اقتصاد بريطانيا المنهك ينزلق نحو الأسوأ

سيدة مع طفليها يعبرون من أمام محلات تجارية مغلقة في لندن. يبدو أن انعدام اليقين بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي أثار أيضاً إزعاج المديرين التنفيذيين، فقد ظل الاستثمار ثابتاً منذ التصويت العام لمغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016
سيدة مع طفليها يعبرون من أمام محلات تجارية مغلقة في لندن. يبدو أن انعدام اليقين بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي أثار أيضاً إزعاج المديرين التنفيذيين، فقد ظل الاستثمار ثابتاً منذ التصويت العام لمغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016 المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تواجه بريطانيا في عهد رئيس الوزراء بوريس جونسون أكبر رياح معاكسة واجهتها منذ السبعينيات، مما فاقم آلام الاقتصاد الذي ما زال يعاني بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي وتفشي الوباء.

بعد معاناتها من صدمات غير مسبوقة في الأعوام الأخيرة؛ تستسلم البلاد لمشاكل أكثر صعوبة، تتسم بتباطؤ النمو، وارتفاع التضخم، وسلسلة من الإضرابات الضارة، فيما انخفضت ثقة المستهلكين، وهو ما حذّر المحللون منه بأنَّه قد يؤدي إلى ركود.

من يمكنه أن يخلف بوريس جونسون؟

ترك عمال السكك الحديدية وظائفهم بدافع الغضب من تدهور مستويات معيشتهم، وأضرب المحامون الجنائيون يوم الإثنين، وربما يتبعهم في ذلك المعلمون والأطباء.

يعد الشعور بالضيق أمراً بعيداً تماماً عن الانتعاش وسمعة "بريطانيا الرائعة" التي تمتّعت بها حكومة توني بلير في بداية هذا القرن.

لا شكّ أنَّ الأرقام الرئيسية تجعل الصورة بائسة؛ إذ يسير الاقتصاد البريطاني نحو الانكماش في الربع الثاني، مما يزيد من احتمال أن تكون البلاد بالفعل في حالة ركود. حتى عندما بدت التوقُّعات أكثر إشراقاً؛ قدّر المسؤولون استقرار النمو عند أقل من 1.8% سنوياً، مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للإنتاجية الضعيفة التي عصفت بالبلاد لأكثر من عقد.

في حين يتجه النمو للتخلف عن معظم الاقتصادات الرئيسية العام المقبل؛ فإنَّ التضخم آخذ في الارتفاع أيضاً، فقد ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 9.1% منذ بداية العام حتى مايو، وهي أكبر زيادة منذ 40 عاماً.

انكماش غير مُتوقّع لاقتصاد المملكة المتحدة رغم إلغاء اختبارات كورونا

يتوقَّع بنك إنجلترا المركزي تسارع التضخم مرة أخرى عندما ترتفع فواتير الطاقة في فصل الخريف ليصل إلى أكثر من 11%.

هذه الأرقام تشكّل ضربة للمملكة المتحدة، التي قادت نمو العالم بعد الوباء، فضلاً عن أنَّها تعيد إلى الأذهان الأيام المظلمة في الستينيات والسبعينيات عندما وصف المعلقون والسياسيون بريطانيا بأنَّها "رجل أوروبا المريض" بسبب أدائها.

إنتاجية ضعيفة

تلقي هذه الأرقام بظلالها على مشاكل هيكلية أعمق تؤثر في البلاد، على رأسها نمو الإنتاجية الذي تباطأ كثيراً بعد الأزمة المالية التي اندلعت في 2008 و2009. وكانت إيطاليا في وضع اقتصادي أسوأ.

في الوقت نفسه، تزداد أهمية مقدار ما يمكن للعامل إنتاجه لأنَّه يقود الإمكانات طويلة الأجل للاقتصاد. ويحد انخفاض الإنتاجية من وتيرة نمو الإنتاج، ويقلل من حزم الأجور. جدير بالذكر أنَّ الأجور الحقيقية استغرقت أعواماً للتعافي كي تتوازى مع مستوياتها في عام 2007 بعد الانهيار المالي.

أبرز تحوّلات اقتصاد بريطانيا منذ تنصيب الملكة إليزابيث الثانية قبل 70 عاماً

ذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أنَّ ساعة العمل في المملكة المتحدة تدر حوالي 60 دولاراً، بينما تقدّر بأكثر من 70 دولاراً في الولايات المتحدة، وحوالي 67 دولاراً في فرنسا وألمانيا. يناقش خبراء الاقتصاد وصُناع السياسة أسباب هذه المشكلة، لكنَّهم يقولون إنَّ إصلاحها أمر بالغ الأهمية إذا أرادت بريطانيا الخروج من المسار البطيء.

