الدولار القوي بمثابة اقتراع على مكانة أميركا في العالم

الدولار الأميركي يواصل صعوده
الدولار الأميركي يواصل صعوده المصدر: بلومبرغ
Tyler Cowen
Tyler Cowen

Tyler Cowen is a Bloomberg Opinion columnist. He is a professor of economics at George Mason University and writes for the blog Marginal Revolution. His books include “The Complacent Class: The Self-Defeating Quest for the American Dream.”

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

وصل تضخم الأسعار في الولايات المتحدة إلى معدل 9.1%، بينما يتمتع الدولار بقوة هائلة، وهما أمران لم يكون من الممكن توقعهما على الإطلاق قبل عام من الآن فقط، وحتى في الوقت الحالي لا زالا يبدوان محيرين لحد ما.

مع ذلك، بمزيد من التدقيق، تعكس هذه الأرقام القوة التي لا تزال تحتفظ بها الولايات المتحدة في العالم، سواء من حيث النمو الاقتصادي أو قدرتها على الاستجابة بسرعة للأزمات.

حالياً تواجه دول عدة ارتفاعات في معدلات التضخم، إلا أن الأسواق تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها الدولة الأكثر اهتماماً بحلّ هذه المشكلة، وبفعل ذلك في أقرب وقت. فالناخبون الأميركيون يكرهون بشكل خاص معدلات التضخم المرتفعة، بينما يتخذ الاحتياطي الفيدرالي بعض التدابير الهادفة للحد من المشكلة، ويبدو النظام السياسي الأميركي مستعداً لتحمل الدخول في ركود بهدف الحد من ارتفاع التضخم، كما قام في نهاية حقبة السبعينيات من القرن الماضي.

الصعيد الاقتصادي

بالتأكيد الولايات المتحدة هي ليست الدولة الوحيدة التي ستنجح في تقليص معدلات التضخم بقدر لا بأس به. إلا أن الوضع السياسي في الولايات المتحدة ربما يكون الأكثر شفافية، ولو كان ذلك فقط بسبب الهوس الذي تحظى به الولايات المتحدة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن جهة أخرى تعاني الولايات المتحدة بشكل أقل مع مشكلة أسعار الطاقة مقارنة مع معظم أوروبا أو اليابان. وهذا يزيد من جاذبية الدولار كأحد الأصول. كذلك تعزز بيانات السوق الأخرى مشاعر الثقة الداعمة للدولار، حيث يواصل مؤشر معدل التضخم لمدة خمس سنوات - الذي يعد أحد مقاييس توقعات التضخم مستقبلاً - بالتراجع وهو حالياً عند نحو 2.5%.

اقرأ أيضاً: يلين تشدّد على إيجابيات خفض تكاليف المعيشة بعد ضربة مانشين لأجندة بايدن

كذلك فإن التوقعات طويلة الأجل للولايات المتحدة أكثر تفاؤلاً مما توحي به الأمور الآنية. فعلى سبيل المثال، منذ عام 2009، تسجل الولايات المتحدة معدلات نمو لنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي أعلى بالمقارنة مع أوروبا أو اليابان. كما شهدت الولايات المتحدة تعافياً أفضل من تبعات وباء فيروس كورونا مقارنة بأوروبا أو اليابان، أو حتى أميركا اللاتينية. بينما الصين لا تزال عالقة في سياسة "صفر كوفيد" الكارثية، وتواجه اقتصادات ناشئة عديدة، آخرها سريلانكا، مشكلات خطيرة. كذلك فإن هجوم روسيا على أوكرانيا يمثّل مشكلة أكبر بالنسبة لأوروبا منه لأميركا الشمالية.

وبالنظر إلى المستقبل، قد تكون الأسواق تتوقع استمرار تمدد أفضلية النمو التي تتحلى بها الولايات المتحدة على معظم أنحاء العالم.

