3 دروس مستفادة لحرب بوتين في أوكرانيا على الإمدادات الغذائية العالمية

رسم خريطة لأمن غذائي أكثر في المستقبل
رسم خريطة لأمن غذائي أكثر في المستقبل المصدر: غيتي إيمجز
Amanda Little
Amanda Little

Amanda Little is a professor of journalism and science writing at Vanderbilt University. She is the author of a Bloomberg Opinion series on the fate of food after Covid-19 as well as the book "The Fate of Food: What We'll Eat in a Bigger, Hotter, Smarter World."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما أبحر 26500 طن من الذرة من ميناء أوديسا الأسبوع الجاري، في أول عملية تصدير زراعي من أوكرانيا منذ الغزو الروسي، تنفّس العديد من الخبراء في مجال الأمن الغذائي الصعداء. فقد جعلت الأخبار، وتراجع تكلفة القمح بعد تضاعف الأسعار العالمية تقريباً، المستثمرين وصانعي السياسات إلى التساؤل عما إذا كان خطر نقص الغذاء العالمي بدأ في الانحسار.

من السابق لأوانه الشعور بالتفاؤل دون تحفظ لأن مشكلات عديدة فاقمت تضخّم أسعار المواد الغذائية حتى قبل غزو أوكرانيا ما زالت موجودة، فقد بقيت أسعار الطاقة والكيماويات الزراعية عالية، ما جعل تشغيل المزارع المميكنة ونقل الغذاء عبر سلاسل التوريد مسألة مكلفة.

طالع أيضاً: الغذاء والطاقة أبرز أسلحة بوتين لتعويض خسائر الحرب

يدمر الطقس الحار والجفاف المحاصيل الزراعية بداية من مدينة واترلو بكندا وصولاً إلى بنغالور وبوردو، ومن المنتظر أن يتصاعد تنوع وتطرف اضطرابات المناخ.

رغم ذلك، لا يُعدّ من السابق لأوانه إدراك ما تعلّمناه في الشهور الـ5 الماضية من أحد أهم اضطرابات الإمدادات الغذائية التي يعيشها العالم منذ عقود. اضطر الغزو الروسي لأوكرانيا منتجي الأغذية والموزعين وبرامج الإغاثة العالمية للتكيف سريعاً لتجاوز العجز، وقاموا بذلك، بصفة عامة، بسرعة هائلة.

وفّرت هذه الاستجابة استيعاباً أعمق لسبل التصدي للمشكلات في المستقبل من قبل مزارعي الأغذية والمستثمرين وواضعي السياسات.

نستعرض فيما يلي 3 دروس أساسية من الحرب الروسية الأوكرانية حول طريقة تأمين مستقبل الأنشطة التجارية الغذائية حول العالم:

المزارعون صامدون

عندما انخفضت إمدادات الحبوب من روسيا وأوكرانيا، اللتين تنتجان معاً ربع إنتاج القمح في العالم، على نحو مفاجئ، انطلق المزارعون في البلدان المنتجة الكبرى للعمل. شجع نقص المعروض وصعود أسعار القمح مزارعي المحاصيل السنوية الأخرى على غرار فول الصويا والذرة على التركيز على القمح – وزرعوه فعلاً، بداية من الغرب الأوسط الأميركي والبرازيل وصولاً إلى أستراليا واليابان، ما أسفر عنه استعادة الاحتياطيات المنقوصة جراء الحرب.

اقرأ المزيد: إنفوغراف.. ارتفاعات كبيرة في أسعار سلة الغذاء منذ بداية 2022

تعلّمنا أيضاً قيمة الإبقاء على مخزونات هائلة من الحبوب من المحاصيل الماضية، والتي استُغلّت في كل دولة منتجة كبرى تقريباً لسد الفراغ الفوري الذي خلفته الأزمة الروسية الأوكرانية.

يتعيّن حالياً تعويض هذه الاحتياطيات بالكامل، وفي هذه الأثناء، نستطيع أن نقر وندرك فعالية استراتيجية الضربة المزدوجة التي تتمثّل في إبقاء احتياطيات قوية لدى زراعة مساحات صالحة للزراعة جديدة.

  • إمدادات الفواكه والخضروات القابلة للتلف أقل قدرة كثيراً على الصمود

أكدت الشهور الـ6 الماضية الفوراق بين سوق السلع الأساسية، التي يمكن أن تعتمد على المنتجات المختزنة، وأسواق الأغذية الطازجة.

