مخاوف الركود تحطّم أقوى سوق نفطية منذ سنوات

مقبس مضخة نفط في حقل نيو هارموني، الولايات المتحدة
مقبس مضخة نفط في حقل نيو هارموني، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كيف يمكن لأسعار النفط أن تتأثر عندما تصطدم مخاوف الركود بواحدة من أقوى أسواق النفط المادية؟

ستتعثّر أو على الأقلّ هذا ما حدث خلال الشهر الماضي تقريباً، ومرة أخرى يوم الخميس مع هبوط كلّ من أسعار خام برنت وغرب تكساس الوسيط إلى ما دون المستويات التي كانا عليها قبل غزو روسيا لأوكرانيا، ممّا أدى إلى اضطراب تاريخي في تدفقات النفط.

تراجع السعر الرئيسي لخام برنت وغرب تكساس بحوالي 22% منذ أوائل يونيو، ما يشير إلى دخولهما في موجة هابطة فنياً. ويشق هذا التراجع طريقه ببطء نحو خفض أسعار الوقود للمستهلكين، ما يمكن أن يشكّل بادرة أمل مبكرة عن الارتياح المرتقب في ظلّ التضخم الجامح.

أشار مروان يونس، رئيس شركة "مسار كابيتال مانجمنت"، وهو صندوق تحوط يدير حوالي 1.2 مليار دولار من الأصول، إلى أنّ ما نشهده مؤخّراً يُعرف بالمحرّك الأقوى، حيث يُشكّل التباطؤ الاقتصادي حالياً، عامل ضغط قوي على أسواق النفط. أضاف أنّ تباطؤ الاقتصاد العالمي بشكل عام، والاقتصاد الأميركي بشكلٍ خاص، يحظى بالأهمية القصوى.

في هذا السياق، يُقدّر يونس أن أسعار النفط انخفضت بمعدل يتراوح بين 30 إلى 40% خلال فترات الركود الخمس الماضية التي شهدتها الولايات المتحدة. فإذا كان هذا صحيحاً، سيؤدي ذلك إلى تراجع ملحوظ في أسعار برنت وغرب تكساس الوسيط من 92 و95 دولاراً، لتسجّل 75 و70 دولاراً على التوالي.

عواقب الغزو الروسي

لا تعكس السوق النفطية المادية الأساسية سوى الضعف.

غزو روسيا لأوكرانيا يُنذّر بأنّ حظراً مرتقباً على أحد كبار المنتجين في العالم، يفرضه الاتحاد الأوروبي يلوح في الأفق. كما توقفت الإمدادات اللّيبية مرة أخرى واستمر الاقتتال السياسي الداخلي في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا. وقد حدث كلّ ذلك دون الأخذ بعين الاعتبار استمرار نقص الاستثمار الحادّ في إنتاج النفط العالمي.

يقول المتفاؤلون إن هذا الضعف مبالغ فيه، لأنه يتجاهل نقص الإمدادات. حيث تم تداول العقود الآجلة لخام برنت للتسليم القريب بأكثر من 3 دولارات منذ أواخر يونيو فوق سعر عقود تسليم الشهر التالي، ما يشير إلى أن التجار على كامل الاستعداد لدفع مبالغ كبيرة مقابل ضمان إمداداتهم من النفط. لم يسجّل المعيار العالمي للنفط ارتفاعاً في الأسعار قبل غزو روسيا لأوكرانيا.

يتم تداول النفط الخام في السوق الفورية بعلاوة سعرية على العقود الآجلة لخام برنت، ما يعكس الضغوط في الأسواق المادية التي لا تزال تشهد حالة عجز، بحسب ما كتبه محلّلو مجموعة "غولدمان ساكس" بما فيهم داميان كورفالين، في تقرير للعملاء خلال هذا الأسبوع. "فمع وصول المخزونات إلى مستويات قياسية ومع الزيادة المحتملة في الإنتاج السعودي الإماراتي التي تزيد من استنزاف القدرة الاحتياطية القياسية المنخفضة، فإنّنا نكرّر وجهة نظرنا بأن انحراف الأسعار يميل بشكل مباشر إلى الاتجاه الصعودي".

في هذا الإطار، تم دعم القوة في النفط الخام من خلال هوامش التكرير القوية. حيث أعلنت شركة "شل" (Shell PLC) تحقيقها أرباحاً تصل إلى مليار دولار من أعمال التكرير خلال الربع الماضي. كما ارتفع هامش التكرير العالمي للنفط لشركة "بي بي"، من 19 دولاراً في الربع الأول، ليتجاوز 45 دولاراً للبرميل في الربع الثاني، ما يعني أن باستطاعة شركات التكرير دفع أقساط تكاليف ضخمة مقابل الخام المادي.

ارتفاع الدولار

ولكن كل هذه الجهود تلاشت مع عملية إعادة تسعير أوسع نطاقاً للأسواق المالية العالمية.

يتم تداول مؤشر الدولار الأميركي عند أعلى مستوى له على الإطلاق، وحظي ذلك بدعم الجميع بدءاً من صناديق التحوط، ووصولاً إلى البنوك الاستثمارية، لتعزيز ارتفاعه. تُعتبر هذه الأخبار سيئة بالنسبة للأسواق الناشئة التي تعتمد على الدولار، والتي تشكل الآن نسبة أكبر من الطلب، مقارنةً بتلك التي شهدتها في فترات التباطؤ الاقتصادي السابقة.

نتيجةً لذلك، أصبح المستثمرون أكثر حذراً. حيث باع المضاربون خلال الأسبوع الماضي، 100 ألف عقد خيار شراء لخام برنت وخام غرب تكساس الوسيط، وهو أكبر عدد يتم بيعه منذ مارس - أي ما يعادل 100 مليون برميل. وشهد أكبر صندوق متداول في بورصة النفط منذ فترة طويلة خروج أكثر من 800 مليون دولار منذ أبريل.

ارتفاع البنزين

إلى جانب ذلك، هناك بالفعل علامات مبدئية تنذّر بتأثير ارتفاع أسعار البنزين على الاستهلاك.

في هذا الإطار، تجاوزت الأسعار على مستوى البلاد في الولايات المتحدة 5 دولارات للغالون لأول مرّة خلال الشهر الماضي، حيث كانت أرقام الطلب الأخيرة على البنزين، الأضعف موسمياً في ربع قرن، في حين انخفضت مبيعات وقود السيارات في المملكة المتحدة بأكثر من 3% خلال الأسبوع الماضي مقارنةً بالعام السابق.

من جانبه، أكّد يونس أن "الضرر الاقتصادي سيكون هائلاً في هذا الركود"، مضيفاً "سنشهد تباطؤاً ساحقاً، سيؤثر بدوره على الطلب".