فرض سقف لسعر النفط الروسي خيال

مضختان تعملان في حقل نفط تابع لشركة "روسنفت" بالقرب من قرية سوكولوفكا، في جمهورية أودمورت، روسيا
مضختان تعملان في حقل نفط تابع لشركة "روسنفت" بالقرب من قرية سوكولوفكا، في جمهورية أودمورت، روسيا المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتصدر وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين طليعة الدعوات المطالبة بتحديد حد أقصى لأسعار تصدير النفط الروسي، وهي فكرة تبدو رائعة لكن لا يمكن توقع تطبيقها على أرض الواقع.

تكمن المشكلة في أن روسيا تجني مليارات الدولارات من تصدير النفط، وتساعد هذه الأموال على تمويل غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا. في الوقت نفسه، يحتاج العالم لمواصلة تدفق النفط الروسي نظراً لضيق الأسواق بالفعل والافتقار لوجود طاقة فائضة من شأنها تعويض خسارته لهذا الخام. مع ذلك، تريد بعض الدول في أميركا الشمالية وأوروبا وأجزاء من آسيا وقف تدفق الأموال إلى آلة حرب الكرملين.

ما الحل؟ تعد الإيرادات ناتجاً بسيطاً جداً للحجم مضروباً في السعر (مطروحاً منه بعض التكاليف). لخفض عائدات الكرملين، نحتاج إلى التحكم في الحجم أو السعر، لكننا لا نريد خفض حجم الشحنات المستوردة من روسيا. ولذلك يبقى لدينا السعر. إذا تمكنا من تقييد السعر الذي يمكن لروسيا بيع نفطها به، فإن ذلك سيخفض عائدات الكرملين دون التأثير على حجم النفط في السوق الدولية.

اقرأ أيضاً: تفكيك روسيا.. هل يكون الحل للقضاء على نزعتها الاستعمارية؟

هذه الخطة تبدو واضحة وبسيطة، لكني أتساءل لماذا لم يطبقها أحد من قبل. لماذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك مع إيران أو فنزويلا، بدلاً من فرض عقوبات ثانوية توقف تدفقات النفط وتضر بالعلاقات مع الشركاء التجاريين في آسيا؟ ربما يكون السبب الرئيسي في ذلك هو تضاؤل فرص نجاحها بشكل كبير.

بموجب الخطة، سيتم حجب التأمين عن الشحنات التي تقود المشتري لدفع أكثر من السعر الذي لم يُحدد بعد لروسيا. بالتأكيد، يمكن تطبيق مثل هذا الحظر لأن نحو 95% من أسطول الناقلات في العالم مؤمن عليه من خلال المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض بلندن (International Group of Protection & Indemnity Clubs) وبعض الشركات الموجودة في أوروبا. لكنني لست مقتنعاً بأن هذا كافٍ.

أنهى الاتحاد الأوروبي للتو عدة أسابيع من الجدل الداخلي الشرس بشأن العقوبات المفروضة على النفط الروسي، التي بالرغم من أنها تعد أقل حدة من المقترحات الأصلية، إلا أنها شملت حظراً على التأمين على السفن الناقلة لهذا النفط.

بدأت موسكو بالفعل في إيجاد بديل لأندية الحماية والتعويض، فهي توفر التأمين عبر شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية (Russian National Reinsurance Company). قد يكون ذلك جيداً بما فيه الكفاية بالنسبة لبعض الشركات الهندية والصينية التي تمثل الآن الجزء الأكبر من السوق للخام الروسي.

محاولة يائسة

تتطلب الخطة التي تدعمها وزيرة الخزانة يلين من الاتحاد الأوروبي إلغاء العقوبات التي وافق عليها للتو، وهذا خيار ليس مغرياً بعد المفاوضات المؤلمة التي شهدتها الكتلة للحصول على موافقة الأعضاء الـ27 لهذه العقوبات.

لا أستطيع أن أرى حرص العديد من الدول الأوروبية على الاتفاق على عقوبات جديدة من شأنها السماح للشركات الصينية والهندية بشراء النفط الخام بخصم كبير، بينما يُحظر على دولهم الشراء بأي سعر. يُتوقع أن ينتهي الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام والمنتجات المكررة الروسية المنقولة بحراً بجانب ذلك المفروض على التأمين.

واشنطن: الصين والهند ربما تشتريان نفطاً روسياً أكثر من المعلن

لذلك سينتهي بنا الأمر دون أي محاولة لخفض حجم صادرات النفط الروسية على أمل- وسيظل مجرد أمل- أن نتمكن من خفض قيمتها، رغم تراجع قيمة شحنات النفط الخام الروسي بالفعل.

بوتين العقبة

تُظهر بيانات وزارة المالية الروسية انخفاض سعر خام الأورال، وهو مزيج التصدير الرئيسي في روسيا، مقارنة بخام برنت المعيار العالمي للنفط الخام المنتج في بحر الشمال، وذلك منذ شنت روسيا الهجوم على أوكرانيا في فبراير. بلغ متوسط هذا الخصم نحو 35 دولاراً للبرميل بين منتصف أبريل ومنتصف مايو، رغم أنه تقلص قليلاً في الشهر التالي. كان متوسط الخصم 1.50 دولار للبرميل في الأشهر الـ12 السابقة للغزو.

ربما تكبدت روسيا خسائر تقدر بنحو 7 مليارات دولار من الدخل من صادراتها من النفط الخام المنقولة بحراً بسبب الخفض المتزايد لسعر خام الأورال، مقارنة لما كانت ستجنيه لو احتفظ خام الأورال بعلاقته السعرية التاريخية مع خام برنت. ويتوقع ارتفاع هذه الخسارة إلى 10 مليارات دولار بنهاية يوليو.

مع ذلك، فإن أكبر عقبة أمام تحديد حد أقصى لأسعار النفط الروسي هي أن يقول بوتين "لا" فقط. فكيف يمكن إجبار روسيا على بيع نفطها بخصم مفروض من الخارج؟

يمكنك تحديد سقف السعر عند مستوى يضمن عائداً إيجابياً صغيراً لشركات النفط الروسية على أمل أن تقرر أن هذا النفط ما زال يستحق الضخ، لكنها ليست من يتخذ القرار.

بوتين يدفع الاقتصاد الألماني إلى حافة الخطر

يُنقل نفط تلك الشركات إلى السوق (إما مباشرة أو إلى محطات التصدير الواقعة على الساحل الروسي) عبر شبكة خطوط أنابيب مملوكة للدولة الروسية. وبالتالي، يستطيع بوتين ببساطة إغلاق صمامات تلك الأنابيب كي لا تتمكن الشركات من التصدير، حتى لو أرادت ذلك.

أظهر بوتين بالفعل أن اقتصاد البلاد لا يحظى سوى بأهمية ثانوية بالنسبة لطموحاته الإمبريالية، حيث تدمر قواته شرق أوكرانيا. ويكاد يكون مؤكداً أن حساباته ستدور حول أن وقف صادرات النفط الروسية سيلحق ضرراً باقتصاديات المشترين في أوروبا أكثر مما سيلحقه بروسيا. لذلك لا جدوى من أن نتوقع منه الرضوخ لسقف السعر المفروض من جانب الغرب.