لم تُطبِق الهند على قطاع الدفع اللاحق للشراء؟

ما يزال يتعين على نموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً" إثبات أنه منتج سليم اقتصادياً ومفيد اجتماعياً

رجل يَعُدُّ أوراقاً نقدية هندية في أوتار براديش في الهند
رجل يَعُدُّ أوراقاً نقدية هندية في أوتار براديش في الهند المصدر: بلومبرغ
Andy Mukherjee
Andy Mukherjee

Andy Mukherjee is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies and financial services. He previously was a columnist for Reuters Breakingviews. He has also worked for the Straits Times, ET NOW and Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو أن البنك المركزي الهندي ليس من أنصار نموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً" لكن سخطه كهيئة تنظيمية على بدعة التمويل الاستهلاكي هذه أمر مفهوم تماماً.

يعلن موقع "ليزي باي" (LazyPay)، الذي يزعم أن لديه 60 مليون مستخدم مؤهل لاستخدام تطبيقه في الهند: "احصل على قرض في 90 ثانية، وتسوق لدى ملايين التجار وادفع لاحقاً". كما عرضت "ريفال يوني" (Rival Uni)، التي تدعمها شركة "لايتسبيد فينتشر بارتنرز" (Lightspeed Venture Partners) وجمعت تمويلاً قدره 70 مليون دولار في ديسمبر، على عملائها دفع ثلث فواتيرهم أينما تسوقوا لدى استخدام بطاقتها. تزعم شركة "إيرلي سالاري" (EarlySalary) بأن أكثر من 10 مليون مستخدم حمَّلوا تطبيقها، وتَعِدُ الشركة بمبلغ فوري يصل إلى 500 ألف روبية (6400 دولاراً) "لمساعدتك على تخطي الأوقات الحرجة".

قمع حيتان الإقراض الرقمي في الهند مع تزايد الشكاوى

زاد الأمر عن حده نوعاً ما. لذا أشهر بنك الاحتياطي الهندي فأسه الشهر الماضي لقطع جسر رواج القروض الصغيرة من شركات التقنية المالية. وفقاً للتعليمات الجديدة من بنك الاحتياطي لم يعد بإمكان المؤسسات غير المصرفية استخدام خطوط الائتمان للوسائل مسبقة الدفع، مثل المحافظ الرقمية أو البطاقات ذات القيمة المُخزنة. إن الخيارات الوحيدة الصالحة للمشتري هي الدفع نقداً أو عن عبر بطاقة الخصم المباشر من حسابه المصرفي أو بطاقة الائتمان.

نظام الظل

لا يرى بنك الاحتياطي الهندي مشكلة بتقديم قروض خلال 90 ثانية، فقد كان الجهاز التنظيمي مستعداً للسماح لشركات التمويل غير المصرفية بالاحتفاظ بتقدمها الحالي على البنوك من خلال الائتمان الاستهلاكي قصير الأجل، وخاصة بالنسبة للمعاملات الصغيرة. لم يعد نظام الظل المصرفي في الهند مُستتراً كما كان قبل بضع سنوات، حيث تواجه الشركات المالية غير المصرفية الآن متطلبات رأسمالية صارمة إلى حد ما، وعليها تقديم إفصاحات مفصلة عن المخاطر في دفاترها. لكن تجعلها الانتهازية المستحكمة فيها بطبيعتها تبحث عن المخاطر. ما يزال بإمكان الأطراف الفاعلة في التقنيات المالية إغراؤها عبر ما وصفته مجموعة عمل بنك الاحتياطي الهندي العام الماضي "استئجار نموذج عمل المؤسسات المالية غير المصرفية" لغرض الإقراض عبر الوسائط الرقمية.

شركات خدماتها في يدك وأخف على جيبك ومكرسة لتناسب احتياجاتك

يحدث ذلك حين لا تقتصر العملية على كونها مجرد مطابقة بسيطة بين عميل ومُقرض. تبدأ شركات التقنية المالية الوسيطة بدل ذلك بتقديم ضمان تخلف المقترض عن السداد لنسبة معينة من القروض التي يضمنها المُمول غير المصرفي. من شأن ذلك أن يثير مخاطر ائتمانية على الميزانية العمومية للوسطاء الرقميين الذين لا يتعين عليهم الاحتفاظ بأي رأس مال تنظيمي.

