متداولو السندات الأميركية محاصرون بين مخاوف الركود والتضخم

زخم السندات مستمر في السوق الأميركية
زخم السندات مستمر في السوق الأميركية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يجد مستثمرو السندات الأميركية أنفسهم مشتتين بشأن ما إذا كان التراجع الأخير في العوائد، الذي يفاقمه الخوف المتزايد من الركود، يمثل نهاية لأسوأ هبوط لسندات الخزانة في العصر الحديث، أم مجرد توقف مؤقت.

فقد ارتفعت سندات الخزانة الأميركية بحدة في الأسبوع الماضي إذ قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول للمشرعين لأسواق الأميركتين إن الحفاظ على نمو الاقتصاد سيشكّل تحدّياً كبيراً للبنك، إذ يرفع المسؤولون أسعار الفائدة بقوة لكبح جماح أكبر تضخم منذ أربعة عقود.

طالع المزيد: باول: "الفيدرالي الأميركي" سيواصل رفع الفائدة حتى ينخفض التضخم

مع ذل، فإن الوقت الذي يمكن أن يحدث فيه مثل هذا الانكماش، ومدى الألم الذي يجب أن يكون عليه بنك الاحتياطي الفيدرالي لتغيير مساره، وسقف عوائد سندات الخزانة، ليس مؤكَّداً على الإطلاق، وهذا يثبت أنه أمر محيّر للمستثمرين الذين يحاولون تحديد الوقت الأدنى لسوق السندات.

اقرأ أيضاً: خطة التشديد من "الفيدرالي" تطيح بآمال مبيعات سندات الخزانة

صفعة شديدة

مُنيَت سندات الخزانة بصفعة شديدة هذا العام، إذ أصبح من الواضح أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أخطأ في توقُّع انحسار التضخم بمجرد خروج العالم من حالات الإغلاق التي كانت مفروضة بسبب الوباء، وهو سوء التقدير الذي تفاقم بسبب الارتفاع الحادّ في أسعار السلع الذي خلقته الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

مع تحرُّك البنك المركزي الآن لسحب الحوافز النقدية بقوة، انخفض مؤشر عامّ يقيس أداء سندات الخزانة بـ10% تقريباً على الرغم من التراجع الأخير في العوائد، متجاوزاً حتى أكبر الخسائر السنوية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي.

طالع أيضاً: المستثمرون يتخارجون من صناديق الأسهم بسبب مخاوف الركود

مخاوف الركود تعزّز سندات الخزانة.. والأسهم الأميركية ترتفع

عوائد سندات الخزينة

وضعية معلَّقة

في الوقت الحالي تشهد الأسعار وضعية معلَّقة، فقد أدّى تحوُّل التركيز نحو مخاطر الركود إلى محو الارتفاع الدراماتيكي في عوائد سندات الخزانة الذي كان أطلق شرارته في وقت سابق من الشهر الجاري بسبب تسارُع غير متوقَّع في قراءات التضخم.

ساعد هذا الضغط التضخمي على تشجيع بنك الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة القياسي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في أكبر زيادة منذ عام 1994. وارتفعت السندات لأجَل 10 سنوات إلى نحو 3.5% في أعقاب قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي، لكنه تراجع منذ ذلك الحين متجهّاً نحو مستوى 3% في مواجهة مخاوف الركود.

في الوقت نفسه، في الطرف الأقصر لمنحنى الأسعار، قلّص المتداولون توقعاتهم كثيراً، إذ يرون أن سعر فائدة التمويل لدى الاحتياطي الفيدرالي يبلغ ذروته في عام 2023، وعاد ذلك إلى نحو 3.5%، بعد أن كان أعلى من 4% في وقت سابق من الشهر.

اقرأ أيضاً: سوق السندات العالمية على أبواب الركود

تطوُّر المخاوف

قال آلان روسكين، كبير المحللين الاستراتيجيين الدوليين في "دويتشه بنك" (Deutsche Bank AG): "الخوف من التضخم تَطوَّر سريعاً إلى خوف من الركود".

