وريثة إمبراطورية لصناعة الأزياء الحديثة تتجه نحو الملابس المستدامة

"فيرونيكا شو"
"فيرونيكا شو" المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حتى 2012، كانت صورة "فيرونيكا شو" ضمن عالم الموضة، كوريثة شركة أزياء تبيع علامات الملابس الأميركية في الصين، ومديرة تنفيذية تجوب العالم، وتتصدَّر عناوين المجلات التي تغطي جوانب من أسلوب حياتها الاجتماعي، وعرسها الباذخ في هونغ كونغ. أمَّا الآن، فهي تسعى لـ"تنظيف" مجال صناعة الملابس.

"فيرونيكا" البالغة من العمر 36 عاماً، وهي أحد أفراد الإمبراطورية العائلية التي تبلغ ثروتها 2.7 مليار دولار، التي أسسها والدها "سيلاس شو" تُكرِّس وقتها ومالها في الوقت الحالي للشركات الناشئة، إذ تسعى لتحويل أكثر الصناعات إسرافاً في العالم إلى صناعةٍ مستدامة.

فبعد بيع حصة العائلة في مشروعٍ سابق مع مجموعة "إيكونيكس" (Iconix)، التي سُجِّلت عام 2015 في نيويورك. وذلك بمقابل بلغ 56 مليون دولار، أطلقت علامتها التجارية الخاصة الصديقة للبيئة، لتدعم المزوِّدين الذين يستخدمون التقنيات المبتكرة لصناعة المواد والملابس.

مسار جرئ

"شو"، التي هي أمٌ لتوءمٍ يبلغ من العمر خمس سنوات، تقول: "لقد غيَّرتُ أسلوب حياتي وسلوكياتي بشكل كبير. علينا أن نفكِّر في كيفية تقنين الاستهلاك، وعدم إلحاق الأذى بالكوكب. ولكن، في المقابل لا يمكننا إلا أن نستهلك، ففي نهاية الأمر نحن بحاجة لارتداء الملابس لتغطية أنفسنا".

المسار الذي اختارته "فيرونيكا" جريء بالفعل. إذ تشكِّل الموضة المستدامة جزءاً بسيطاً من صناعة الملابس العالمية التي تبلغ قيمتها 1.8 تريليون دولار، التي تضخَّمت خلال العقد الفائت وسط طفرةٍ في الملابس متدنية التكلفة، و سريعة التسويق، التي تدعمها شركات مثل "زارا"، وشركة والدها. إلا أنَّ "شو" تنضمُّ إلى القائمة المتزايدة للشركات الناشئة الساعية لاستقطاب المتسوِّقين المهتمين بالتأثير على البيئة، وهو سوقٌ يَتوقَّعُ ResearchAndMarkets.com أن يصل إلى 8.25 مليار دولار بحلول 2023.

إلى أي مدى تؤذي صناعة الملابس التقليدية البيئة؟

يولِّدُ مجال صناعة الملابس 20 %، من مياه الصرف الصحي في العالم، و10 %من انبعاثات الكربون. وهي نسبة من الانبعاثات تفوق ما تسببه الرحلات الدولية والشحن البحري مجتمعة، وفقاً لتقريرٍ صادرٍ عن الأمم المتحدة. ويتطلَّبُ تصميم بنطلون الجينز الواحد حوالي 2,000 غالون من المياه، في حين أنَّه يتم إرسال ما يعادل شاحنة نفايات واحدة من النسيج إلى مقالب القمامة، أو حرقها في كل ثانية.

ويقول "كارل هندريك ماغنوس"، أقدم شريك في ماكينزي : "تفتقد صناعة الأزياء إلى أهداف الاستدامة الخاصة بها، إلا إذا غيَّرت مسارها. يعطي ذلك أفضلية كبيرة للماركات، والأطراف الفاعلة الصغيرة التي تركِّز على الاستدامة".

وقال ما يقرب من 66% من المستهلكين الذين شملهم استطلاع "ماكينزي"، إنَّهم يأخذون بالاعتبار عامل الاستدامة عند شراء أمورٍ فاخرة. ومع ذلك، ووفقاً للشركة الاستشارية، فإنَّ 31% فقط من الجيل "Z" -وهم الذين ولدوا في عام 1997 وما بعد ذلك- و12 % من "جيل الطفرة السكانية" -وهو الجيل المولود بين الحرب العالمية الثانية حتى الستينيات- مستعدون لدفع المزيد مقابل الحصول على المنتجات المستدامة.

