"بلاك روك" تحطم النوع الخاطئ من الأرقام القياسية

فقد أموال عملاء بـ1.7 تريليون دولار.. فيما يعد أكبر مبلغ تخسره شركة في غضون 6 أشهر

مقر شركة "بلاك روك" في نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية.
مقر شركة "بلاك روك" في نيويورك، الولايات المتحدة الأميركية. المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

دأبت شركة "بلاك روك" (BlackRock) على تحطيم الأرقام القياسية. فقد كانت أكبر مديرة للأصول في العالم أول شركة تخترق حاجز الـ10 تريليونات دولار من الأصول التي تديرها. لكن كلما زاد حجمها كلما هوت على نحو أكثر قسوة.

في هذا العام، حققت "بلاك روك" رقماً قياسياً آخر، حيث تكبّدت أكبر مبلغ من المال خسرته شركة على مدى ستة أشهر. ففي النصف الأول من العام الجاري، خسرت أموال عملاء بـ1.7 تريليون دولار.

أصول "بلاك روك" تسجل رقماً قياسياً عند 10 تريليونات دولار

تعجلت إدارة "بلاك روك" في استدعاء مذبحة السوق بالنصف الأول، عندما كشفت عن أداء الاستثمار الأسبوع الماضي. وقال رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة، لاري فينك في تصريحه بشأن الأرباح: "يعد 2022 أسوأ بداية سنة منذ 50 عاماً لكل من الأسهم والسندات".

في الوقت الذي تمكن عدد محدود من الشركات من تجنب ما تلقاه من السوق، يحاول البعض منها على الأقل التغلب عليه. وبالنسبة إلى "بلاك روك" فهي تستلم بشكل متزايد، حيث إنه في نهاية يونيو الماضي كان هناك حوالي ربع أصولها فقط مدارة بشكل فعّال بحيث يمكنها التفوق على المؤشر المعياري، بدلاً من تتبعها بسلاسة وفق الاستراتيجيات السلبية المصممة للقيام بذلك. ويعد هذا أقل من الثلث عندما استحوذت "بلاك روك" على "باركليز غلوبال إنفستورز" (Barclays Global Investors) في عام 2009 لتصبح اللاعب الرئيسي بمجال الصناديق المتداولة في البورصة.

من النشطة إلى السلبية

يتجلى الاختلاف بوضوح، خاصة ضمن أعمال الأسهم. فعلى امتداد هذه الصناعة، تسللت الأصول بعيداً عن الاستراتيجيات النشطة إلى السلبية. وفي حالة "بلاك روك"، تدفق نحو 21 مليار دولار خارج الأسهم النشطة خلال العقد الماضي، مع دخول 730 مليار دولار إلى الأسهم المدرجة بالمؤشرات. أصبحت حيازات الشركة من الأسهم غير النشطة الآن أكبر بعشرة أضعاف من أعمالها النشطة، على الرغم من أنها تدير بعض الأصول النشطة والاستراتيجيات البديلة التي تضيّق الفجوة.

بالنسبة إلى مديري المحافظ في جانب الدخل الثابت، فإن تطوير الأعمال ينذر بمستقبل مشؤوم.

تكمن أصول شركة "بلاك روك" في الدخل الثابت النشط. أسس فينك الشركة في عام 1988 حول استراتيجيات "تؤكد على تحقيق القيمة من خلال اختيار الأمان.. ويتم تنفيذها من قبل فريق يضم مديري المحافظ المؤهلين تأهيلاً عالياً استناداً إلى عملية استثمار منضبطة بدقة"، وفقاً لنشرة الإصدار لعام 1999.

على الرغم من أن الشركة أطلقت أيضاً أول صندوق سندات متداول بالبورصة ومقره بالولايات المتحدة في ديسمبر 2002، إلا أنها لم تصل إلى ما حققته صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة. وفي حالة "بلاك روك"، استمر 280 مليار دولار في التدفق إلى الدخل الثابت النشط في السنوات العشر الماضية. ويعد الدخل الثابت أكبر جزء من ما تبقى من أعمال الإدارة النشطة للشركة، حيث كان لديها 954 مليار دولار من صناديق السندات المُدارة بنشاط اعتباراً من 30 يونيو، مقارنة بـ393 مليار دولار من الأسهم المُدارة بنشاط. فالإدارة السلبية تزايدت، لكنها أكبر بمقدار 1.5 مرة فقط من الدخل الثابت، ما يمثل فجوة أقل بكثير من تلك الموجودة في الأسهم.

