العقوبات على النفط الروسي هزّت الأسواق.. حظر الذهب لن يكون مماثلاً

عمّال يصبون الذهب في سبائك، في منشأة للمعادن بمدينة كراسنويارسك الروسية، عام 2021
عمّال يصبون الذهب في سبائك، في منشأة للمعادن بمدينة كراسنويارسك الروسية، عام 2021 المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الشهر الماضي، كانت العقوبات المفروضة على روسيا سبباً في اضطراب سوق النفط، وهي أكبر سوق لتجارة السلع في العالم. والآن، يقترح قادة مجموعة السبع تكرار الأمر نفسه مع الذهب الذي يعد ثاني أكبر تجارة بالعالم، لكن لا يجب علينا توقّع التأثير نفسه.

وكانت أسعار خام برنت ارتفعت بنحو 14% خلال الفترة التي بدأت من اقتراح رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، العقوبات على النفط الخام لأول مرة في أوائل مايو، وفرض الحزمة فعلياً بعد شهر. إضافة لذلك، ارتفعت الأسعار بنسبة 8.4% منذ بدء غزو أوكرانيا في فبراير الماضي.

اقرأ أيضاً: أميركا ومجموعة السبع تحاصران الذهب الروسي بحظر استيراده نهائياً

بالمقارنة، شهد الذهب عاماً أكثر هدوءاً، حيث انخفض سعره بنسبة 3.9% منذ اقتحام القوات الروسية للحدود الأوكرانية. وبالرغم من أن موسكو تعد ثالث أكبر منتج للمعدن الأصفر، إلا إن حظر الاستيراد المقرر الإعلان عنه في اجتماع مجموعة السبع هذا الأسبوع في ألمانيا، لن يتسبب على الأرجح في اضطرابات هائلة.

احتياطات كبيرة

يعود هذا الأمر جزئياً لنطاق السوق. ففي العام العادي، تسهم روسيا بنحو 12% من صادرات العالم من النفط الخام، حيث يُستخدم كل برميل مستخرج تقريباً سنوياً، ما يعيق زيادة الاحتياطيات التي يحتفظ بها كبار مستوردي الطاقة لمدة 90 يوماً تقريباً.

من جهة أخرى، يعد الذهب أسهل في التخزين بشكل كبير، بفضل سعره وكثافته، إذ يمكنك استخدام سبيكة ذهب بحجم طاولة طعام بستة مقاعد للدفع مقابل شراء مليون برميل تُنقل في ناقلة نفط تقليدية. نتيجة لذلك، فإن المخزونات منه هائلة، حيث يضيف التعدين 3 آلاف و500 طن متري فقط في العام الواحد تقريباً إلى مخزون موجود يقدر بـ205 آلاف طن.

عادةً ما ينتج ربع استهلاك الذهب تقريباً في العام العادي من بيع أو صهر المجوهرات والعملات المعدنية والسبائك والمعادن الصناعية، وتزداد الأرقام الخاصة بإعادة التدوير هذه كلما أدى النقص في إمدادات المناجم إلى زيادة الضغط على الأسعار.

اقرأ أيضاً: "غولدمان ساكس" يتوقع انتعاش الطلب على الذهب بالأسواق الناشئة في النصف الثاني

ولا شك أن روسيا طرف فاعل رئيسي بهذا القطاع، فهي تحتل المركز الثالث بعد الصين وأستراليا بإنتاج بلغ 300 طن خلال العام الماضي، وهذه الكمية شكلت 10% من الإجمالي العالمي للذهب الخام.

مع ذلك، فإن الإنتاج ليس الأمر المؤثر بالنسبة للتجارة العالمية، بل صافي الصادرات، وعلى هذا الأساس تعد روسيا سمكة صغيرة الحجم.

الصادرات تتحكم بالتجارة

بلغ الفائض التراكمي لروسيا من تجارة الذهب خلال العشرة أعوام الماضية 60.38 مليار دولار، وهو مبلغ أقل من 60.65 مليار دولار التي جمعتها اليابان عبر بيع ممتلكاتها الخاصة والحكومية من المعدن الأصفر. (اليابان لا تملك سوى منجم ذهب واحد نشط، ولا يحتمل أن يسهم بشكل كبير في هذا الرقم). وبالمثل، كانت هونغ كونغ مصدراً صافياً للذهب بشكل أكبر بكثير من الصين التي تعد أكبر منتج للذهب، بفضل دورها كقناة لرأس المال الأجنبي في البر الرئيسي الصيني.

عادةً ما كان الطلب المحلي في الاقتصاد الروسي، الذي يزداد توجهه نحو الداخل، كافٍ بدرجة كبيرة لاستخدام كل ما هو مستخرج من مناجم البلاد. وكانت صادرات الذهب تخضع لحظر فعلي حتى عام 2020، ما يعني أن المصارف الروسية كانت الكيانات الوحيدة القادرة على بيع سبائك الذهب في الخارج.

بينما احتفظ البنك المركزي الروسي بجزء كبير مما يتم إنتاجه من الذهب، وتضاعفت احتياطاته من 1,035 طن عشية ضم إقليم القرم في عام 2014 إلى 2,302 طن حالياً، تحسباً لعزل البلاد عن الأسواق المالية الدولية.

سلعة فريدة

من المؤكد أن إمدادات المناجم الروسية كانت تتمتع بوجود جديد مهم في السوق العالمية منذ رفع حظر التصدير قبل عامين. مع ذلك، لا يتأثر سوق الذهب، الذي يعد سلعة فريدة بين السلع، بتدفقات المعادن المكررة المعالجة حديثاً من الذهب الخام، بل بخلفية الاقتصاد الكلي الأكثر شمولاً.

ورغم أنه من المحتمل تراجع حجم الذهب الروسي مستقبلاً، إلا أن تكلفة الفرصة البديلة لشراء معادن بلا عائدات ترتفع بشكل كبير أيضاً في وقت ترتفع فيه أسعار المستهلكين بنسبة 8.6% سنوياً في الولايات المتحدة، وتتجه أسعار الفائدة نحو أعلى مستوياتها منذ عام 2008.

عادةً ما تغير الصناديق المتداولة في البورصة موقعها في سوق الذهب في العام العادي بمقدار 500 طن تقريباً، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار أو تراجعها مع تأرجح شهية المستثمرين بين التفاؤل والتشاؤم. وسيكون تأثير هذا الأمر أكثر بكثير من تأثير مصير الـ300 طن التي تنتجها المناجم الروسية سواء كانت ستؤول إلى خزينة مجموعة السبع أو لا، خاصة عند التفكير في أن أكبر دول مستورة للذهب- وهي الصين والهند والإمارات العربية المتحدة- لم توقّع على العقوبات.

بالكاد لاحظ العالم وصول الذهب الروسي للأسواق الدولية قبل عامين، ولم تسجل السوق أي اضطراب حينما حُظر على الذهب الروسي دخول سوق الذهب في لندن في أعقاب الغزو الأوكراني مباشرة، لذلك فلن نلحظ اختفاءه الآن.