الشرق الأوسط بمنأى عن إرهاصات الأزمات الاقتصادية في العالم

المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كانت منطقة الشرق الأوسط، إلى حد كبير، بمنأى عن إرهاصات الأزمات الاقتصادية التي يشهدها العالم، وفي مقدمتها الأزمة الروسية الأوكرانية، وعودة إغلاقات كورونا في الصين، وفقاً لتقرير مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي اليوم الثلاثاء.

الصندوق خفض توقعاته لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العامين الحالي والمقبل، بمستوى أقل من النسبة التي خفض فيها توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي. فبينما قلّص الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بنحو 0.4% العام الجاري لتصل إلى 3.2%، خفض توقعاته لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنحو 0.1% لتصل إلى 4.9%.

اتجاهان مختلفان

جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، اعتبر في مقابلة مع "الشرق" أن أبرز ما يسترعي الانتباه في المراجعة الأخيرة لآفاق الاقتصاد العالمي، أن هناك اتجاهين مختلفين بشكلٍ أوسع بين الدول العربية المصدّرة للنفط، لاسيما الخليجية منها، والدول المستوردة للنفط.

الأمر الآخر، أن النمو لم يعد محور التركيز فقط، بل هناك مؤشرات اقتصادية أخرى تنال الاهتمام مثل التضخم، وأسعار الفائدة، ومدى التأثر بجائحة كورونا وبالأزمة الجيوسياسية في أوكرانيا، لافتاً إلى أن مصر وتونس من أكثر الدول العربية تأثراً كونهما تحصلان على جزء كبير من تمويلاتهما من الأسواق، بحسب أزعور.

لم يطرأ أي تغيير يذكر على توقعات النمو بشأن الاقتصاد السعودي، التي ظلت عند 7.6% خلال العام الجاري، لكن صندوق النقد رفع معدل النمو المستهدف بـ0.1% إلى 3.7% للعام المقبل.

بالنسبة للعام المقبل، يتوقع الصندوق نمو اقتصاد المنطقة بنسبة 3.4%، وهو أقل بـ0.2% عن توقعاته السابقة.

أكبر الاقتصادات

الصندوق خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي أيضاً بنحو 0.7% لعام 2023 إلى 2.9%.

الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، كانتا من أكثر الدول تأثراً بمراجعة صندوق النقد الدولي لآفاق الاقتصاد، إذ خفض الصندوق توقعاته للنمو بأكثر من 1% هذا العام للبلدين.

وتوقع أن يصل معدل نمو الاقتصاد الأميركي إلى 2.3%، والاقتصاد الصيني 3.3% خلال العام الجاري.

سادس أكبر اقتصاد في العالم، الهند، كانت من أكبر الدول أيضاً التي شهدت تخفيضاً في التوقعات بشأن اقتصادها، إذ جرى تقليص معدل نموها بـ0.8%، ليصل إلى 7.4% و6.1% خلال العامين الجاري والمقبل.

التقرير أشار إلى أن تخفيض النمو لكل من الصين والولايات المتحدة والهند كان السبب الرئيسي لتخفيض نمو الاقتصاد العالمي.

"المخاطر الاقتصادية تتمثل في التباطؤ الحاد لاقتصاد الصين نتيجة لتمديد الإغلاقات، وتشديد الأوضاع النقدية المتزامنة مع التوقعات بزيادة متواصلة في أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الرئيسية في العالم لتهدئة ضغوط التضخم والتداعيات من الحرب في أوكرانيا"، وفقاً للتقرير.

وفي حين أن المراجعات سلبية في الغالب بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، يشير التقرير إلى أنها أكثر تبايناً بالأسواق الناشئة والنامية.

أزعور قال: "نحن نعيش مرحلة اقتصادية متقلبة، ذات مخاطر مرتفعة، والـتأثير الأكبر هو على الأسواق الناشئة مما هو عليه بالنسبة للاقتصادات الكبرى"، موضحاً أن الصندوق قدّم لدول المنطقة العام الماضي أكثر من 50 مليار دولار.

الآفاق لا تزال لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأفريقيا جنوب الصحراء في المتوسط ثابته أو إيجابية، مما يعكس الآثار الإيجابية لارتفاع أسعار الوقود الأحفوري والمعادن بالنسبة لبعض البلدان المُصدّرة للسلع الأساسية.

روسيا عكس الاتجاه

منطقة الأسواق الناشئة والنامية الأوروبية من المتوقع أن تشهد ركوداً بسبب تآكل الاقتصاد الروسي.

رغم أن روسيا كانت من العناصر الرئيسية للاضطرابات الاقتصادية في العالم، لكن نظرة صندوق النقد الدولي كانت لها أفضل، إذ قلّص توقعاته للركود الاقتصادي الذي سيصيب الدولة بـ2.5%، ليصل معدل الخفض المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي للدولة إلى 6% خلال العام الجاري. كما يتوقع الصندوق تحقيق الاقتصاد ركوداً بـ3.5% العام المقبل.

مصر ولبنان وتونس

بما يتعلّق باقتصاد مصر تحديداً، نوّه أزعور بأن السياسية المالية المتبعة من قِبل الحكومة جيدة، إذ حققت البلاد فائضاً أولياً في الموازنة. لكن في الوقت عينه، فإن مصر كانت من أكثر دول المنطقة تأثراً بالصدمات الخارجية، لاسيما الأزمة الروسية-الأوكرانية، نتيجة علاقتها السياحية والتجارية بالبلدين، فضلاً عن تأثرها كسوق ناشئة بتراجع تدفقات رؤوس الأموال.

وأكّد بأنه "من الضروري استكمال الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت منذ نحو 4 سنوات، والعمل على تخفيف مستوى التضخم الذي فاق 12%، وهنا تلعب السياسة المالية دوراً عبر تحريك أسعار الفائدة لدرء مخاطر التضخم على الاقتصاد، بموازاة إعطاء دور أكبر للقطاع الخاص".

مشكلة لبنان مختلفة وعميقة نظراً للأزمة المترابطة، فجزء منها مالي، والآخر له علاقة بالركود اقتصادي الكبير، وهناك جزء اجتماعي بسبب ارتفاع الأسعار، وفقاً لأزعور.

وشدّد على أنه "هناك منظومة إصلاحية مطلوبة بالنسبة للبنان، لإعادة الثقة للمواطنين والمستثمرين على حد سواء، وفي مقدّمتها معاجلة الاختلالات المالية التي تسبّبت بالوضع الحالي، وتنشيط الدورة الاقتصادية لخلق فرص عمل، وإصلاح قطاعات الكهرباء، وتحسين قدرة مؤسسات الدولة لمواجهة الفساد القائم".

كما أفصح أن المشاورات مع تونس تقدّمت بنسبة كبيرة، لتقديم قرض للبلاد بقيمة 4 مليارات دولار، "وهي مبنية على البرنامج الإصلاحي الذي وضعته الحكومة، بالتنسيق مع القطاع الخاص، وتمّت بلورة الخطوات الأساسية المطلوبة لدعم عملية التحول الاقتصادي في تونس، ولمواجهة التحدّيات الأخيرة الناجمة عن ارتفاع الأسعار وصدمات حرب أوكرانيا".