التمويل اللامركزي أم كبح النمو؟.. أيهما يُصلِح الرأسمالية؟

الأول يرفض سلطة الأنظمة المصرفية والحكومات.. والثاني يهاجم العادات الاستهلاكية غير المستدامة وانبعاثات الغاز

مستثمر يستعرض مؤشر الأسهم في شركة أوراق مالية في نانجينغ، الصين
مستثمر يستعرض مؤشر الأسهم في شركة أوراق مالية في نانجينغ، الصين المصدر: غيتي إيمجز
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"الرأسمالية معطوبة ويجب الاستبدال بها".. هذه هي وجهة النظر السائدة بشكل متزايد بين الأجيال الشابة الذين طغت على آفاقهم المستقبلية الأزمات المالية والوباء والحرب، لكن بعض السيناريوهات المثالية البديلة التي اكتسبت زخماً في أعقاب "كوفيد-19" تهدد بنسيان بعض دروسها الأساسية، بما لذلك من نتائج كابوسية محتملة.

عند أحد طرفي النقيض تقع فلسفة كبح النمو، فالمخاوف من وقوع كارثة مناخية، وكذلك الدلائل على الارتباط الوثيق بين البنية التحتية الحيوية ودرجات الحرارة القياسية، عززت الدعوات إلى الحد من النمو الاقتصادي والعادات الاستهلاكية بهدف تخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بوتيرة أسرع.

تأثير عمليات الإغلاق على الانبعاثات الكربونية في عام 2020 جدد أهمية الحركة التي تعود جذورها إلى حقبة السبعينيات، وفي إسبانيا، حيث كشف استطلاع للرأي عام 2016 أن 37% من الناس يفضلون تجاهل النمو أو وقفه لحماية البيئة، أيَّد عضو في الائتلاف الحاكم مؤخراً اعتماد كبح النمو بوصفه سياسة. وفي فرنسا وصفه وزير البيئة السابق العام الماضي بأنه "البديل الحقيقي الوحيد".

في الطرف المقابل توجد الأيديولوجيا التحررية وراء العملات المشفرة والتمويل اللامركزي (DeFi)، واستلهاماً للأزمة المالية قبل 15 عاماً ترفض هذه الأيديولوجيا السلطات المركزية مثل الأنظمة المصرفية والحكومات باعتبارها عوائق للثروة والازدهار، وبدلاً من ذلك تروِّج لعالَم مثاليّ من الشبكات شبه المجهولة التي لن تحتاج إلى أطراف ثالثة موثوق بها.

"بتكوين" تتراجع إلى أدنى مستوى في أسبوع وسط نوبة ارتباك تنتاب الأسواق

سيناريو الهلاك

غذى "كوفيد" سيناريو الهلاك الذي يروّج له الأشخاص الذين يدعون إلى الاستخدام الواسع النطاق للتشفير، الذين يطلق عليهم "سايفربانك" (cypherpunk)، والذين حذروا المتعاملين المحبطين المحبوسين في المنازل من فوات الأوان قبل الفرار من التضخم المنفلت وسوء الإدارة الاقتصادية من قِبل النخب، لكن النتائج جاءت مؤذية بوضوح صارخ، بدءاً من الاختراق والاحتيال إلى إهدار الطاقة والتكهنات المضللة، ومع ذلك يواصل المبشرون الوعد بمكافآت مستقبلية لأولئك الذين يحافظون على الإيمان.

كبح النمو والتمويل اللامركزي حركتان مختلفتان بتاريخ مختلف، لكنهما أصبحتا معروفتين بشكل متزايد على أنهما ضمن حركات تمرد اقتصادية جديدة في عصرنا، على حد تعبير الاقتصادية الفنزويلية-البريطانية كارلوتا بيريز، وقالت لمجلة "ليكسبريس" الفرنسية في يونيو: "يريد دعاة كبح النمو التخلص من الرأسماليين، ويريد أنصار العملات المشفرة التخلص من الدولة"، ودعت بدلاً من ذلك إلى إعادة توزيع المكاسب الاقتصادية والتكنولوجية للحد من عدم المساواة.

لدى بيريز وجهة نظر، فمؤيدو كبح النمو محقون في مهاجمة عادات الاستهلاك غير المستدامة والبطء في خفض الانبعاثات، لكنهم يقللون من قدرة الاستثمار والابتكار على إنتاج المزيد بموارد أقل، مثل زيادة عمر السلع مع تقليل بصمتها الكربونية.

تُعتبر السياسة الحكومية والإعانات المالية أمراً بالغ الأهمية لخفض انبعاثات الكربون، لكن نظام السيطرة الشاملة ليس حلاً سحرياً. لم يكن الجانب المشرق للوباء محط تركيز المجتمعات التي توقفت عن العمل، وإنما كان تطوير لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال بالشراكة بين القطاعين العام والخاص.

