هل يجب على البنوك الأوروبية أن تشبه الخدمات المصرفية الأميركية؟

الاندماج والاستحواذ عبر الحدود قد يعزز كفاءة القطاع، لكن الاتحاد المصرفي ربما يؤدي إلى تباين حظوظ الدول، تماماً مثل أميركا.

كريستيان سوينغ، الرئيس التنفيذي لبنك دويتشه، متحدثاً في مؤتمر بلومبرغ لمستقبل التمويل
كريستيان سوينغ، الرئيس التنفيذي لبنك دويتشه، متحدثاً في مؤتمر بلومبرغ لمستقبل التمويل المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عمليات الاندماج والاستحواذ بين البنوك الأوروبية تعود، أو يدور القليل من الكلام حول إمكانية ذلك على أي حال. ومن السهل التمادي إلى حد القول بأن كبار المنظمين المصرفيين متعطشون للكفاءة والربحية والخدمة الأفضل التي يمكن أن تقدمها بنوك أوروبية.

وفي الأسبوع الماضي، قال كريستيان سوينغ، الرئيس التنفيذي لـِ "دويتشه بنك"، في مؤتمر "بلومبرغ" إنه يريد قيادة الاندماج الأوروبي، على الرغم من أنه ذكر أيضاً قائمة بالعديد من العقبات التي ينبغي تجاوزها قبل أن يصبح إتمام الصفقات ممكناً. في غضون ذلك، قدّم بنك "بي إن بي باريبا" الفرنسي تلميحات إلى الحكومة الهولندية بأنه قد يكون على استعداد للاستحواذ على بنك "إيه بي إن أمرو" منها، حسبما كشفت "بلومبرغ نيوز" قبل أيام قليلة.

غابت الصفقات الكبيرة لفترة طويلة حتى أن السلطات قد تبتهج بأضعف وأقل عملية للاندماج في الأفق المنظور. وبالنظر إلى تلهفنا لرؤية شيء ما يحدث، فإننا نواجه خطر نسيان التساؤل عمَّا إذا كانت هذه الصفقات فكرة جيدة. فتأسيس بنوك أوروبية عملاقة وقوية أمر جيد بالنسبة للبنوك، ولقدرتها على التنافس مع أقرانها في الولايات المتحدة، وربما يكون مفيداً لاقتصاد أوروبا بشكل عام، غير أنه قد يؤدي إلى مزيد من تدهور الأوضاع بالنسبة إلى بعض البلدان أو المناطق عبر تفاقم الأزمات الاقتصادية.

كما كان البنك المركزي الأوروبي وأذرعه الرقابية تدفع باتجاه إنشاء اتحاد مصرفي منذ عام 2014 – أي سوق موحدة حقيقية للتمويل. وأكبر عقبة هي الافتقار إلى نظام مشترك للتأمين على الودائع على المستوى الأوروبي. وكانت هناك آمال بحدوث انفراج، إلا أن اجتماع وزراء مالية مجموعة اليورو هذا الشهر تعثر مرة أخرى، حيث لم يتمكّن من الاتفاق على إنشاء شيء أطلق عليه أندريا إنريا، رئيس الإشراف المصرفي في البنك المركزي الأوروبي، الأسبوع الماضي اسم "الكأس المقدسة". مع الإشارة إلى أنه لدى الولايات المتحدة برنامج تأمين على الودائع الفيدرالية منذ الثلاثينيات.

فائدة قروض الشركات في أوروبا تقفز لمستويات أعلى تحت وطأة التشديد النقدي

فضلاً عن ذلك، قطع المشروع الأوروبي شوطاً كافياً لكسب بعض الفوائد من واضعي القواعد العالمية في لجنة بازل للرقابة المصرفية. وفي هذا الشهر، وضعوا اللمسات الأخيرة على قواعد جديدة لإقراض البنوك عبر الحدود الوطنية داخل أوروبا، مما سمح بمعاملة مثل هذه القروض معاملة القروض المحلية. مع الإشارة إلى أن هذه الخطوة ليست مهمة بالنسبة لأية جهة تقريباً باستثناء "بي إن بي باريبا"، الذي يُعدّ أحد البنوك القليلة التي لديها أنشطة في عموم أوروبا، حيث تعني القواعد الجديدة أن "بي إن بي باريبا" نفسه يعتبر منخفض المخاطر من الناحية النظامية وبالتالي تنخفض لديه متطلبات رأس المال.

