"ويب3" فكرة عظيمة لا يرغب بها المستهلكون

يبدو أن وادي السيليكون بعد هوسه حيال احتياجات المستهلكين نسي ما جعله قوة اقتصادية مهيمنة

مارك أندريسن الشريك المؤسس في "نتسكيب" متحدثاً في سان فرانسيسكو
مارك أندريسن الشريك المؤسس في "نتسكيب" متحدثاً في سان فرانسيسكو المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لكن كان لإطار عمل شركات "ويب2.0" القديم منطق معين مقارنة بحديث أفضل وأذكى من في وادي السيليكون عن العملات المشفرة و"ويب3" وهي الخدمات المبنية حول "بلوكتشين". أفضل مثال حتى الآن على هذا الوضع الإسفنجي كان ظهور مارك أندريسن الشريك المؤسس في "نتسكيب" (Netscape) والداعم الرئيسي للشركات الناشئة التي تحتضنها "واي كومبيناتور" (Y Combinator)، في بودكاست في يونيو مع تايلر كاوين الذي طلب منه شرحاً للقطاع الذي يضخ فيها المليارات. يُعدّ كاوين شخصاً تحررياً مثل أندريسن وناقداً لتوجه "اليقظة" كما أنه سبق أن مدح العملات المشفرة؛ بعبارة أخرى إنه محاور متعاطف للغاية وهو من كتاب الرأي لدى بلومبرغ. لكن حين طُرح موضوع العملات المشفرة، تمكّن كاوين من الضغط على أندريسن ببساطة وبإصرار وطلب منه شرح ادعائه والدفاع عن قوله أن "ويب3" سيحسن أشياء مثل البث الصوتي على سبيل المثال.

"غوغل" تسعى لدعم "بلوكتشين" ورئيسها يعلق على "ويب 3"

عانى أندريسن لدقائق فيما حاول تقديم إجابة حقيقية عمّا هو جيد في "ويب3"، ثم توصل إلى إجابة يصعب فهمها كثيراً. قال: "انظر، إنه يضخ اقتصاديات.. على مستوى أساسي للغاية يضخ فيه أموال الإنترنت واقتصاديات الإنترنت الأصلية والحوافز في نظام لم يكن لديه ذلك ببساطة". رفض كاوين الضغط على أندريسن بشأن مطالبات صاخبة من مستمعي البرنامج الحواري لشرح "اقتصاديات الإنترنت الأصلية"، إن كان لهذه الكلمات معنى.

ربما أمكن نسيان عدم قدرته على شرح ما قال لو لم يمضِ أندريسن الأشهر القليلة الماضية بالأخذ والرد مع منتقديه ونقل اقتباسات شهيرة لآين راند في تغريداته وبالتذمر حول عبارة "الشيء السائد". على هامش هذا: إحدى طرق رد منتقديك هي إشراكهم معك، لكن أندريسن فضل سلوك مسار بديل.

استبدل الماء

قد تبدو تلك اللحظة أقل أهمية لو كانت هي المثال الوحيد، لكن هناك أيضاً المستثمر والمؤثر في مجال العملات المشفرة باكي ماكورميك، ​​الذي يعمل مستشاراً لشركة "في سي" (VC) العائدة لأندريسن، الذي حاول مستبسلاً في أحد برامج البودكاست أن يشرح لماذا قد يكون أفضل أن يرهن المرء منزله "على بلوكتشين" بدل استخدام النظام الحالي. في النهاية، وبعد كثير من التمسك واستخدام جمل قليلة مثل "هذه الأشياء يمكن أن تكون جميعها رموزاً قابلة للاستبدال"، انتهى المطاف بماكورميك حيث بدأ إلى حد ما. أشار أحد مضيفيه: "لقد أعدت للتو تشكيل البنية التحتية للرهن العقاري وهي موجودة حالياً بالكامل". أجاب ماكورميك بثقة: "على بلوكتشين."

تابعة لـ"بينانس" تُطلق صندوق تشفير بقيمة 500 مليون دولار

أدّت هذه اللحظات لكثير من السخرية المستحقة بجدارة، خاصة فيما يستمر شتاء العملات المشفرة، لكنها كشفت عن فشل رئيسي شائع بين معظم داعمي "ويب3" البارزين. يبدو أن وادي السيليكون بعد سنوات من الهوس حيال احتياجات المستهلكين نسي الاختبار الحاسم الذي ساعده ليصبح قوة اقتصادية مهيمنة. بدل ذلك، كما اعترف ماكورميك في منشور لاحق لمدونة، تعاملت شركات "ويب3" بشكل عام مع احتياجات المستخدم باعتبارها شأناً ثانوياً، هذا إن أخذتها في الاعتبار، وركزت أولاً على ما أسماه "إضفاء الطابع المالي" عوضاً عن ذلك، أي جذب الأموال والانتباه للمشاريع عبر بناء رموز مميزة مشفرة فيها.

