"كوفيد طويل الأمد"..خطر جديد وعواقب مجهولة

الأعراض المزمنة
الأعراض المزمنة تصوير: ماركو دي لاورو / جيتي إيمج
Therese Raphael
Therese Raphael

Therese Raphael is a columnist for Bloomberg Opinion. She was editorial page editor of the Wall Street Journal Europe.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قبل إصابته بـ"كوفيد-19"، كان برندن ديلايني، رئيس المعلوماتية الطبية واتخاذ القرارات في جامعة "إمبريال"، البالغ من العمر 57 عاماً، يجتاز 150 ميلاً (الميل = 1,609 كم) في اليوم على درَّاجته الهوائية، إلا أنَّ "كوفيد" غيَّر هذا الأمر، لكن ليس بسبب إصابته البليغة بالفيروس.

ولم تكُن حالة ديلايني خطيرة بسبب الفيروس، تماماً كأشخاص آخرين يتمتَّعون بصحة جيدة، أعراضه المتمثِّلة في حرارة متوسطة وسعال أعتقد أنَّها ستزول قريباً، ولكن بدلاً من ذلك، اختبر تأثيرات لاحقة منهكة، مثل التعب وضيق في التنفس، الأمر الذي يطلق عليه كثيرون الآن اسم "كوفيد طويل الأمد".

وحتى بعد سبعة أشهُر، لم يعُد إلى طبيعته بعدُ. فلا يمكنه أن يتخيَّل ركوب الدرَّاجة الهوائية مجدداً، وقال إنَّه إذا قام بمجهود كبير ينتهي به الأمر في السرير مع حرارة مرتفعة لبضعة أيام. ويعدُّ ديلايني نفسه محظوظاً، لأنَّه قادر على العمل، الأمر الذي يتعذَّر على مصابين آخرين بـ"كوفيد طويل الأمد".

آثار واضحة على الصحّة العامة والاقتصاد

ومع ظهور موجةٍ ثانية من الإصابات، أصبحت زيادة عدد حالات "كوفيد طويل الأمد"حتمية، فعلى الرغم من أنَّ تلك الإصابة تخلِّف آثاراً واضحة على الصحة العامة والاقتصاد، لكنَّ الأمر لم يَرِد قَط في مناقشة السياسة العامة الأوسع نطاقاً، إذ ركَّزت هذه السياسات بشكل كبير على تقليل الوَفَيَات وزيادة حالات الشفاء، لكنَّ معظم المصابين بـ"كوفيد طويل الأمد" لم يدخلوا إلى المستشفى، إذ لم يكونوا يعانون من حالات مَرَضية سابقة.

يجب أن يثبِّط هذا الأمر فكرة الاستغناء عن القيود والسماح ببناء مناعة اليافعين فيما تتم حماية الضعفاء، وهي مقاربة اكتسبت مزيداً من المؤيدين مع الإقفال التام. إنَّ الذهاب في هذا الاتجاه سيكون مكلفاً أكثر بكثير مما يدركه كثيرون.

وقال ديلايني خلال محادثةٍ عبر "زوم": "نحتاج إلى السيطرة على هذا الفيروس، ليس لأنَّه من المحتمل أن تصاب به جدَّتك وتُتَوَفّى، أو لأنَّ عمَّك قد ينتهي به المطاف في وحدة العناية المركَّزة، بل لأنَّ حياة الأشخاص اليافعين الذين يتمتَّعون بصحة جيدة، ولا يعانون من أيَّة حالات مَرَضية كذلك، يمكن أن تُدَمَّر".

أعراض طويلة الأمد

ونعرف من خلال خبرتنا مع الفيروسات الأخرى، منذ تفشي "سارس" في 2003 إلى "إيبولا"، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية والحمَّى الفطرية (التي يسببها فيروس "إبشتاين بار")، أنَّ الآثار قد تدوم لفترة طويلة.

إنَّ الأمر مماثل لفيروس "كورونا" المتفشي اليوم، إذ أشارت الدراسات، ومن ضمنها تقرير مهمٌّ صادر عن المعهد الوطني للبحوث الصحية، إلى أنَّ عدداً كبيراً من مرضى "كوفيد-19" سيعاني من أعراض طويلة الأمد يمكنها أن تؤثِّر على أعضاء وأنظمة مختلفة في الجسم، حتى قد تظهر في منطقة معيَّنة، ومن ثمَّ في منطقة أخرى، إلا أنَّ الطبَّ التقليدي لا يملك سجلاً جيداً حول الاستجابة للحالات التي لا يمكن فيها عزل السبب بسهولة، الأمر الذي ينطبق على "كوفيد طويل الأمد".

في أغلب الأحيان، كان المصابون بمتلازمة التعب المزمن، وداء "لايم"، والانتباذ البطاني الرحمي، وحالات مَرَضية أخرى، يخوضون لسنواتٍ معارك بمفردهم ليُعترَف بهم، وكي يتلقَّوا الرعاية الطبية. وتبدو أكثر أعراض "كوفيد طويل الأمد" المبلَّغ عنها، وكأنَّها عرض لعددٍ من الأمراض: التعب الشديد، وعدم القدرة على التنفُّس، وخفقان القلب، ومشكلات الجهاز الهضمي، وآلام المفاصل، ومشكلات مع الذاكرة والتركيز.

وحدَّدت مجموعة برلمانية بريطانية متعددة الأحزاب 16 عرضاً شائعاً، إلا أنَّ القائمة الكاملة أطوَل بكثير. وفي عدَّة حالات، لم يقُم المصابون بفحص "كوفيد"، إذ لم تكُن الفحوصات متاحة على نطاقٍ واسع. ولا تُظهِر تحاليل الدم والفحوصات بالأشعة فوق الصوتية أيّ مشكلات كبيرة.

