انهيار العملات المشفرة كان يمكن أن يكون أشد سوءاً بكثير

شعار عملة "بتكوين"، و"إيثريوم"، و"تيذر" على جهاز الصراف الآلي للعملات المشفرة في هونغ كونغ، الصين
شعار عملة "بتكوين"، و"إيثريوم"، و"تيذر" على جهاز الصراف الآلي للعملات المشفرة في هونغ كونغ، الصين المصدر: بلومبرغ
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بمرور الوقت يصبح عالم العملات المشفَّرة الحديث والجريء أكثر شبهاً بعالم "وول ستريت" قديم الطراز والمحفوف بالمخاطر خلال عام 1929 أو عام 2008. في حين أنَّ هذه الاستثمارات التي من المفترض أن تكون مستقرة كانت تحاول إثبات أنَّها أبعد ما تكون عن ذلك الشبه؛ إلا أنَّ صناديق التحوط المتخصصة والبورصات والكيانات الشبيهة بالبنوك المعتمدة على العملات المشفَّرة شهدت كلها انهياراً هائلاً، وذلك بعد وضعها لرهانات مرتفعة مستخدمة الرموز المُشفَّرة المملوكة لأشخاص آخرين، لتتلاشى بذلك تريليونات الدولارات من الثروات الافتراضية.

وإذا سألنا عن ردة الفعل الأفضل هنا؟ تكون الإجابة هي الامتنان بأنَّ الأمور لم تصبح أكثر سوءاً.

فنادراً ما يأتي توقيت الأزمات بهذا الشكل الجيد؛ فقد ازدهرت وانهارت العملات المشفرة قبل ارتباطها الوثيق بالنظام المالي الأوسع. واقتصرت غالبية الأضرار على الفئة التي اختارت الانخراط فيها بقوة برغم التحذيرات الكبيرة. والأمر لا يستدعي التدخل الطارئ، بل على العكس، يمنح انكماش الفقاعة في حال استمراره فرصة استثنائية للجهات التنظيمية والمستثمرين للتأمل والتصرف من الدروس المستفادة.

اقرأ أيضاً: انهيار العملات المشفرة يهبط بعوائد الإقراض من 25000% إلى صفر تقريباً

إذاً ما هي تلك الدروس التي يتبادر بعضها إلى الذهن؟

  • لا تعتبر العملات المشفَّرة من فئات الأصول. إذ إنَّ لدى الأسهم والسندات تدفقات نقدية. وتتمتع السلع باستخدامات صناعية. في المقابل لا تملك الرموز الرقمية شيئاً يدعمها سوى أحاسيس المؤمنين بها. وهي من المحتمل أن تُثبت يوماً ما أنَّها مفيدة لتمثيل الأصول، وجعل المعاملات أرخص وأكثر موثوقية. إلا أنَّ شراءها في الوقت الحالي هو مجرد مضاربة وليس استثماراً. فلا تساوي تلك الرموز شيئاً أكثر مما يمكنك تحمّل خسارته، وقطعاً لا تحتل مكاناً في صناديق أو حسابات التقاعد.
  • لا يجب أن يُسمح بانكشاف النظام المالي بشكل كبير. كان سيُصبح الانهيار أسوأ بكثير في حال قامت البنوك بطرح الكثير من القروض المدعومة بالعملات المشفَّرة باستخدام ودائع الأشخاص العاديين. لكنَّ الجهات التنظيمية انحازت بشكل موفّق ضد هذا الأمر. وعليها التحرك قدماً في وضع قواعد تضمن عدم حدوث ذلك مستقبلاً. كما يتعين على المسؤولين الحد من التهديد الذي تُشكِّله العملات المستقرة، وهي الرموز الرقمية التي تزعم أنَّها تساوي دولاراً واحداً. على هذه العملات أن تكون مدعومة بالدولار الفعلي الذي يحتفظ به الاحتياطي الفيدرالي بدلاً من العملات المشفَّرة الأخرى أو قروض الشركات التقليدية حتى لا يؤدي ذلك إلى انتشار الهلع أو تجميد الائتمان في العالم على أرض الواقع.

اقرأ أيضاً: كيف ساهم المؤثرون في خداع ضحايا العملات المشفرة؟

  • لا تحاول أن تدير اقتصاداً مستنداً إلى الرموز المشفَّرة. قد تكون السلفادور أكثر الدول التي قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال من بين جميع الحكومات التي جربت العملات الرقمية. فطلبت البلاد من الشركات قبول "بتكوين"، وشجّعت على تبنيها عبر تقديم ما يوازي 30 دولاراً لأي فرد يشترك في تطبيق الدفع المشفَّر الذي كشف عن الكثير من الأخطاء. لكنْ سرعان ما أنفق غالبية المتلقين تلك الأموال المفاجئة، وعادوا إلى استخدام الدولارات بشكل منطقي. وخسرت الحكومة حتى الآن نحو 59 مليون دولار من 106 ملايين دولار أنفقتها على "بتكوين"، وهو حجم صغير مقارنة بالإيرادات السنوية البالغة حوالي 8 مليار دولار. مع ذلك، تحمل هذه الحكاية في طياتها عدة تحذيرات، إذ ستزداد خطورة التحديات المالية الكبيرة التي تواجهها البلاد فعلياً بشكل أكبر في حال نجح الرئيس نجيب بقيلة في تحويل السلفادور إلى استعمال عملة "بتكوين" مثلما كان يأمل.

مستقبلاً، قد يؤدي جنون المضاربة المحيط بالعملات المشفَّرة إلى تطوير تطبيقات لها قيمة حقيقية، مثلما حدث مع الإنترنت. لكن في الوقت الحالي يبقى من الأفضل الحفاظ على مسافة آمنة.