القضية الأخرى سياسية. إذا كانت غالبية الحكومات لا تتعجل تقديم فكرة كبح النمو بوصفها سياسة للناخبين، فذلك يعود جزئياً إلى أنه من الصعب رؤية كيف يمكن لدولة محرومة من النمو والموارد أن تضمن توزيعهما، وانظر على سبيل المثال إلى رد الفعل الغاضب من قِبل عديد من البلدان، بما في ذلك إسبانيا، على طلب المفوضية الأوروبية لخفض استهلاك الغاز على مستوى الاتحاد الأوروبي بنسبة 15%، الذي يُنظر إليه على أنه طلب غير عادل بأن تكبح مجتمعات جنوب أوروبا النمو قليلاً لمساعدة ألمانيا على تجنب كبح النمو كثيراً، وهنا يُعَدّ التماسك الاجتماعي مهماً.

اقرأ المزيد: دول الاتحاد الأوروبي تتفق على خفض استهلاك الغاز 15% الشتاء القادم

وصفة لعدم المساواة

وبالنسبة إلى التشفير والتمويل اللامركزي، فحتى لو كانت هناك حقيقة في التصور بأن النظام المالي مليء بخدمة المصالح الذاتية وعدم الكفاءة، فإن القضاء على الضوابط والسلطة المركزية هو بالتأكيد وصفة لمزيد من عدم المساواة المدمرة. إنّ التقلبات الحادة في العملات المشفرة تسببت في تفاقم -وليس الحد من- تأثيرات التضخم، كما أن اعتماد السلفادور لعملة "بتكوين" عملة رسمية جعل الدولة أقل سيطرة على مستقبلها المالي حتى الآن، ومن دون دولة رفاهية تحمي العمال خلال "كوفيد" كان المجتمع سينحدر إلى همجية تؤثر في الجميع.

ترويض التضخم دون التسبب في ركود.. مهمة صعبة لكن ممكنة

مثلما يتجاهل مؤيدو كبح النمو الدافع الطبيعي للمكانة وإحراز التقدم، يتجاهل مؤيدو التمويل اللامركزي الدافع الطبيعي للأطراف السيئة لاستغلال الأنظمة التي لا تخضع لضوابط.

إنّ مزاعم الاتجار بالمعلومات الداخلية التي أثيرت ضد موظفين سابقين في سوق "أوبن سي" (OpenSea) للرموز غير القابلة للاستبدال، وفي بورصة العملات المشفرة "كوين بيس"، بالإضافة إلى القصص المروعة عن أولئك الذين خسروا أموالاً بسبب إيداع عملات في منصة "سلزيوس"، تُظهِر إلى أي مدى يغيب التكافؤ والمساواة عن مكاسب العملات المشفرة.

اليوتوبيا المعيبة ليست شيئاً ابتدعه جيل الألفية أو جيل زد، فقد اتسمت نهاية الحرب الباردة بالإيمان بنظرية "نهاية التاريخ" الداعمة للسوق الحرة، فيما تعرض ارتباط مجموعة دافوس بـ"رأسمالية أصحاب المصلحة" للإذلال بسبب الغسل الأخضر من خلال استغلال المعايير البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات.

كاثي وود تتخلص من أسهم "كوين بيس" لأول مرة العام الجاري

انتقال الطاقة

يمكن العثور على حجج مضادة أفضل في كتاب الاقتصادي أليسيو تيرزي "النمو للأبد" (Growth For Good)، الذي يدعو إلى الانتقال في الطاقة المستخدمة، لا يرفض النمو ولكنه ينطوي على مزيد من الدعم الحكومي والتنسيق الدولي والتماسك الاجتماعي لضمان عدم تخلف أحد عن الركب، ويقول: "الطريقة الوحيدة لجعل هذا التحول المناخي ممكناً هو أن ينخرط فيه المجتمع بأكمله".

داخل الـ"الميتافيرس".. حيث تتصادم الألعاب والعملات المشفرة والرأسمالية

أو كما قال مطور ألعاب الفيديو البرازيلي مارك فينتوريلي، مؤخراً، لا ينبغي أن يكون حل عدم المساواة المالية هو إهدار كميات هائلة من الطاقة في محاولة لتجاوز الوسطاء الموثوق بهم، وإنما ينبغي ابتكار مزيد من الوسطاء الموثوق بهم الذين يركزون على البشر. قد تقدم العملات الرقمية الصادرة عن البنوك المركزية مثل هذه المزايا، كما أشار الخبير الاقتصادي إسوار براساد.

قد لا يرتقي ذلك إلى مستوى إلقاء حجر واف من النافذة كما تقول الأمثال، ولكنه يذكرنا بأحد الأوصاف التي تناولت رؤية بيريز للعالم على أنها "علم اقتصاد الأمل"، وإذا كان هناك شيء واحد يمتلك منه الصغار أكثر من كبار السن فهو التفاؤل.