القوة الثقافية

بالإضافة لكل ذلك، فإن القوة الناعمة الأميركية تثبت أنها أقوى بكثير مما يشير له بعض المنتقدين. فاللغة الإنجليزية تتخذ مكانة راسخة باستمرار كلغة عالمية. بينما لا تزال شركات الإنترنت الكبرى في العالم هي أميركية بشكل كبير، ما عدا بعض الشركات الصينية. وفي حال استمر الإنترنت بلعب دور رئيسي في حياتنا بشكل أكبر، فإنه سيمثل ميزة إضافية بالنسبة للولايات المتحدة، وللدولار أيضاً.

وعلى الصعيد الثقافي والفكري، تحدد أميركا جزءاً كبيراً من الموجات الفكرية على مستوى العالم. فأصبحت حركات مثل "أنا أيضاً" أ(#MeToo) و"حياة السود مهمة" (Black Lives Matter) وتيار "اليقظة" (Wokeism) وغيرها تناقش ويجري مناظرات حولها على مستوى العالم. كما تعتبر الانتخابات الرئاسية الأميركية أقرب لما يكون انتخابات رئاسية عالمية، سواء من حيث الاهتمام بها أو تأثيرها. ولا تستطيع أي دولة أخرى أن تقول الشيء نفسه عن نفسها.

وبالنظر إلى الصورة الأكبر أخلاقياً، فإن هذا الأمر كله يمثل نعمة للولايات المتحدة. وبالتدقيق بشكل خاص لإبقاء الدولار كعملة احتياطية رئيسية، فإن هذا يمثل ميزة هائلة للبلاد.

الجدل والانتقادات

مع ذلك، فإن المجموعات المُناقشة للتوجهات الفكرية العالمية تواجه صعوبة بأن تكون مندفعة بالتفاؤل حيال أميركا، وهي ترى بأن الدولار القوي أمر غير منطقي. لكن ربما عندما تكون دولة ما هي في بؤرة الاهتمام العالمي، فإنه من الصعب عليها أن تظهر بطريقة جيدة. وكما يقول زميلي مارتن غوري، فإن أي شيء تتم مناقشته لفترة طويلة بما يكفي على الإنترنت سيصبح أمراً مخيبّاً للآمال. حيث يركز الناس على الهفوات أكثر من الفضائل، ويفقدون الثقة مع الوقت.

ولذلك فإنه بالنسبة لأميركا، سواء داخلها أو في الخارج، من اليساريين أو اليمينين، فإن الإيمان بالحلم الأميركي اليوم هو أقل مقارنة بقبل ثلاثة أو أربعة عقود. حتى أنه ضمن بعض المجموعات ينظر للولايات المتحدة باعتبارها على وشك الانهيار، أو على الأقل بأنها مُدمرة أخلاقياً وفكرياً.

ربما تكون كذلك أو لا. فقد واجهت الولايات المتحدة في العشرين عاماً الماضية بعض الإخفاقات الكبيرة، بما فيها هجوم إرهابي، والكساد الكبير، ووباء كورونا الذي سجلت خلاله معدل وفيات أعلى من بقية العالم، وأحداث اقتحام الكابيتول في 6 يناير.

لكن السبب وراء أن أميركا تبدو بحالة سيئة في بعض الأجزاء يعود لأنها مهمة للغاية. فمن الممكن بسهولة لمعظم الناس في كافة أنحاء العالم سرد عيوب أميركا، لكنهم لن يستطيعوا أن يقولوا الكثير عن دولة أخرى، مثلاً، لنقل باراغواي.

وكما يقال فإن "الأسواق تعرف أكثر". ولا شك بأن العملات متقلبة، وربما لا تستمر قوة الدولار. لكنها بالرغم من ذلك، تعد مؤشراً على أن الولايات المتحدة، من بين كافة دول العالم، لديها أفضل الفرص لتجاوز هذه الأوقات العصيبة بأقل قدر ممكن من الأضرار.