السعودية تكشف أن إنتاجها من النفط قرب حدّه الأقصى

أكبر منتجة للنفط الخام في العالم لديها طاقة أقل مما كان متوقعاً في السابق

حقل نفط سعودي
حقل نفط سعودي المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

خلال رحلة جوزيف بايدن إلى السعودية، كان يتطلع العالم بشدة لمعرفة كيف سيستجيب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لالتماس الرئيس الأميركي ضخ المزيد من النفط فوراً لدرجة أنه فوّت القنبلة: المستوى الذي يصل فيه إنتاج النفط السعودي ذروته.

هذا المستوى ينخفض عمّا توقعه كثيرون، وأقل مما أشار إليه السعوديون يوماً، وفي ظل استمرار تعطش العالم للوقود الأحفوري، فذلك ينذر بمشكلات على المدى الطويل للاقتصاد العالمي.

ولسنوات، تجنب وزراء النفط السعوديون وأعضاء العائلة الحاكمة واحداً من أهم الأسئلة التي تواجه سوق الطاقة: ما هو الحد الأقصى على المدى الطويل لحقول النفط في المملكة؟ وكان التخمين دائماً هو أن بإمكانهم ضخ المزيد ولفترة أطول، وإذا عَرِف السعوديون الإجابة، فقد أخفوها. ثم، بشكل عرضيّ تقريباً، كشف الأمير محمد بن سلمان عن الأنباء، قائلاً إن القدرة الإنتاجية القصوى النهائية هي 13 مليون برميل يومياً.

فيما يغادر بايدن المملكة.. السعوديون يؤكدون أن قرار النفط يعود لتحالف "أوبك+"

صاغ الأمير محمد إجابته مؤكداً على أن العالم- وليس فقط دول مثل السعودية- يجب أن يستثمر في إنتاج الوقود الأحفوري خلال العقدين المقبلين لمقابلة الطلب العالمي المتزايد وتجنب نقص الطاقة، وقال في خطاب تضمن موضوعات كثيرة: "ستقوم المملكة بدورها في هذا المجال، حيث إنها أعلنت عن زيادة مستوى طاقتها الإنتاجية إلى 13 مليون برميل يومياً، وبعد ذلك لن يكون لدى السعودية أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج".

الطاقة القصوى

ويجدر تكرار أن السعودية، مالكة أكبر احتياطيات نفطية في العالم، تقول للعالم إنه في المستقبل غير البعيد لن "يكون لدى المملكة أي قدرة إضافية لزيادة الإنتاج"، ودعونا نفكر في معنى ذلك.

الجزء الأول من إعلانه معروف جيداً. ففي عام 2020، وجهت الرياض عملاقة النفط الحكومية "أرامكو السعودية" للشروع في برنامج متعدد السنوات بمليارات الدولارات لتعزيز طاقتها الإنتاجية القصوى إلى 13 مليون برميل بحلول 2027، بارتفاع من 12 مليون، والمشروع قيد التنفيذ، ومن المتوقع أن تخرج الإضافات الصغيرة الأولى للسوق في 2024 تليها إضافات أكبر في الأعوام الثلاثة المقبلة.

أما الجزء الثاني جديد تماماً، إذ وضع سقفاً صلباً عند مستوى أقل بكثير مما ناقشه السعوديون أنفسهم في الماضي، ففي عامي 2004 و2005، خلال آخر توسع كبير في الإنتاج من قبل الرياض، وضعت المملكة خططاً لزيادة قدرة الضخ إلى 15 مليوناً إذا لزم الأمر، ولم يكن هناك ما يشير إلى أنه حتى هذا المستوى المرتفع كان الحد الأعلى.

على سبيل المثال، أخبر المسؤولون التنفيذيون في "أرامكو" مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) بواشنطن في عام 2004 أن الشركة يمكنها الحفاظ على مستويات إنتاج تبلغ 10 و12 و15 مليون برميل يومياً لمدة 50 عاماً إذا لزم الأمر، وفي ذلك الوقت، كانت الرياض تعارض آراء الراحل مات سيمونز، مؤلف الكتاب الذي نوقش كثيراً: "شفق في الصحراء: صدمة النفط السعودية القادمة والاقتصاد العالمي"، وجادل الكتاب بأن وصول إنتاج النفط السعودي لذروته على وشك الحدوث.

التغير المناخي

قد يكون التغير المناخي أحد أسباب وضع السعودية الآن سقف إنتاج منخفض، وربما عدم يقين الرياض بشأن نمو الطلب على النفط في المستقبل جعلها تحسب أنه ليس من الفطنة إنفاق مليارات الدولارات في طاقة إنتاجية جديدة قد لا تكون مطلوبة.

مجموعة مناخية: البنوك لا تستفيد من تمويل صفقات الوقود الأحفوري

أكد الأمير محمد بن سلمان في كلمته على "أهمية طمأنة المستثمرين" بأن السياسات "لا تشكل خطراً على استثماراتهم" بهدف تجنب "إحجامهم عن الاستثمار"، ولا أعتقد أن الأمير محمد كان يتحدث عن أموال "وول ستريت" وصناديق التحوط عندما قال "مستثمرون"، فهو مصطلح يغطي أيضاً المصالح السعودية.