عيادات خاصّة بـ"كوفيد طويل الأمد"

ويتمثَّل الخبر السار في وجود عديد من الحالات التي لا يمكن تجاهلها تماماً كحالة ديلايني، لذلك يُعترف بها، وتتلقى اهتماماً إعلامياً أسرع من الحالات الأخرى.

وتتفوَّق المملكة البريطانية بطريقة أو بأخرى، فوزير الصحة البريطاني، مات هانكوك، وهو رجل نحيل يبلغ من العمر 42 سنة، أُصيب بـ"كوفيد-19" في مارس الماضي وتعافى منه بسرعة، كان قد تحدَّث عن الآثار طويلة الأمد للمرض علناً. وأنشأت خدمة الصحة الوطنية موقعاً إلكترونياً لتقديم الدعم، وخُصِّصَت 10 ملايين جنيه استرليني (13 مليون دولار) لإنشاء شبكة تضمُّ عيادات خاصة بـ"كوفيد طويل الأمد" في إنجلترا. كذلك فإنَّ تقريراً رسمياً، يُتوقَّع صدوره هذا الشهر عن المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية في بريطانيا، سيُعطي مؤشراً أفضل حول مدى جدِّية التعامل مع هذا النوع من الحالات.

تحديد الأرقام بدقة

وتُعَدُّ التدابير القائمة في المملكة المتحدة غير كافية إذا استمرِّ الفيروس في الانتشار، وإذا استمرَّت حالات "كوفيد طويل الأمد" بالارتفاع، خصوصاً أنَّ تحديد الأرقام الدقيقة ليس سهلاً، ولكنَّ مستخدماً واحداً من أصل 10 مستخدمين لتطبيق الهاتف الذكي المخصَّص لدراسة أعراض كوفيد، الذي حمَّله أكثر من 4.3 مليون شخص في المملكة المتحدة، بلَّغ عن أعراض استمرت لأكثر من ثلاثة أسابيع بعد الإصابة، كما بلَّغ ما يقارب من 60 ألف شخص عن أعراض استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر.

ويقول ديلايني، إنَّ تلك الأرقام قد تنمُّ عن سوء تقدير بما يُستخدَم من تطبيقات تعقُّب الأعراض بشكل كبير خلال مرحلة الفيروس الحرجة.

ويثير هذا الأمر مشكلات للإخصائيين في مجال الصحة، لأنَّ نقص معدَّات الحماية الشخصية والتوجيه غير المناسب في بداية الوباء؛ عرَّض -ولا يزال- الفِرَق الطبية لخطر الإصابة بالفيروس بشكلٍ أكبر. وعندما سألت الجمعية الطبية البريطانية 5650 طبيباً عن تجربتهم، عانى 30 % تقريباً ممن أُصيبوا بـ"كوفيد" من التعب الجسدي وضيق في التنفس، وتحدَّث 18 % عن نوع من الضعف الإدراكي، كذلك أخذ ما يقارب خُمس الأطباء إجازة مَرَضية للتعامل مع الأعراض.

تكاليف ومزايا تدابير الإقفال التامّ

ويقول ديلايني، إنَّه يعرف طبيبَين يعانيان من أعراض "كوفيد طويل الأمد" فقدا عملهما لأنَّهما كانا غير قادرَين على العودة إلى الدوام الكامل (في فرنسا، صدر مرسوم حديث يحدُّ من مطالبات العاملين في مجال الرعاية الصحّة ممن يحتاجون إلى الأكسيجين للعلاج من الفيروس).

وفتحت نِسَب الإصابة المتزايدة الباب أمام نقاش محتدم عن التكاليف، والمزايا، والاعتبارات الأخلاقية ذات الصلة بتدابير الإقفال التام المختلفة.

وفي حين قد يعدِّل "كوفيد طويل الأمد" هذه الحسابات، وفقاً لتأثيره على دخل الأسرة وإنتاجيتها، توصَّلت دراسة أُجريت في الولايات المتحدة في 2004، باستخدام تحليل تكلفة المرض لتقدير تأثير متلازمة التعب المزمن (الذي يُظهِر أعراضاً مماثلة لـ"كوفيد")، لكنَّه أدَّى إلى انخفاض بقيمة 37% في إنتاجية الأسرة السنوية، وانخفاض بقيمة 54% في إنتاجية القوى العاملة ضمن المصابين، مع إجماليِّ قيمة خسائر سنوية تبلغ 9.1 مليار في السنة.

كيف ستتراكم تكاليف "كوفيد طويل الأمد"؟ سيعتمد الأمر على أمور مختلفة، من ضمنها انتشار الأعراض، ومدَّتها، ودرجة العجز. وفيما يبدو أنَّ الأعراض تتحسَّن ببطء مع الوقت، يبقى الوقت مبكراً لإحصاء التأثيرات الطويلة الأمد، مثل تليُّف الرئتين، أو ضعف أجهزة المناعة.

وعلى الرغم من الحاجة إلى مزيد من الأبحاث، يتزايد خطر الصورة القائمة من وجهة نظر تقسيم السكان إلى فئتَين واضحتَين، وهما: الفئة المعرَّضة لخطر مرتفع، والفئة المعرَّضة لخطر ضئيل. ويقول ديلايني: " هل كنت تعتقد أنَّك معرَّض لخطر الدخول إلى وحدة العناية المركزة أم لا؟ يمكن للجميع أن يكون معرَّضاً للإصابة بـ(كوفيد طويل الأمد)".

هذه فكرة قد تشجٍّع على مزيد من التضامن، في حين نحاول أن نكتشف كيفية السيطرة بأفضل طريقة ممكنة على موجة ثانية للوباء.