كيف دفعتْ لندن سعراً قياسياً لتفادي انقطاع التيار الكهربائي؟

برج لنقل الكهرباء بالقرب من مصباح مضاء في شارع بأبمينستر، المملكة المتحدة.
برج لنقل الكهرباء بالقرب من مصباح مضاء في شارع بأبمينستر، المملكة المتحدة. المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

دون علم الكثيرين من خارج صناعة الطاقة، اقتربت أجزاء من لندن الأسبوع الماضي بشكل كبير من انقطاع التيار الكهربائي، حتى عندما كانت تتعافى من أكثر الأيام حرّاً في تاريخ بريطانيا. ففي 20 يوليو، تزامن الطلب المتزايد على الكهرباء مع اختناق في الشبكة، مما أدى إلى نقص الطاقة في الجزء الشرقي من العاصمة البريطانية لفترة وجيزة. لكن فقط من خلال دفع مبلغ قياسي مرتفع قدره 9,724.54 جنيهاً إسترلينياً (نحو 11,685 دولاراً أميركياً) لكل ميغاواط/ ساعة -أكثر من 5,000% أعلى من السعر المعتاد- تجنّبت المملكة المتحدة هبوط الظلام على المنازل والشركات. وكان السبب وراء تلك التكلفة الموجعة هو إقناع بلجيكا بتشغيل محطات الكهرباء القديمة بها لإرسال الطاقة عبر القناة الإنجليزية.

اقرأ أيضاً: ثلث الأسر في بريطانيا ستعاني من فقر الطاقة بحلول أكتوبر

وفي الواقع، تُظهر الأزمة، التي حدثت بهدوء داخل غرفة التحكم في نظام الكهرباء البريطاني، الضعف المتزايد لشبكات نقل الطاقة -شبكات الطاقة وأنابيب الغاز والنفط- في جزء كبير من العالم الصناعي بعد سنوات من الاستثمار المنخفض ومعارضة الدول لأية مشاريع على أراضيها.

في معظم الأيام، تعني الاختناقات تكاليف مشوهة. وفي بعض الأحيان، يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار حيث يكون هناك نقص في إمدادات الطاقة عند الحاجة إليها. وفي حالات أخرى، يمكن أن تنخفض الأسعار إلى الصفر، أو تصبح سالبة، عندما لا يستطيع المنتجون بيع طاقتهم في نظام نقل مزدحم. مما يُعرّض النظام بأكمله للخطر بشكل متزايد.

وبالحديث مع معظم المديرين التنفيذيين في الصناعة، فإنك سرعان ما تشعر بأننا نمشي على غير هدى نحو مزيد من حالات انقطاع التيار الكهربائي. ومن خلال مناقشة المشكلات مع المهندسين الذين يديرون النظام يوماً بعد يوم، فإن هذا الخطر يظهر أقرب.

يُشار إلى أن السعر البالغ 9,724.54 جنيهاً إسترلينياً، والذي تمّت تسويته بين الساعة 12:00 و1:00 ظهراً في 20 يوليو عبر ما يسمى بالرابط البيني "نيمو" (NEMO) الذي يربط المملكة المتحدة ببلجيكا، كان أعلى مبلغ دفعته بريطانيا على الإطلاق لاستيراد الكهرباء، وهو ما يقرب من خمسة أضعاف الرقم القياسي السابق. حيث تتجلى عبثية هذا المستوى عند مقارنته بمتوسط ​​العام حتى الآن للسعر الفوري للكهرباء في المملكة المتحدة، والبالغ 178 جنيهاً إسترلينياً لكل ميغاواط/ساعة.

بريطانيا العظمى: تحطيم جميع المستويات القياسية لتداول الربط البيني في بريطانيا العظمى اليوم. بلغ الحد الأقصى للتداولات على "نيمو" للساعة 12:00-13:00 نحو 9,724.54 جنيهاً إسترلينياً. إنابسيس، 20 يوليو 2022.

علاوةً على ذلك، يقول فيل هيويت، الذي كان يراقب أسعار الكهرباء منذ أكثر من عقدين وهو الآن المدير التنفيذي لشركة "إنابسيس" (EnAppSys) للاستشارات: "كانت صدمة مطلقة. كان ذلك ثمن إبقاء الأضواء مضاءة. وكان تأمين التوريد على المحك".

كما كانت الكمية الفعلية من الكهرباء المشتراة بالسعر القياسي ضئيلة: تكفي لتزويد ثمانية منازل فقط لمدة عام. وتم شراء المزيد من الطاقة بأسعار أقل قليلاً. ومع ذلك، فإن المدفوعات تُبرز اليأس: الشراء عبر القناة كان، لمدة 60 دقيقة أو نحو ذلك، الخيار الوحيد لتحقيق التوازن في النظام. وفي حال لم تساعد بلجيكا، لكانت الشبكة مضطرة إلى "تولي السيطرة على الطلب وفصل المنازل عن الكهرباء"، كما يقول متحدث باسم الشبكة.