صندوق تابع لـ"بلاك روك" يخسر 91% من أصول في يومين

كان هذا على وشك التغيير. فقد أدى انهيار أسواق السندات هذا العام إلى هروب الأموال من صناديق الدخل الثابت النشطة. وسحب عملاء "بلاك روك" أكثر من 20 مليار دولار خلال النصف الأول من العام، في مسيرة تخارج أكثر من 200 مليار دولار من هذه الصناعة. ويتم تحويل بعض منها إلى صناديق غير نشطة، ولا سيما صناديق الاستثمار المتداولة، حيث تحصل "بلاك روك" على أكثر من حصتها العادلة. وحتى الآن هذا العام، كسبت سيولة جديدة بقيمة 39 مليار دولار في صناديق الاستثمار المتداولة، و25 مليار دولار في استراتيجيات صناديق المؤشرات الأخرى. بدأ التحول نحو الإدارة السلبية الذي بدأ في الأسهم التسارع حالياً في الدخل الثابت.

مصير قاسٍ

حتى وقت قريب، كان يُنظر إلى صناديق الاستثمار المتداولة في السندات بعين الشك. ففي عام 2015، وصف المستثمر كارل إيكان، الذي كان حاضراً إلى جانب فينك في التلفزيون، "بلاك روك" بأنها "شركة خطيرة للغاية". فقد اعتمد منطقهُ على أن صناديق الاستثمار المتداولة التابعة للشركة تقوم بتضمين السندات غير السائلة في أوعية سائلة غير مناسبة. وأضاف أنهم سيلقون مصيراً قاسياً.

مع ذلك، ففي خضم حالة الذعر التي سادت خلال مارس 2020، عندما تجمدت أسواق السندات، اتسم أداء صناديق الاستثمار المتداولة بالكفاءة. فقد تحوّلت إلى خصم على قيمة السندات الأساسية، لكن ذلك لم يؤدِ إلى عمليات بيع محمومة للأوراق المالية. وبدلاً من نقل التوتر، امتصته صناديق السندات المتداولة في البورصة مع تزويد المستثمرين بالسيولة التي هم في أمسّ الحاجة إليها. وأثبت اختبار الإجهاد الواقعي هذا صحة هيكل السندات، والآن بعد أن بدأت السندات تضعف، تتدفق الأموال.

جورج سوروس: استثمار "بلاك روك" مليارات الدولارات بالصين "خطأ مأساوي"

في مكالمة نتائج الأعمال، أوضح فينك الفوائد. فقد أشار إلى أن المستثمرين يستخدمون صناديق الاستثمار المتداولة لسرعة تحقيق الانكشاف وبكفاءة على آلاف السندات العالمية وإعادة ضبط محافظهم الاستثمارية. وأضاف: "التحديات المرتبطة بارتفاع معدلات التضخم إلى صعود أسعار الفائدة تجذب المزيد من مستخدمي صناديق الاستثمار المتداولة في السندات للمرة الأولى، وتشجّع المستثمرين الحاليين على إيجاد سبل جديدة لاستخدام صناديق الاستثمار المتداولة في محافظهم".

دفاع قوي

في الوقت الحالي، يعمل مديرو محافظ الدخل الثابت في "بلاك روك" على بناء دفاع قوي. وعلى عكس زملائهم في قسم الأسهم، كان أداؤهم قوياً نسبياً. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، تراجعت الصناديق التي كانوا يديرونها بـ10.6%، وهو أفضل بشكل هامشي من صناديق الدخل الثابت المتداولة في البورصة للشركة. ووفقاً للشركة، فإن أداء حوالي نصف الأصول ذات الدخل الثابت الخاضعة للضريبة أعلى من معيارها القياسي على مدار عام، مقارنةً بحوالي ثلث أصول الأسهم المُدارة تقليدياً.

ولكن إذا اتبع الدخل الثابت مسار الأسهم، فإن الاختلاف بين التدفقات السلبية والتدفقات النشطة سيزداد فحسب. وقال فينك الأسبوع الماضي: "هذه هي الأيام الأولى لتحول كبير في طريقة استثمار الأشخاص في الدخل الثابت. ونتوقع أن تتضاعف صناعة السندات المتداولة في البورصة بثلاث مرات تقريباً، وتصل إلى 5 تريليونات دولار من الأصول المدارة في نهاية العقد".

وبحلول ذلك الوقت، قد تكون "بلاك روك" أكبر بكثير، ولكن ثرواتها ستظل مرتبطة بقوة بالأسواق.