علاوةً على ذلك، يُعتبر الإقراض عبر الحدود جزءاً كبيراً مما تهدف الصفقات الأوروبية والاتحاد المصرفي إلى الترويج له، حيث انهار بعد الأزمة المالية العالمية عام 2008، وواجه صعوبة في التعافي. وبالتالي يريد البنك المركزي الأوروبي المزيد من القروض عبر الحدود لأن البنوك متعددة الجنسيات يجب أن تكون أقل عرضة للصدمات المحلية؛ كما يمكن تعزيز المنافسة والمرونة في القطاع المصرفي الأوروبي؛ وستجلب البنوك الكبيرة المتطورة إدارة أفضل للمخاطر إلى الأسواق الأصغر.

الجدير بالذكر أن تقليص النفقات منذ عام 2008 ترك العديد من البنوك الأوروبية تُركِّز على الإقراض في الداخل مع الاستثمار الكبير في سندات حكومتها. وقد حدث هذا كثيراً لأن المصير المشؤوم الذي ربط بين البنوك وحكوماتها خلال أزمة منطقة اليورو في 2011-2012 كشف عن رد فعل تحسسي لدى العديد من البلدان تجاه فكرة تقاسم المخاطر المالية داخل كتلة العملة الموحدة. وقد أدى ذلك إلى التشرذم داخل أوروبا، والذي ما يزال البنك المركزي الأوروبي يكافح من أجل معالجته حتى اليوم.

إن الإحجام عن تقاسم المخاطر هو أيضاً سبب صعوبة وضع برنامج تأمين واحد على الودائع. حيث قد لا يحدث اتحاد مصرفي حقيقي أبداً حتى تكون هناك سندات وضرائب وإنفاق أوروبي فيدرالي. وليس من الضروري أن يكون على نفس المستوى مثل الولايات المتحدة، ولكن الاقتراب من ذلك المستوى من شأنه أن يساعد.

لاغارد: الركود التضخمي ليس السيناريو الأساسي المتوقع لأوروبا

وفي الواقع، إذا كان للكأس المقدسة خصائص أميركية، فتجب متابعة السعي بحذر شديد، فهي لا تخلو من المخاطر. ومن شأن الحركة الحرة لرأس المال والائتمان عبر الحدود داخل أوروبا أن يعودا بالفائدة على الاتحاد ككل، إلا أنهما قد يؤديان إلى تدهور النتائج الاقتصادية في بعض المناطق. وهذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه دراسة حديثة حول الخدمات المصرفية في الولايات المتحدة أجراها أكاديميون في "جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس" و"جامعة شيكاغو"، ونشرت على موقع "أندرسون ريفيو" (Anderson Review).

إن إلغاء الضوابط المالية الأميركية في ثمانينيات القرن الماضي سمح بالإقراض عبر حدود الولايات وساعد البنوك على التعامل بشكل أفضل مع الصدمات المرتبطة بالتغيرات في النمو الاقتصادي أو إنتاجية الصناعات الكبرى في الولايات الأميركية المختلفة. فعندما تتدهور المخاطر والعوائد في ولاياتها الأصلية، كانت البنوك حرة في البحث عن مقترضين أفضل في ولايات أخرى. واستنتج الأكاديميون أن هذا ربما ساعد في توليد ما أطلقوا عليه "الاعتدال الكبير" للنمو غير التضخمي مع عدد قليل من الكوارث الاقتصادية التي سادت في الولايات المتحدة - وخارجها - منذ التسعينيات فصاعداً. والنقطة هي أن الهدوء على المستوى الكلي تحقق بتكلفة تمثلت في تباين كبير في حظوظ الولايات المختلفة.

وأشار الأكاديميون إلى أوروبا بالقول: "يمكن أن يؤدي اتحاد مصرفي أقوى إلى تباين النمو الاقتصادي بين الدول الأعضاء".

إن صفقات الاندماج والاستحواذ المصرفية عبر الحدود والمزيد من تقاسم المخاطر في أوروبا منطقية جداً لبنوك المنطقة. ولكن من المحتمل أن تكون هناك تكاليف سياسية على الاتحاد المصرفي أيضاً.