الفيدرالي لم يقع في فخ السوق الناشئة ولم يقترب منه

مبنى الاحتياطي الفيدرالي
مبنى الاحتياطي الفيدرالي المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعرض الاحتياطي الفيدرالي خلال الأشهر الماضية للكثير من الانتقادات من مديري الأصول لسماحه للتضخم بالخروج عن السيطرة ولمخاطرته الآن بركود عبر زيادة أسعار الفائدة بسرعة.

تدور مجموعة الشكاوى حول تصوره للسوق. كتب بيل أكمان، مؤسس "بيرشينغ سكوير كابيتال مانجمنت" (Pershing Square Capital Management): "إذا لم يقم الفيدرالي بوظيفته، فستفعل السوق"، وقال محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين لدى "أليانز"، في مقال لـ"رأي بلومبرغ"، إن الفيدرالي "يخاطر بالانزلاق أكثر إلى تفاعلات خاسرة والتي هي مألوفة أكثر في الدول النامية التي تفتقر سياساتها للمصداقية".

أسباب مبررة

لدى عمالقة القطاع أسباب تبرر انزعاجهم، فمن المحتمل أن تشير بيانات الأربعاء إلى ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين إلى أعلى مستوى له في أربعة عقود، وهو ما سيجبر الاحتياطي الفيدرالي على رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس أخرى في يوليو، وفي غضون أربعة أشهر فقط، انقلب فارق العائد بين سندات الخزانة لأجل عشر أعوام وعامين، والذي يعتبر تقليدياً مقياساً موثوقاً لمخاطر الركود، ثلاث مرات، كذلك خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد الأميركي للعامين الجاري والمقبل.

وفي الوقت نفسه، انهارت بعض أساليب إدارة مخاطر المحفظة التي أثبتت فعاليتها عبر الزمن، مثل التحوط من مخاطر الأسهم الأميركية بسندات الخزانة طويلة الأجل، لكن لم يقدم مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" وسندات الخزانة عائدات سلبية العام الجاري فحسب، وإنما تحول الارتباط بين فئتي الأصول إلى ارتباط طردي قوي.

لا شك في أن أداء الأسواق الأميركية كان غريباً مؤخراً، لكن كل شيء نسبيّ، وإذا حكمنا استناداً على تدفقات الأموال العالمية، يصعب قول إن المستثمرين فقدوا الثقة في الفيدرالي.

وإنما كانت الأسواق النامية هي ما تحملت وطأة الصفعة، وسحب المستثمرون أكثر من 50 مليار دولار من صناديق سندات الأسواق الناشئة العام الجاري، وهو الرقم الأكبر في 17 عاماً على الأقل، وعلى النقيض، ظلت السحوبات من صناديق السندات الأميركية تحت السيطرة إلى حد كبير بل شهدت السندات السيادية تدفقات داخلة رغم خسارتها 7.5% منذ بداية العام وحتى الآن.

يعود ذلك إلى تمتع الفيدرالي بعملة تسير في الاتجاه الصحيح، فالدولار القوي، الضروري لترويض التضخم المحلي، يحافظ على عدم هروب أموال المحافظ الاستثمارية من الأصول الأميركية.

عجز في مواكبة الدولار

أما الأسواق الناشئة، من ناحية أخرى، فلا تتمتع بمثل هذه الرفاهية، حيث حاصر محافظو البنوك المركزية هناك تركيزاً فردياً على التضخم، ويستجيبون بقوة أكبر من المتوقع، ولا يزالون عاجزين عن مواكبة الدولار، ويغذي ضعف عملاتها، بدوره، زيادات الأسعار المحلية للمنتجات اليومية من القمح إلى الغاز الطبيعي.

وقدمت هنغاريا مثالاً بارزاً إذ فاجأت الأسواق برفع هائل في سعر الفائدة بمقدار 185 نقطة أساس إلى 7.75% في أواخر يونيو، وهو أكبر تحرك لسعر الفائدة منذ عام 2008، لكن الدفعة التي حصل عليها الفورنت مقابل الدولار واليورو تبخرت سريعاً، وخلال العام الجاري، تراجعت عملة هنغاريا بنحو 20% مقابل الدولار، رغم رفع أسعار الفائدة بنسبة 5.35%.

من المؤكد أن الاحتياطي الفيدرالي يركز أيضاً على التضخم في الوقت الحالي، لكنه على الأقل لا يلعب لعبة القط والفأر مع أي بنك مركزي رئيسي آخر، ويمكنه أن يحاول تحقيق التوازن بين التضخم والنمو الاقتصادي.

يستطيع اللاعبون في السوق الأميركية توقع الوقت الذي قد يبدأ فيه الفيدرالي خفض أسعار الفائدة مرة أخرى، وهو الربع الثاني من عام 2023 إذا كانت أسواق العقود الآجلة محقة، وهذا التمرين الفكري ليس مطروحاً حتى على الطاولة في معظم البلدان النامية في الوقت الحالي، لذا لم تفقد الأسواق الثقة تماماً في الاحتياطي الفيدرالي.