النفط يودّع حقبة التضخم ويدخل عصر الركود

براميل النفط في فريد آباد، الهند
براميل النفط في فريد آباد، الهند المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ارتفع النفط بشكل مطّرد خلال فترة كبيرة من العام الحالي في ظل رهان المستثمرين على أنَّ السلعة الأكثر سيولة في العالم سترتفع مع صعود التضخم. وفي يوم الثلاثاء، كشفت التحركات عن أوضح علاماتها حتى الآن على الركود.

تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بأكثر من 10 دولارات للبرميل، لتسجل ثالث أكبر تراجع يومي على الإطلاق. انخفض غرب تكساس الوسيط إلى ما دون 100 دولار للمرة الأولى منذ 11 مايو. كما استأنفت الأسعار التراجع مرة أخرى اليوم الأربعاء.

النفط ينخفض ​​إلى ما دون 100 دولار لأول مرة منذ أواخر أبريل

وبرغم مساهمة تضاؤل ​​السيولة لأشهر، جنباً إلى جنب مع البيع الفني، وتحوّط بعض المنتجين من التراجع؛ كان الدافع الحقيقي هو القلق بشأن الركود والارتفاعات الشديدة لأسعار الفائدة، مما يقوّض فكرة أنَّ أسعار النفط هي وسيلة للتحوط من التضخم.

قال جيوفاني ستونوفو، المحلل في "يو بي إس غروب": "من المحتمل أن تكون مخاوف الركود قد دفعت بعض المستثمرين إلى التخارج من النفط، والتحوط من التضخم".

الحيازة المادية

لم يكن هناك تغيير عنيف للأسوأ في أجزاء من سوق النفط التي يراقبها التجار عن كثب بحثاً عن أدلة على العرض والطلب. وهناك اضطرابات كبيرة في الشحنات، مع انخفاض إنتاج ليبيا وتعرض صادرات كازاخستان للخطر.

تفاقم الخلاف في ليبيا يوقف صادرات النفط من رأس لانوف

تواصل الهوامش الزمنية- المبلغ الذي سيدفعه التجار للحصول على المزيد من البراميل على الفور- التداول بالقرب من المستويات التاريخية، مما يشير إلى وجود طلب عاجل وإمدادات محدودة.

ما يزال النفط المادي يحقق علاوات ضخمة مقارنة بمعاييره القياسية، لدرجة أنَّ المملكة العربية السعودية رفعت أسعارها إلى أوروبا إلى مستوى قياسي قبل ساعات فقط من هبوط العقود الآجلة.

السعودية ترفع أسعار النفط لآسيا الشهر المقبل مع استمرار الطلب

كما أنَّ أسعار الديزل والبنزين أعلى بكثير من النفط الخام، مما يعطي المصافي حافزاً كبيراً لشراء النفط.

تحوّل التقلّب

كان الهبوط الذي حدث أمس الثلاثاء جزءاً من نمط من التقلّبات الشديدة منذ غزو روسيا لأوكرانيا.

خلال الفترة بين عام 1988 ونهاية عام 2020، تراجعت العقود الآجلة لخام برنت بأكثر من 10 دولارات للبرميل في ثلاثة أيام فقط. ولكن حدثت تلك المفارقة مرتين منذ شهر مارس الماضي، وخلال هذه الفترة شهدنا أكثر من عشر جلسات فقد فيها النفط 5 دولارات للبرميل. سجل مؤشر بلومبرغ للدولار أعلى مستوى منذ مارس 2020، أمس الثلاثاء.

كان سبب التقلّب هو انخفاض نشاط التجار. انخفضت المراكز المفتوحة عبر عقود النفط الرئيسية إلى أدنى مستوى منذ عام 2015، مما يشير إلى وجود عدد متزايد من الأشخاص الذين يكتفون بالمراقبة. وقال المتعاملون إنَّ هذا يعني أيضاً أنَّ السوق قد تكون عرضة لتقلّبات كبيرة مستمرة في المستقبل.

"إنها تعاملات ركود".. الأسهم والعوائد والنفط كلها هابطة

أدار بعض المتفائلين ظهورهم بالفعل للنفط. قبل موجة البيع يوم الثلاثاء، كان خام برنت منخفضاً بنحو 10% من أعلى مستوى له في يونيو. إنَّه اتجاه هبوطي تسبّب في قيام المتداولين الفنيين بالانقضاض، مما يساعد على إجباره على التراجع.

العوامل الفنية

يتم تداول المؤشر العالمي دون المتوسطين المتحركين لمدة 50 و 100 يوم، في حين شكّلت مؤشراته لمدة 5 أيام و 100 يوم نمطاً تقاطعياً هبوطياً هذا الأسبوع. وقال فؤاد رزاق زادة، محلل السوق في "سيتي إندكس" (City Index)، إنَّه بالنسبة إلى الخام الأميركي، تبع كسر مستويات الدعم حول 105.50 دولار تأثير كرة الثلج (تأثيرات متتالية)، حيث اخترقت الأسعار المزيد من المستويات الرئيسية عند 103 دولارات و 101 دولار للأسفل.

النفط يتقهقر صوب 100 دولار تحت وطأة مخاوف الركود الاقتصادي

كتب محللو "غولدمان ساكس"، بما في ذلك داميان كورفالين مذكرة للعملاء، في إشارة إلى المتداولين المنتظمين المعروفين باسم مستشاري تداول السلع: "لقد تفاقم الانخفاض بعد ذلك بسبب العوامل الفنية والتدفقات الفنية التي تتبع الاتجاه.. نعتقد أنَّ هذه الخطوة قد تجاوزت المدى".

لم تكن الأسعار القريبة فقط هي التي علقت في عمليات البيع- فقد تحطّم سعر النفط الخام على طول منحنى العقود الآجلة. وهبط خام برنت في ديسمبر 2023 بنحو 8.8% ليتداول عند أدنى مستوى له منذ مارس بما يقارب الأسعار القريبة.

فسر التجار والوسطاء التراجع على أنَّه إشارة إلى أنَّ بعض منتجي النفط يبيعون عقوداً طويلة الأجل للتحوط من إمداداتهم، على الرغم من أنَّ الكميات كانت صغيرة حتى الآن. يمكن لمثل هذه التدفقات في كثير من الأحيان مضاعفة الضغط على العقود الآجلة القريبة.

في علامة أخرى على أنَّ تجارة التضخم آخذة في الانهيار؛ سجلت منتجات تجارة السلع المتقاطعة المتداولة في بورصات السلع الأساسية عمليات سحب لشهرين متتاليين، وهو انعكاس صارخ من التدفقات الضخمة في وقت سابق من هذا العام. أعلن أحد هذه الصناديق عن تدفق 625 مليون يورو (636 مليون دولار) يوم الجمعة، وهو أكبر تدفق له على الإطلاق.

قال سكوت شيلتون، اختصاصي الطاقة في "آي سي أيه بي" (ICAP): "اعتقدت أنَّ أسعار السلع الأساسية ستدخلنا في ركود، بدلاً من أن تكون ضحية له.. فالانسحاب من الشراء كان شديداً جداً، إذ لا يستطيع الناس البقاء في تلك العملية، وهذا يسبّب تصفية قسرية".