر إلى منازلها، وتعطّلت سلاسل التوريد. أما اليوم، فالأمور تزدد سوءاً، بسبب ارتفاع معدلات التضخم والحرب الأوكرانية.

لم يكن ضمان حصول الأميركيين على ما يكفي من الغذاء لإطعام أسرهم، قضية حزبية خلال الجائحة، حيث وافق الكونغرس على تدابير الإغاثة لتعزيز المساعدات. ولا ينبغي أن تكون المسألة اليوم قضية حزبية، لأن الضغوط الاقتصادية والبيئية الخارجة عن سيطرة أي فرد، تجعل انعدام الأمن الغذائي أزمة دائمة في عصرنا الحالي.

hقرأ أيضاً: "فاو": 193 مليون شخص يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد حول العالم

خلال العام الماضي، اعتمد واحد من أصل كل 6 أميركيين على بنوك الطعام للبقاء على قيد الحياة –نحو 53 مليون شخص، مقارنة بـ40 مليون شخص قبل الوباء. أمّا اليوم، وعلى الرغم من انحسار الوباء، فإن عدد الأميركيين الجياع آخذٌ في الارتفاع. كذلك، قفزت أسعار البقالة بنسبة 12% خلال العام الماضي – وهي أعلى نسبة ارتفاع منذ عام 1979.وقد أكد عدد من أكبر منظمات الإغاثة الغذائية في البلاد، مثل بنك الطعام المجتمعي في أتلانتا، مؤخراً، ارتفاع الطلب بشكل كبير ومماثل لما شهدته الأشهر الأولى من عام 2020.

اقرأ المزيد: ما المطلوب من بايدن للخروج من مأزق التضخم؟

يطال هذا التهديد بشكل أكبر، الأسر التي تعتمد على برامج الإغاثة الغذائية، مثل "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية" التابع لوزارة الزراعة المعروف بـ"إس إن إيه بي" (SNAP)، مع بدء انتهاء صلاحية مخصصات الطوارئ الممنوحة أثناء الجائحة. كما يتعرّض الأطفال على وجه الخصوص للخطر، مع إغلاق المدارس أبوابها خلال الصيف، الأمر الذي يعني بقاء ملايين الطلاب من ذوي الدخل المنخفض لأشهر من دون الحصول على وجبات غداء مجانية.

اقرأ أيضاً: محاصيل الحبوب الأوكرانية معرضة للخطر بسبب تكدس الصوامع

كل هذه الضغوط مجتمعة، والناجمة عن التضخم المرتفع، وأزمة سلاسل التوريد المستمرة، وتقليص واردات الحبوب بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والآثار المتزايدة لتغير المناخ، تؤدي إلى استمرار وتفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي في كل أنحاء العالم. ومع ذلك، يتجاهل عدد كبير من المشرعين المحافظين في الولايات المتحدة أزمة الجوع، ويعتبرونها فشلاً شخصياً لا تتحمل الحكومة مسؤولية حلّها، خصوصاً وأن الجائحة لم تعد أولوية عامة.

اقرأ المزيد: إنفوغراف.. الحرب في أوكرانيا تعني جوعاً في أفريقيا

الحاجة إلى التمويل

الحقيقة هي أنه مع تعثّر الاقتصاد وتزايد عدد الناس الذين يجدون صعوبة في تأمين الغذاء لأسرهم، تبرز الحاجة إلى مزيد من التمويل، وليس أقلّ من ذلك. يجب أن يوافق المشرعون على إنفاق طارئ على برامج الإغاثة الغذائية، مثل "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، وتقديم دعم إضافي لشبكات الغذاء المحلية وبنوك الطعام. يبلغ عدد المواطنين المسجّلين في "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، ما يقرب من 41 مليون أميركي، بمتوسط يحصلون على ما قيمته 233 دولاراً شهرياً للشخص الواحد. في عام 2020 ، سمحت حزم الإغاثة التي أقرّها الكونغرس جرّاء تفشي الوباء، للولايات المتحدة بإصدار مخصّصات إضافية طارئة للمعونة الغذائية، لا تقلّ عن 95 دولاراً للشخص الواحد - وهي مخصّصات يتم الاستغناء عنها حالياً بشكل تدريجي. وبالتالي، يمكن للكونغرس – وربّما ينبغي عليه - أن يغيّر فوراً تاريخ انتهاء هذه المخصصات الطارئة، وتمديد فترة الإغاثة.

كما يجب على الكونغرس زيادة الأموال المتاحة لبنوك ومخازن الطعام، من خلال "برنامج المساعدة الغذائية الطارئة". وكان أعضاء منظمة "إطعام أميركا"، وهي شبكة وطنية تضم حوالي 200 بنك من بنوك الطعام في الولايات المتحدة، قد طلبوا تخصيص مبلغ بقيمة 450 مليون دولار كتمويل سنوي، ومبلغ 200 مليون دولار مخصّص لتكاليف التوزيع، من أجل تلبية الاحتياجات المتزايدة لمنظمات الإغاثة من الجوع.