تُعتبر المحاصيل مرتفعة المغذيات والقابلة للتلف بما فيها الفواكه والخضروات واللحوم ومنتجات الألبان أكثر عرضة لضغوطات المناخ، وتحتاج لظروف نوعية أكثر للنمو والإنتاج، ومن الصعب إنتاجها وتوزيعها تلقائياً لدى حدوث اختلالات في الإمدادات.

تعد مرافق التخزين طويلة الأمد للأطعمة الطازجة كثيفة استهلاك للطاقة والموارد.

طالع المزيد: خريطة تحركات السلع بالنصف الثاني من 2022.. هل تستمر الأزمة؟

تذكّرنا اضطرابات أوكرانيا بمدى أهمية زيادة كل دولة غنية للإمدادات المحلية والإقليمية من الفواكه والخضراوات الطازجة. في بعض المناطق، ربما يتوجب أن يتضمن ذلك شبكات من الصوبات الزراعية مرتفعة الكفاءة والمزارع الرأسية التي يمكنها زراعة هذه الأطعمة المغذية على مدى السنة في منشآت محمية من المخاطر البيئية. من المفترض أن يكون تشجيع الجهود الحديثة لانتاج لحوم مصنعة من الخلايا –مصنّعة مخبرياً- جزءاً أساسياً من تلك الخطة. ستكون هذه الاستثمارات عالية التكلفة في الأمد القريب ولكنها أكثر حصافة بطريقة متزايدة حيث يتكيف القطاع الزراعي مع حقائق التغير المناخي.

  • أولئك الذين يمتلكون قدراً أقل سيعانون أكثر من غيرهم، ونحن ندين لهم بالدعم

تُعدّ المجاعة في زيادة عالمياً، علاوة على الضغوطات الجيوسياسية والبيئية، وتؤثر الاختلالات في إنتاج الغذاء في أي مكان على البلدان التي تعاني من غياب الأمن الغذائي. يفتقر 300 مليون شخص إلى الإمدادات الغذائية التي يُعوّل عليها و45 مليون نسمة على شفا المجاعة.

عانت الدول التي تشهد مجاعة على غرار اليمن أكثر جراء تعطل الصادرات الغذائية الأوكرانية، علاوة على افتقار مصر وتركيا وبنغلاديش للأمن الغذائي، والتي عادة ما تستورد القمح الأوكراني سنوياً بمليارات الدولارات.

طالع أيضاً: وزير خارجية مصر: الطاقة والغذاء يتحديان أولوية تغير المناخ بمؤتمر "كوب27"

يتعيّن على الدول الغنية أن تحزم أمرها لتوفير قدر أكبر من مخزوناتها من الحبوب للفئات السكانية الأكثر عرضة للخطر، مع توزيع أموال أكثر للمساعدات الغذائية الدولية.

في غضون الشهور الأخيرة، كانت هذه الأموال في ظل مثل هذا النقص من المعروض حتى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن قررت إنفاق كافة تمويل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على المناطق التي ضربتها المجاعة.

خصصت سامانثا باور، مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، 1.2 مليار دولار أخرى لمكافحة المجاعة، لكن هذه الأموال ستنضب سريعاً.

بصرف النظر عن مدى فطنة المزارعين في البلدان الغنية، ستواصل المجاعة الحادة الانتشار وتتفاقم في الأعوام المقبلة جراء الصراع البشري وتغير المناخ. لابد أن يصبح الأمن الغذائي جزءاً من كافة الاتفاقيات التجارية والاقتصادية الدولية الكبرى بين مجموعة الدول الصناعية العشر. من المفترض أن يتخطّى تركيز هذا المجهود التعاوني المساعدات الطارئة ليتضمّن استثمارات هائلة في نقلة نوعية تجاه الزراعة المستدامة.

تولّد من الضرر والدمار المترتب على الغزو الروسي لأوكرانيا أفكار مهمة حول مستقبل الزراعة في عالم يتفاقم فيه عدم الاستقرار البيئي والجيوسياسي. سيعطينا استيعاب هذه الدروس والعمل عليها فرصة للتأهل بطريقة أفضل للاضطرابات الحتمية في المستقبل.