سوق العمل الأميركية ترفض الاستسلام للتضخم وزيادة الأجور

لافتة كُتب عليها "مطلوب المساعدة" موضوعة على واجهة أحد المطاعم في ضاحية إيست فلاتبوش في حي بروكلين، نيويورك، يوم 29 مارس 2021. خلال شهر يونيو 2022، انخفض عدد الأشخاص الذين قالوا إنهم يريدون وظيفة لكنهم لا يبحثون بشكل فعلي عن فرصة عمل، ليسجل أدنى قراءة له منذ بدء تفشي الوباء
لافتة كُتب عليها "مطلوب المساعدة" موضوعة على واجهة أحد المطاعم في ضاحية إيست فلاتبوش في حي بروكلين، نيويورك، يوم 29 مارس 2021. خلال شهر يونيو 2022، انخفض عدد الأشخاص الذين قالوا إنهم يريدون وظيفة لكنهم لا يبحثون بشكل فعلي عن فرصة عمل، ليسجل أدنى قراءة له منذ بدء تفشي الوباء المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أضاف الاقتصاد الأميركي نحو 400 ألف وظيفة جديدة في شهر واحد، وانخفض معدل البطالة إلى أدنى مستوى له في 50 عاماً تقريباً، في تأكيد جديد على سوق العمل الضيقة في الولايات المتحدة. لكنَّ نظرة معمقة بعض الشيء إلى تقرير الوظائف لشهر يونيو، إلى جانب البيانات الأخرى الحديثة، تظهر مدى سخونة الأوضاع التي يواجهها الاقتصاد الأميركي.

اقرأ أيضاً: نمو الوظائف الأميركية يفوق التوقعات في يونيو والبطالة تستقر عند 3.6%

آظهر تقرير وزارة العمل الذي صدر الجمعة، أنَّ مقياساً أكثر شمولية للبطالة، سجل مستوى قياسياً منخفضاً الشهر الماضي، فيما استمرت أجور الموظفين والعمال الذين لا يتسلّمون مناصب إدارية في الارتفاع. كذلك، ظلت الوظائف الشاغرة قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق، فيما رفع عدد شبه قياسي من الشركات الصغيرة، في يونيو، حجم المكافآت والتعويضات الممنوحة للموظفين.

اقرأ المزيد: الأسهم الأميركية تنهي الأسبوع على مكاسب.. وتقرير الوظائف يعزّز توقعات رفع الفائدة

كل هذه المعطيات، بالإضافة إلى التوقُّعات بأن تظهر البيانات التي ستصدر الأسبوع المقبل ارتفاع التضخم في يونيو إلى مستوى جديد هو الأعلى في أربعة عقود، تمهّد الطريق أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمواصلة إجراءاته المتشددة في مكافحة التضخم. وفي هذا السياق، يتوقّّع الاقتصاديون والمتداولون في الأسواق على نطاق واسع، أن يرفع البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس أخرى هذا الشهر لكبح جماح الطلب على مستوى الاقتصاد ككل، وهي الخطوة التي أبدى العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تأييدهم لها.

اقرأ أيضاً: نمو الوظائف الأمريكية يفوق التوقعات في مايو

قال جيم كارون، مدير محافظ أول وكبير المحللين الاستراتيجيين لأوراق الدخل الثابت العالمية لدى شركة "مورغان ستانلي إنفستمنت مانجمنت" (Morgan Stanley Investment Management): بعد هذا التقرير، يمكن المراهنة إلى حد كبير على زيادة بمعدل 75 نقطة أساس في يوليو.. سوق العمل قوية، ولا تتوقف عن النمو".

خلال الشهر الماضي، انخفض معدل البطالة (U-6)، وهو المقياس الأوسع نطاقاً والذي يشمل العاطلين عن العمل والمرتبطين بشكل هامشي بسوق العمل، وكذلك الذين توقفوا عن البحث عن فرص عمل - إلى أدنى مستوى له منذ بدء تسجيل البيانات عام 1994، مما يشير إلى أنَّ عمليات تسريح العمال والفصل من الوظائف، ما تزال نادرة الحدوث. ويأتي ذلك بعدما ظل أرباب العمل يكافحون لأشهر من أجل توظيف عمال مؤهلين – والإبقاء على العاملين لديهم بالفعل – كون الطلب على العمالة يفوق العرض.

يشير المستوى المنخفض للبطالة إلى أنَّ فئة العمال الذين يبحثون عن وظيفة ما تزال محدودة، الأمر الذي يُرجَّح معه أن تحافظ فرص العمل أو الوظائف الشاغرة على معدلاتها مرتفعة. قد تنحسر هذه الديناميكية في وقت لاحق من العام الجاري، مع استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، والذي يهدف إلى كبح شهية الاستهلاك، وبالتالي؛ الطلب على العمال.