رغم ذلك فإن إمكانية أن يدفع هذا القلق المتزايد بشأن الانكماش الاحتياطي الفيدرالي نحو وقف نهجه التشددي فعلياً، هي أمر آخر.

من جانبها، تحدّد مارغريت كيرينز، رئيسة استراتيجية الدخل الثابت في "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets)، معسكرين رئيسيين ناشئين بين مراقبي الاحتياطي الفيدرالي، فأحدهما يرى أن الاحتياطي الفيدرالي يمضي قدماً في زيادات كبيرة في أسعار الفائدة التي تدفع مؤشره القياسي إلى نحو 5%، ومن المحتمل أن يخفض بعد ذلك إذا كان الاقتصاد يقتضي ذلك، والآخَر يتوقع أن يسلك البنك المركزي مساراً أقلّ تشدّداً يسمح له بالتوقف بشكل لا يزيد كثيراً على 2.5%، وهو المستوى الذي يُنظَر إليه على أنه لا يؤثّر في النمو بطريقة أو بأخرى لعدة أشهر. من جانبها، تنتمي كيرينز بشكل أكبر إلى المعسكر الأخير: "حرب التضخُّم هي المعركة اليومية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، ولا شيء آخر مهمّ".

ترى غارغي تشاودري، رئيسة استراتيجية الاستثمار في "آي شيرز" (iShares) للأميركيين في شركة "بلاك روك" (.BlackRock Inc)، أن قدرة بنك الاحتياطي الفيدرالي على هندسة ما يسمى الهبوط السلس "تبدو أقلّ حدة"، ولكن من السابق لأوانه التصرف بثقة كبيرة. وقالت إن التحول إلى سندات الخزانة طويلة الأمد، التي تضرّرت بشدة في عمليات البيع هذا العام، سيحتاج إلى انتظار بيانات اقتصادية أضعف تدفع السوق إلى "ترجيح فرصة أكبر لحدوث ركود".

اقرأ المزيد: أعلى مستوى لانقلاب منحنى عوائد السندات الأميركية منذ 20 عاماً

تطوير البيانات

يأتي كل ذلك جنباً إلى جنب مع المؤشرات الصادرة من مجلس الاحتياطي الفيدرالي على أن تطوير البيانات سيقوده إلى حد كبير، بما يجعل المستثمرين ينتظرون بفارغ الصبر في كل إصدار اقتصادي رئيسي، ويركز كثيرون انتباههم في الأسبوع المقبل. سيتصدر القائمة تقرير الدخل الشخصي والإنفاق، الذي يتضمن مقياس التضخم المفضَّل لدى الاحتياطي الفيدرالي، ومُعامِل الانكماش لنفقات الاستهلاك الشخصي، جنباً إلى جنب مع مقياس التصنيع الذي يراقبه معهد إدارة التوريد على نطاق واسع. وستُربَط أيضاً السوق بسلسلة من مبيعات سندات الخزانة في الأسبوع المقبل، مع سندات مدتها عامان وخمسة أعوام وسبعة أعوام كلها في المزاد العلني، بالإضافة إلى تأثيرات نهاية الربع المحتمَلة في تدفقات المحفظة والتمويل.

بطبيعة الحال، قد لا يكون الركود وحده كافياً لوقف حالة التشتت في أسواق السندات، إذا لم يكن مصحوباً بخفض التضخم، ويُحتمل أن يظلّ التضخم مقاوماً فوق هدف الاحتياطي الفيدرالي عند نحو 2% ولو توقف النمو، بما يؤدي إلى تكرار محتمَل للركود التضخمي الذي شهدناه خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي. ومع وضع هذه المخاطر في الاعتبار، فقد أوصى كبار المديرين في شركة "باسيفيك إنفستمنت مانجمنت" (Pacific Investment Management Co) بسندات الخزانة المحمية من التضخم، وتوقعوا أن يؤدي الارتفاع المستمرّ المحتمَل في أسعار المستهلكين إلى تآكل قيمة السندات التقليدية.