توقعات الطلب هي بمثابة فن بقدر ما هي علم، كما أن المملكة متحفظة بطبيعتها، فمنذ عشر سنوات، قال وزير الطاقة السعودي حينها، علي النعيمي، إن السعودية ستكون "محظوظة" إذا ضخت أكثر من 9 مليون برميل يومياً في أوائل العقد الجاري، وقال: "من الناحية الواقعية، واستناداً إلى جميع التوقعات التي رأيتها، بما في ذلك توقعاتنا، لا يوجد ما يدعونا لتجاوز 11 مليوناً بحلول عام 2030 أو 2040"، وأصبح الواقع أكثر إيجابياً مما توقع هو: الشهر المقبل، سترفع "أرامكو" الإنتاج اليومي إلى أعلى قليلاً من 11 مليون برميل.

المال أم الجيولوجيا

إذا ثبت أن الطلب أقوى في السنوات المقبلة مما يتوقعه السعوديون حالياً، فقد تُراجع المملكة ببساطة خططها الاستثمارية، وتعلن أنها قادرة على زيادة الإنتاج بشكل أكبر، لكن الأمير محمد بدا حاسماً إلى حدٍّ ما في تحديد 13 مليون كحد أعلى، وإذا لم يكن المال هو القيد، فلا بد أن يكون جيولوجياً.

لسنوات، أنتجت السعودية من حقول نفطية جديدة لتعويض التدهور الطبيعي لآبارها المتقادمة، وسمحت للغوار، أكبر حقل نفط في العالم، بإنتاج معدلات أقل، وفي الوقت الذي تسعى فيه "أرامكو" إلى تعزيز الطاقة الإنتاجية وليس فقط تعويض التدهور الطبيعي، تتجه بشكل متزايد إلى الاحتياطيات البحرية الأكثر تكلفة. ربما تكون الرياض أقل ثقة في قدرتها على إضافة حقول نفطية جديدة، ويضخ الغوار نفسه أقل بكثير مما افترضه السوق، ولسنوات، كانت الحكمة السائدة هي أن الحقل قادر على إنتاج حوالي 5 ملايين برميل، لكن في عام 2019 كشفت "أرامكو" أن السعة القصوى للغوار هي 3.8 مليون برميل.

سيحالفنا الحظ إذا أخطأت تقديرات "أوبك" بشأن ارتفاع الطلب على النفط

إذا كانت الجيولوجيا هي العقبة أمام زيادة الإنتاج، وليس التشاؤم بشأن الطلب المستقبلي على النفط، فإن العالم سيواجه فترة صعبة إذا أصبح الاستهلاك أقوى مما هو متوقع حالياً. في الوقت الحالي، تعد ذروة الإنتاج السعودي بعيدة نسبياً بعد خمس سنوات على الأقل من الآن، والأمر الأكثر إلحاحاً هو ما إذا كانت الرياض ستكون قادرة على الحفاظ على إنتاجها الحالي البالغ 11 مليوناً أم لا - وهو شيء حققته مرتين فقط في تاريخها، ولفترة وجيزة فقط- ناهيك عن زيادته أكثر، لكن هذا السقف سيكون مهماً قرب نهاية العقد، وربما حتى قبل ذلك.

ورغم الحديث المنتشر عن ذروة الطلب على النفط، فإن الحقيقة هي أن الاستهلاك في تزايد مستمر في الوقت الحالي على الأقل، ويعتمد العالم بشكل كبير على ثلاث دول للحصول على النفط الخام: الولايات المتحدة والسعودية وروسيا، وتشكل مجتمعة ما يقرب من 45% من إجمالي إمدادات النفط العالمية. وفي ظل عدم رغبة المستثمرين الأمريكيين في تمويل العودة إلى أيام "احفر، عزيزي، احفر" في الموطن، أصبح نمو الإنتاج الأميركي الآن أبطأ مما كان عليه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

أما روسيا، فتواجه مستقبل أكثر قتامة لأن تأثير العقوبات الغربية لا يحد من الإمدادات الحالية فحسب، بل يعيق أيضاً قدرتها على التوسع مستقبلاً.

من المثير للسخرية أنه في عصر التغير المناخي، سيكون إنتاج النفط السعودي أكثر أهمية. الآن وضعت الرياض، علناً، حداً صارماً لمقدار ضخها، وهذه المرة، سيتعين على الطلب على النفط أن يبلغ ذروته لأنه لن يكون هناك معروض إضافي.

في النهاية، هناك طريقان فقط لتحقيق هذه النتيجة: طواعيةً عبر التحول إلى مصادر طاقة منخفضة الكربون مثل الطاقة النووية أو الرياح، أو كراهيةً عبر أسعار نفط أعلى بكثير، وتضخمٍ أسرع، ونموٍ اقتصادي أبطأ، وإذا لم نسلك المسار الأول، فسنُجبر على اتباع المسار الثاني.