لصعوبة ضرب بنك الاحتياطي الهندي جميع الترتيبات الخاصة من هذا القبيل بين التقنيات المالية والشركات المالية غير المصرفية، اتخذ بنك الاحتياطي القرار المثير للجدل بملاحقة الأخيرة للجم نموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً". يريد البنك أن تكون كافة القروض الصغيرة رسمية.

قلق بريطاني

ليست الهند وحدها من تشعر بالقلق من انتشار نموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً". تعمل حكومة المملكة المتحدة أيضاً على تشديد القواعد على قروض "اشتر الآن وادفع لاحقاً" لضمان تحقق المُقرضين من قدرة الشركات على تحمل التكاليف المناسبة وعدم الإيقاع بمُقترضين غير مناسبين عبر إعلانات غير عادلة مُبالغ فيها. مع ضرب التضخم قوة الأسر الشرائية، يصبح سهلاً إغراؤها لاستخدام قروض بلا فوائد. لكن يوجد خطر الانجذاب لحلقة مفرغة من الإنفاق المفرط. هناك تنافس قوي بين المختصين في قروض "اشتر الآن وادفع لاحقاً" والبنوك في المملكة المتحدة. قال أليكس مارش، رئيس أعمال "كلارنا" (Klarna) في المملكة المتحدة، بعدما دعا تقرير من بنك "باركليز" لتنظيم أقوى للقطاع، أن تلك كانت محاولة من البنك الذي يقع مقره في لندن لترويج عرضه لقرض مقسط "مرتفع التكلفة".

علاقة البنوك وشركات التكنولوجيا المالية.. سباق تسلح رقمي أم شراكة؟

تتراوح في الهند فترة الائتمان النموذجية للقروض بلا فائدة لما بين 20 و40 يوماً، رغم أن السلع المعمرة المشتراة بنظام البيع بالتقسيط تأتي بجداول سداد أطول وحدود ائتمانية أعلى. ما يزال نموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً" ناشئاً، لكنه يتوسع بوتيرة مدهشة بفضل الرواج المتزايد لكل من التجارة الإلكترونية والمدفوعات الرقمية. توقعت شركة "إتش دي إف سي سيكوريتز" (HDFC Securities) ومقرها في مومباي في يناير أن قيمة البضائع "المدفوعة لاحقًا" ستنمو 74% كل عام لتصبح سوقاً تبلغ قيمتها 56 مليار دولاراً بحلول مارس 2026. لكن المشكلة تكمن بصعوبة الطريق نحو الربحية. أشارت شركة السمسرة في تقريرها إلى أن "نموذج (اشتر الآن وادفع لاحقاً) يعتمد بشكل كبير على الرسوم المتأخرة، الذي يعكس نفسه أيضاً في ارتفاع تكاليف الائتمان".

لاعبون كبار

ستضغط الأطراف الفعالة لشركات التقنية المالية وبنوك الظل دون شك ضد تسليم القطاع بأكمله للبنوك على طبق من فضة. قفزت أسهم شركة "إس بي آي كاردز آند بايمنت سيرفيسز" (SBI Cards & Payment Services)، وهي شركة بطاقات الائتمان الوحيدة المتداولة علناً في الهند، 7% تقريباً في 21 يونيو أي بعد يوم من صدور التعليمات الجديدة لبنك الاحتياطي الهندي. بات لنموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً" ابتكار فيه لاعبون تقنيون كبار مثل "أبل" وبنوك كبرى مثل "جيه بي مورغان تشيس"، وهم آتون لعرقلة الشركات الناشئة مثل "كلارنا" و"أفتر باي" (Afterpay) و"أفيرم هولدينغز" (Affirm Holdings). لا يمكن للهند أن تكون محصنة ضد تعميم ابتكارات الدفع لاحقاً.

أبل و"جيه بي مورغان" تتحولان لنموذج "ادفع الآن وانم لاحقاً"

ربما يمكن التوصل إلى حل وسط لتقاسم الغنائم بين البنوك والمقرضين غير المصرفيين وشركات التقنية المالية. لكن هناك شيء واحد مؤكد وهو أنه ما يزال يتعين على نموذج "اشتر الآن وادفع لاحقاً" إثبات أنه منتج سليم اقتصادياً ومفيد اجتماعياً. إذا كان التحكيم التنظيمي، أي عدم الالتزام بإبلاغ مكاتب الائتمان بجميع حالات تأخرات السداد، هو الطريقة التي ستجذب بها الصناعة رأس المال، فإن بنك الاحتياطي الهندي مُحق برغبته في تقويض دورها قبل فوات الأوان.