في الوضع الطبيعي، وبدون الاختناقات على الشبكة، كان يجب أن تكون المملكة المتحدة قادرة على إرسال الطاقة إلى جنوب شرق إنجلترا من أي مكان آخر في البلاد- حتى من كل الطرق في اسكتلندا، حيث تنتج مزارع الرياح البحرية أكثر من أي وقت مضى. لكن المشكلة هي أن المملكة المتحدة، وبقية الدول الصناعية، لا تستثمر ما يكفي في شبكاتها، مما يترك النظام مكشوفاً.

اقرأ أيضاً: ديون شركات الكهرباء الأوروبية ترتفع إلى 1.7 تريليون دولار

يُشار إلى أن العالم يستثمر حوالي 300 مليار دولار سنوياً في شبكات الطاقة، وهو مبلغ لم يتغير كثيراً منذ عام 2015، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. وهذا ليس كافياً لأن الاقتصاد العالمي يزداد قوة ويتعامل مع خريطة توليد متغيرة، حيث تحلّ الطاقة المتجددة المتقطعة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، محلّ المحطات الملوثة العاملة على الفحم والغاز- والتي يمكن الاعتماد عليها.

الآن، تخلق الاختناقات الشبكية مواقف معاكسة. ففي إسبانيا، على سبيل المثال، هناك أوقات يضطر فيها منتجو الكهرباء الشمسية في الجنوب إلى إيقاف تشغيل محطاتهم، بينما تعمل محطات الطاقة التي تعمل بالغاز في الشمال لتلبية الطلب.

في بعض أنحاء الولايات المتحدة، غالباً ما تنخفض أسعار الكهرباء إلى ما دون الصفر، مع إجبار محطات الطاقة على بيع طاقتها بسبب قيود الشبكة. وفي الوقت نفسه، يواجه المستهلكون في مناطق أخرى من الولايات المتحدة دعوات لتقليل الطلب على الطاقة في أيام الذروة ومواجهة أسعار قياسية.

بالتالي، تحتاج البنية التحتية القديمة، التي عمرها غالباً 30 أو 40 عاماً، إلى الاستبدال. إلا أن التجديد والتوسيع يواجهان معارضة محلية لمزيد من الأبراج والكابلات العلوية. وفي المملكة المتحدة، تتخطّى السلطات المقاومة الشعبية عن طريق نقل بعض أجزاء الشبكة بحراً باستخدام الكابلات البحرية. حيث تقول نكتة الصناعة: "السمك لا يُصوّت". ومع ذلك، فهي مهمة مكلفة.

اقرأ أيضاً: مصير مجهول يهدد ضريبة الأرباح الاستثنائية لشركات توليد الطاقة البريطانية بعد استقالة سوناك

كما أن ارتفاع أسعار المعادن يجعل بناء شبكات جديدة أكثر تكلفة. حيث تُصنع الكابلات من النحاس أو الألمنيوم، والتي تُمثّل، بأسعار اليوم، ما يقرب من ثلث ما سيتم إنفاقه على شبكة جديدة، بزيادة 10 نقاط مئوية عن الاستثمارات التي تمّت بين عامي 2010 و2020.

وفي جميع أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، يحتاج مديرو المرافق والشبكات إلى استثمار مليارات الدولارات في رقمنة الشبكة للسماح بإدارة الأحمال على جانب الطلب التي من شأنها تقليل الاستهلاك في أوقات الذروة، وذلك غالباً عن طريق أسعار الساعة. كما ستكون إدارة ذروة الطلب أكثر أهمية عندما تتحول ملايين الأسر إلى السيارات الكهربائية، مما يخلق مصدراً جديداً لاستهلاك الكهرباء.

فضلاً عن ذلك، دفعت المملكة المتحدة في العام الماضي ما يقل قليلاً عن 1,600 جنيه إسترليني لكل ميغاواط/ ساعة في يوم واحد لاستيراد الكهرباء وتجنب الضغوط القصيرة. وفي 18 يوليو، دفعت ما يزيد قليلاً عن 2,000 جنيه إسترليني، والذي أصبح الرقم القياسي. بعد يومين، وصل السعر إلى ما يقرب من 10,000 جنيه إسترليني. وبالتالي فإن النمط واضح، وفي مرحلة ما، حتى الأسعار المرتفعة جداً لن تكون كافية. بعد ذلك، سيكشف انقطاع التيار الكهربائي بعد فوات الأوان عن عواقب قلة الاستثمار لدينا.