ألعاب للكسب

هذا خطأ كبير كان يخفيه جنون سوق العملات المشفرة حتى وقت قريب. ثم كان لدينا لعبة فيديو أكسي إنفينيتي المدعومة من شركة "في سي" (VC) والتي لا تُعدّ جيدة كلعبة لكنها تمكنت بطريقة ما من إقناع الناس بأنها ليست فقط مستقبل صناعة ألعاب الفيديو بل أيضاً "مستقبل العمل". استمر ذلك حتى انهيار سوق الرموز المميزة العام الماضي.

يسهل تجاهل قصورها من حيث المتعة، كما بيّن زميلي جوشوا بروستين، عند الترويج للعبة على أنها طريقة فورية لجني ثروة. كسب اللاعبون المستثمرون المال عبر أكسي عن طريق "إكثار" الشخصيات ثم تأجيرها للآخرين، ومعظمهم من البلدان النامية مثل الفلبين، الذين استخدموها لكسب مبالغ صغيرة من اللعبة. قال أليكسيس أوهانيان، وهو مستثمر في أكسي مثل أندريسن في بث صوتي في يناير: "لن يلعب 90% من الأشخاص أي لعبة ما لم يحصلوا على تقدير مناسب للوقت الذي يمضونه في اللعب".

هناك شيء محبط في أوهانيان، وهو رجل خاض الفصل الأول لشركة "واي كومبيناتور" كشريك مؤسس في "ريديت" (Reddit) وهو معجب بالنوع القديم من ألعاب الفيديو التي تلعبها للمتعة، حيث يحاول تحويل اللعب إلى اقتصاد يقوم على أشخاص رقميين ممن يملكون ومن لا يملكون. يلمح هذا أيضاً لكيفية تحول مجموعة من المهووسين بالمنتج إلى مروجين لفقاعة مضاربة واضحة.

بيع أراضٍ افتراضية على ميتافيرس يجمع 320 مليون دولار ويعطّل شبكة إيثريوم

إذا كنت من أصحاب رأس المال الاستثماري، فقد يبدو الإشراك مالياً أمراً طبيعياً وممتعاً. لكن معظم الناس العاديين لا يجدونه ممتعاً على أقل تقدير فهم يعتبرون إدارة خطة تقاعدهم عبئاً ويتجاهلون في الغالب سوق الأسهم ولا يفتحون الفواتير التي تصلهم بالبريد إلا بعد بضعة أيام. ربما تبدو فكرة رغبتهم بدخول معاملة مالية معقدة مع حساب تفاضلي دقيق للمخاطر والمكافآت كي يلعبوا لعبة أو يستمتعوا بسماع بودكاست، يعتبره عدد قليل من أصحاب رأس المال الاستثماري ممتعاً لكن لا يشاركهم أحد بذلك إلى حد كبير.

دافع الربح

هناك تفسير ثانٍ أبسط لسبب مراهنة أندريسن وآخرين بشدة على "ويب3"، واستمرارهم بالترويج لها وهو دافع الربح. جمعت شركة أندريسن للتو أموالاً لصندوق جديد ضخم للعملات المشفرة، لكنها كانت تبيع أيضاً في الفقاعة التي ساعدت بإنشائها. باعت في العام الماضي ما قيمته 5 مليارات دولار تقريباً من أسهم "كوين بيس" (Coinbase) فيما أنفقت بسخاء على التحشيد الذي يبدو مصمماً لمساعدة الشركة على تحقيق مكاسبها. ما تزال الشركة أكبر مساهم في "كوين بيس" لكن انخفاض سعر سهم الشركة الآن بنسبة 85% من أعلى مستوياته العام الماضي جعل لديها حافزاً قوياً لضمان أن تجد سوق البرمجيات المالية مشترين.

قد تأتي تطبيقات "ويب3" لتغير قواعد اللعبة في النهاية كما يقول المستثمرون. لكن كان الشيء الوحيد الذي يقدمه المستثمرون للمستهلكين طيلة سنين هو وعد بتراكم فوري للثروة. مع انخفاض سعر "بتكوين" 70% عن أعلى مستوياتها العام الماضي، انخفض سعر الرموز الأخرى مثل "أكسيز" أكثر وبات واضحاً كم كانت هذه الوعود فارغة وساخرة.