من جهتها، بدأت الماركات الكبيرة بالاستجابة، إذ تعهَّدت "زارا" التابعة لشركة الملابس "إنديتكس" باستخدام أقمشة مستدامة بنسبة 100 % بحلول 2025. أما شركة "إتش أند أم" (Hennes & Mauritz AB) فقد التزمت بالقيام بذلك بحلول 2030.

الاستثمار بالاستدامة

هذه الشركات تواجه صعوبة في إيجاد التقنيات، والمواد الملائمة لخدمة أهداف الاستدامة. يقول "ماكينزي ماغنوس": "لا يزال من غير الواضح أي من هذه الابتكارات الرائعة المتعددة الموجودة في السوق ستنجح وتصبح المسيطرة".

كما أنَّ شركة "فيرونيكا شو" التي تحمل اسم "Everybody & Everyone" تقدِّم الملابس مثل السترات المصنوعة من الزوائد الزراعية المخمَّرة المعاد تدويرها، أو السراويل الطويلة المنسوجة من ألياف لب الخشب، التي تتطلَّبُ كمِّية مياه أقل بنسبة 50 %، وتولِّد نصف كمية الانبعاثات الناتجة عن السراويل العادية الصناعية. وتسعى "فيرونيكا" كذلك لتشجيع عائلتها على الاستثمار في الشركات الناشئة التي تقدِّم حلولاً للمشاكل المناخية كذلك.

"نيال ديون"، الرئيس التنفيذي لمصنع البلاستيك القابل للتحلل "Polymateria Ltd." والواقع مقرُّها في المملكة المتحدة، التي استثمرت فيها عائلة "شو"، يقول: "هناك القليل من الناس الذين يستثمرون مالهم بشكلٍ شرعي في مشاريع الاستدامة، فيرونيكا هي واحدة منهم. إنَّها تملك امتيازات، وهي تعرف ماذا تفعل".

"تومي هيلفيغر"

أسَّسَ جدُّ "شو" واحدة من أكبر شركات حياكة الملابس في هونغ كونغ باسم "South Ocean Knitters". وأحدث والدها بعد ذلك نقلة نوعية في مشروع العائلة مع استثمارات ضخَّها في "تومي هيلفيغر"، و"مايكل كورس". وأما "شو" فبعد حصولها على شهاداتٍ جامعية في مجال الاتصالات، وإدارة الأعمال من جامعة جنوب كاليفورنيا، استخدمت شركة "Iconix" لإحضار العلامات الأميركية إلى الصين، ومن ضمنها "Badgley Mischka"، وعلامة النجمة مادونا "Material Girl".

وأصبحت بعد ذلك، وجهاً دائماً في وسائل الإعلام التي تتناول أخبار المشاهير، فقد ظهرت في صورٍ مع الأميرة "بياتريس"، وعارضة الأزياء الشهيرة "ناعومي كامبل". وتابعت المجلات الاهتمام بأخبارها حول إقامة حفل زفافها من رجل أعمالٍ في هونغ كونغ في نسخة مطابقة لقصرٍ روسي يُشرف على ميناء المدينة الشهير، الذي صُمم خصيصاً لها.

تقضي "شو" المولودة في هاواي، والمقيمة معظم الوقت في لندن فترة الجائحة في هونغ كونغ، وتصرُّ على أنَّها لا تُمثِّلُ صورة "فتاة الأزياء" التي تحاول وسائل الإعلام إظهارها بها. وتقول إنَّها تعوِّض كافة انبعاثات الكربون الناتجة عن رحلاتها، وتشتري الملابس القديمة لدعم إعادة الاستخدام.

استثمارات العائلة

كذلك تُشجِّع "فيرونيكا" عائلتها على ضخِّ المزيد من الاستثمارات في المشاريع المستدامة، التي تتضمَّن شركات ناشئة مبكرة، وفي المرحلة الأولية يُهتمُ بعضها بالاتصالات السلكية واللاسلكية، ووسائل الإعلام والتكنولوجيا، وكلها تعمل من خلال الشركة الاستثمارية "Novel TMT Ventures"، التي يديرها أخوا "شو" غير الشقيقين "يرونو" و"لويس". وتملك "شو" أكثر من 70 مليون دولار تحت إدارتها، وفقاً لـ"Crunch Base". وتقول "شو" إنَّ المبلغ صار أكثر بكثير الآن، ولكنَّها رفضت الإفصاح عنه.