صلاحية الإعفاءات

الأكثر إلحاحاً، هو أنه على الكونغرس أيضاً أن يمدد إعفاءات وزارة الزراعة الأميركية، التي تنتهي صلاحيتها في 30 يونيو، والتي تسمح بتوزيع وجبات الطعام المجانية لطلاب المدارس العامة، وتساعدهم على الاستمرار في الحصول عليها حتّى خلال فصل الصيف. يجب على المشرعين أن يمرّروا فوراً، مشروع قانون استمرار إطعام الأطفال، الذي اقترحته مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين هذا الأسبوع-وهو التشريع الذي من شأنه تمديد هذه الإعفاءات. كذلك، تدرس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ مقترحات لتمديد "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، وزيادة التمويل لبنوك الطعام-وهي سياسات يجب الموافقة عليها بسرعة لدعم الأسر الأميركية.

على الرغم من أن المناقشات جارية في واشنطن بشأن تمويل "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، إلا أن بعض الجمهوريين، يحاولون القيام بما هو معاكس تماماً. خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الزراعة مؤخراً، اقترح المشرعون الجمهوريون كبح جماح الإنفاق على "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، مع المطالبة بقواعد أكثر صرامة لتحديد أهلية المستفيدين منه، وذلك كوسيلة لإجبار الناس على الانضمام مجدداً إلى القوى العاملة. قال غلين طومسون، السيناتور الجمهوري الذي يرأس لجنة الزراعة في مجلس الشيوخ: "ما زلت قلقاً من أن المساعدات المخصصة للوباء، ستصبح مساعدات مزمنة".

منطق معيب

يذكر أن الموقف المناهض لـ"برنامج المساعدة الغذائية الطارئة"، ليس جديداً – سبق أن اقترح الجمهوريون تغييرات جذرية على البرنامج في كل من مشاريع القوانين الزراعية لعامي 2014 و2018 -ومع ذلك أصبح المنطق الذي يحاججون به معيباً، وعفا عليه الزمن.

لن يجبر تقليص المزايا التي يوفرها "برنامج المساعدة الغذائية التكميلية"، العاطلين عن العمل على الانضمام مجدداً إلى القوى العاملة، لسبب بديهي، هو أن المطلب الأساسي للاستفادة من مساعدات البرنامج هو التوظيف (باستثناء الظروف المخففة، ما إذا كان المتلقي من ذوي الإعاقة أو يعتني بأطفال دون سن 6 سنوات). في أميركا اليوم، يصيب الجوع الموظفين والعاطلين عن العمل على حد سواء، فيما لم يدرك معارضو "برنامج المساعدة الغذائية الطارئة" بعد، أنّ الحاجة إلى تقديم المعونة الغذائية لم تعد مرتبطة بالوباء.

تأثير تغيّر المناخ

يبدو أن عدم الاستقرار الاقتصادي، واضطرابات سلاسل التوريد، وتقلص واردات الحبوب، كلها مشكلات وُجدت لتبقى في المستقبل المنظور. وقد تطرقت عناوين الأخبار في الأسابيع الأخيرة إلى تأثير تغيّر المناخ على تراجع غلّة المحاصيل وارتفاع أسعار المواد الغذائية. خلال هذا الشهر وحده، قضت حرائق الغابات على المزارع في أنحاء أوروبا، كما استمرّت موجات الجفاف في شلّ منتجي الأغذية في الغرب الأميركي، وخسرت الهند مساحات شاسعة من إنتاج الحبوب إثر ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية.

برز بعض الاهتمام بمسألة انعدام الأمن الغذائي الحادّ والمتزايد في الخارج-لا سيّما في المناطق التي دمّرها الجفاف في الشرق الأوسط وجنوب شرق أفريقيا وجنوب آسيا، حيث تزايد الجوع ليصبح مجاعة كاملة. وتعاني المساعدات الدولية نقصاً كبيراً، لدرجة أن إدارة بايدن اختارت أن تستنفد بالكامل، تمويل "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية" (USAID) المخصص للمساعدات الغذائية العالمية. على الرّغم من أن ذلك يُعتبر استخداماً ضرورياً للموارد، إلا أنه علامة مروعة على العصر الذي نعيشه.

إقرار بالمشكلة

على الرغم من كل هذه الأوضاع الراهنة، إلا أنني متفائل بشأن مستقبلنا الغذائي: تكثر الحلول في الزراعة المستدامة والمتجددة والملائمة للمناخ، كما تتطوّر إستراتيجيات التعافي الغذائي والإغاثة من الجوع بشكل متزايد. وفيما يسعى المشرعون إلى إيجاد شبكات أمان أفضل، يمكن للمستثمرين أن يساهموا في تمويل هذه المجالات الحاسمة. ومن جهة ثانية، يمكن أن يُركّز أصحاب الأيادي البيضاء والمواطنون، على التبرع والتطوع في بنوك الطعام المحلية والمخازن، ودعم الشبكات الغذائية المحلية والإقليمية.

لكن هذه الحلول لن تجد مكاناً لها ما لم يكن هناك تحوّل جذري في الوعي: يجب الإقرار بأن أزمة الجوع الآخذة في الاتساع في أميركا، ليست مشكلة عابرة بل هي أمر واقع ومستمر. ويجب أن يتحوّل البحث عن حلول فورية وطويلة الأجل، إلى واجب أخلاقي يتعدى الخطوط التي يرسمها هذا الحزب أو ذاك.