تعد الفجوات في الأداء داخل المملكة المتحدة كبيرة بنفس القدر، إذ تفوقت لندن باستمرار على مناطق أخرى، ويرجع ذلك جزئياً إلى تركز الخدمات المالية في العاصمة.

يُذكر أنَّ جونسون تولى السلطة في عام 2019 بناءً على تعهد بـ"رفع مستوى" المناطق الفقيرة من البلاد، لكن هناك دلائل قليلة على نجاح السياسة.

عوائق الاستثمار

يعد نقص الاستثمار أحد تفسيرات فجوة الإنتاجية، إذ تنفق الشركات البريطانية على أشياء مثل المصانع والآلات والتكنولوجيا بشكل أقل من معظم الاقتصادات الكبرى الأخرى.

يقول وزير الخزانة ريشي سوناك إنَّ النظام الضريبي يعد أحد المشاكل، ويعمل على إيجاد طريقة لتحسين المخصصات التي قد تُطالب بها الشركات للاستثمار.

يبدو أنَّ انعدام اليقين بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي أثار أيضاً إزعاج المديرين التنفيذيين، فقد ظل الاستثمار ثابتاً منذ التصويت العام لمغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016. ولو استمروا في الإنفاق كما فعلوا قبل الاستفتاء؛ لكان الاستثمار اليوم أعلى بحوالي 60%.

كذلك، أثرت الحياة خارج الاتحاد الأوروبي في التجارة، إذ يتعامل المستوردون والمصدّرون مع حواجز تجارية أعلى. وبرغم الانخفاض الحاد في الجنيه الإسترليني منذ تصويت الخروج؛ لم تظهر أدلة تُذكر توضّح أنَّ القطاع الخارجي قد استفاد من زيادة القدرة التنافسية.

يُظهر تحليل "بلومبرغ إيكونوميكس" أنَّ الأداء التجاري للمملكة المتحدة متخلف عن أداء الدول الكبرى الأخرى قبل الوباء، كما أنَّها فشلت في المشاركة الكاملة في انتعاش التجارة العالمية منذ ذلك الحين.

رأي "بلومبرغ إيكونوميكس"

تقول آنا لويس أندرادي من "بلومبرغ إيكونوميكس": "مرت ستة أعوام منذ أن صوّتت المملكة المتحدة لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وأكثر من عام منذ إقامة علاقة جديدة مع شريكها التجاري الرئيسي. يظهر تأثير الخروج من الاتحاد الأوروبي بشكل كبير بداية من انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني بنسبة 16% إلى تراجع كبير في التجارة والاستثمار، وقد عززت البيانات وجهة نظرنا بأنَّ الحياة خارج الاتحاد الأوروبي ستجعل المملكة المتحدة أسوأ حالاً".

سوق عقارات ملتهبة

في الوقت نفسه؛ تشكّل سوق الإسكان عائقاً آخر، فقد ارتفعت أسعار المنازل دون انقطاع تقريباً منذ عام 1995، مما شكل عبئاً كبيراً على قدرة المشترين على تحمّل التكاليف لأول مرة. ثمة نقص في المعروض من العقارات في أماكن مثل لندن التي كانت المحرّك الذي يقود الاقتصاد الوطني.

في الوقت نفسه؛ تحدّ تكلفة وصعوبة التنقل من انتقال العمالة، وتحرم الشركات والخدمات العامة من العمال الرئيسيين، وتقود المستهلكين لضخ ثروة أكبر في سوق العقارات مقارنة بأقرانهم في الخارج.

يعد الإسكان مصدر الاستنزاف الأكثر وضوحاً للمستهلكين، لكنَّ الأجور متخلفة أيضاً، إذ تتراجع الأجور الحقيقية المعدلة وفق التضخم الآن بأسرع وتيرة منذ 20 عاماً. وفي عام 2019؛ تراجعت أجور المملكة المتحدة كثيراً عن نظيريها في الولايات المتحدة وكندا.

يتمرد العمال مع دخول نقابات السكك الحديدية في أكبر إضراب عن العمل منذ عام 1989 خلال الأسبوع الماضي، فيما ترك المحامون المحكمة أمس الإثنين، بينما يهدد المعلمون بإضراب أيضاً.

يذكرنا هذا الاضطراب بفترة السبعينيات، عندما أقرّت حكومة حزب العمال بقيادة هارولد ويلسون العمل في الصناعة لمدة ثلاثة أيام أسبوعياً بسبب أزمة الطاقة وإضرابات عمال مناجم الفحم.