كتب ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في "أمهيرست بييربونت لتداول الأوراق المالية" (Amherst Pierpont Securities) في مذكرة: "انخفض عدد الأشخاص الذين قالوا إنَّهم يريدون وظيفة لكنَّهم لا يبحثون بشكل فعلي عن فرصة عمل، ليسجل أدنى قراءة له منذ بدء تفشي الوباء، مما يرجّح فرضية عدم وجود عدد كبير من العمال المحتملين الذين ينتظرون على الهامش العودة إلى سوق العمل".

الأجور غير المسجلة

في الوقت الذي بدا، ولو بشكل ظاهري، أنَّ نمو الأجور قد هدأ في يونيو؛ عاد متوسط الدخل في الساعة في عمليات الإنتاج وللعمال غير المسجلين إلى الارتفاع مرة أخرى، فقد قفزت أجور هذه الفئة بنسبة 0.5% للشهر الثاني على التوالي، مسجلة زيادة بنسبة 6.4% على أساس سنوي، الأمر الذي يؤكد أنَّ الشركات تعمد إلى زيادة الأجور لاستقطاب الباحثين عن عمل والاحتفاظ بالعمالة لديها.

قالت أنيتا ماركوسكا، كبيرة الاقتصاديين في بنك الاستثمار "جيفريز" (Jefferies): "هذا يعني استمرار الاستقرار في توزيع الدخل، مع توجيه المزيد من الدولارات إلى المستهلكين الذين لديهم ميل أعلى للإنفاق، الأمر الذي يزيد من صعوبة مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض الطلب".

في وقت سابق من هذا الأسبوع، أظهر مسح للشركات الصغيرة أنَّ 48% منها زادت الحوافز والتعويضات في يونيو. قال حوالي 28% من هذه الشركات إنَّها تعتزم زيادة الأجور في الأشهر الثلاثة المقبلة، بعد الزيادة الأخيرة في شهر مايو، وفقاً لبيانات "الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة".

مطلوب المساعدة

حتى مع ارتفاع الأجور وفق بعض المقاييس، إلا أنَّ الكثيرين ما زالوا غير مهتمين بالانضمام إلى سوق العمل. خلال الشهر المنصرم، قفز عدد الأشخاص غير المنتمين إلى القوى العاملة بأكبر قدر منذ سبتمبر 2020. كذلك؛ فإنَّ معدل المشاركة في سوق العمل - وهو المقياس الذي يتابعه الكثيرون على نطاق واسع، والذي يقيس نسبة الأشخاص الذين يعملون أو يبحثون عن عمل - انخفض بشكل غير متوقَّع، بقيادة الفئة العمرية الأساسية في سوق العمل، أي أؤلئك الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و54 سنة.

يبقي هذا الأمر على الملايين من الوظائف شاغرة. وقد أظهرت البيانات التي نُشرت في وقت سابق من هذا الأسبوع ضمن تقرير منفصل لوزارة العمل، أنَّ فرص العمل في الولايات المتحدة تراجعت بشكل طفيف في مايو، لكنها ظلت قرب مستواها القياسي عند 11.3 مليون فرصة عمل. يُترجم هذا الرقم إلى 1.9 وظيفة لكل شخص عاطل عن العمل في شهر مايو، وهو مقياس يظهر مدى ضيق سوق العمل، بحسب وصف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، والذي قال إنَّ الاقتصاد يمكن أن يتحمّل الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة، من دون أن ينزلق إلى الركود.

ماذا يقول المسح؟

تُظهر بيانات أحدث الاستطلاعات الجهود المضنية التي تبذلها الشركات لاستقطاب الموظفين الجدد. انخفض مؤشرا "معهد إدارة التوريدات"، للتوظيف في قطاعي الصناعات التحويلية والخدمات في يونيو، حتى سجلا أدنى مستوياتهما منذ الأشهر الأولى للتعافي من الوباء.

في العادة، يرتبط انخفاض المؤشر إلى ما دون مستوى 50 نقطة، بسوق عمل أضعف. لكن مع ذلك، يقول المشاركون في الاستطلاع إنَّهم ببساطة غير قادرين على العثور على العمال الذين يحتاجون إليهم.

هذا يؤكد نتائج المسح الذي أجراه "الاتحاد الوطني للأعمال المستقلة"، والذي أظهر أنَّ 23% من أصحاب الأعمال الصغيرة، يعتبرون أنَّ جودة العمالة كانت المشكلة الأكبر بالنسبة إلى أعمالهم، وهي تأتي في المرتبة الثانية بعد التضخم.