تنظِّم العائلة اتصالاتٍ جماعية عبر الفيديو لمناقشة "تدفق الصفقات كلّها". التي تبلغ خلال أسبوعٍ واحد 30 شركة، مع احتمال في زيادةٍ هذا العدد منذ الجائحة. وتضيف "شو": " أنا سأكون الشخص الذي يسأل عن هذه الاستثمارات المستقبلية، وعن الذي تضيفه فيما يخص التغليف، والطاقة المتجددة."

إنَّ تركيزها على الاستدامة ساعد في توجيه الاستثمارات العائلية نحو الشركات الناشئة مثل "Rent the Runway"، التي تؤجر ملابس المصممين، وتُقدَّرُ قيمتها بمليار دولار أميركي. وذلك بعد تلقيها للاستثمارات من شركة " Franklin Templeton for Investments" و" Bain Capital Ventures". استثمرت العائلة أيضاً في شركة "The RealReal Inc."، وهي منصة شحن للسلع الفاخرة المستعملة والمدرجة الآن، وتبلغ قيمتها السوقية 1.2 مليار دولار.

استثمرت "Novel TMT" أيضاً في "Modern Meadow"، التي تستخدم أدوات المعالجة بالتكنولوجيا الحيوية لزراعة الجلود في المختبر. إنَّ "شو" شخصياً هي مستشارة للشركة الناشئة "Perfitly" أيضاً، التي يقع مقرُّها في نيويورك، وتسمح للمتسوقين بتجربة الملابس افتراضياً بفضل صورة ثلاثية الأبعاد معدَّلة وفقاً لكل مستخدم منهم.

تقول "شو"، إنَّ استثمارات العائلة في هذه الشركات قد تتراوح بين 50 ألف إلى 5 ملايين دولار، مع هدف تحقيق ربحٍ مضاعفٍ من خلال طرح أسهمٍ للاكتتاب العام، أو البيع.

وتضيف "شو"، التي كانت أيضاً مديرة لـ"كارل لاغرفيلد" في الصين، ولا تزال مستثمرة في الأعمال التجارية العالمية للعلامة الشهيرة: "إنَّه عملٌ لهدف الربح، وليس عملاً خيرياً".

ابتكارات متجددة

"شو" تقول، إنَّها أحياناً تموِّلُ الشركات التي ترفضها العائلة، مستثمرةً في الشركات التي ما تزال في مراحلها الأولى، وذات دورات التمويل الأولية. إنَّها تبحث عن العلوم أو الابتكارات المادية "المتجددة" للكوكب، التي قد اجتازت مرحلة البحث والتطوير والمتوجهة إلى التسويق التجاري. إنَّ إطارها الزمني للتمويل هو 5 إلى 10 سنوات قبل الخروج.

تقول: "إنني أتحمَّس أكثر بشأن الابتكارات الجديدة، فهي أكثر ريادية. يجب أن نضمن توسع نطاق هذه الابتكارات، وأن تُستخدم بقدر المستطاع إذا أردنا إحداث تأثير في العالم. لا يمكن أن تكون متاحة للنِّخبة فقط".

تمَّ إطلاق علامة "شو" التجارية باسم "Everybody & Everyone" في أواخر العام 2019. ولكن تمَّ سحبها من الأسواق بعد أن بدأت الجائحة، وتمَّ إطلاقها مجدداً في سبتمبر 2020، إذ تضمَّنت مجموعة "العمل من المنزل" التي تحتوي على سراويل وقمصان مصممة من ألياف "الأوكالبتوس" القابلة للتحلل. إنَّ بعض السترات الرياضية مصممة من طلاء فضي معاد تدويره، ومن المفترض أن يكون له خصائص مضادة للميكروبات والرائحة. تُقدِّم العلامة أيضاً مجموعة قمصان خفيفة بسعر 32 دولاراً، مصممة من القطن المستصلح، وبلاستيك المحيطات.

ملابس مناسبة لكل المواسم

للمساعدة على تخفيف حجم خزانة الملابس، تُقدِّم "شو" ملابس قابلة للتكيُّف مع المواسم المختلفة، مثل سترة منفوخة طويلة بسعر 288 دولاراً، مصممة من 330 قنينة مياه بلاستيكية، وقد أعيد تدويرها. ويمكن تقصيرها بواسطة السحاب. كما أنَّ كافة القطع متوفِّرةٌ بقياساتٍ تتراوح من 00 حتى 24، وهي مجموعة قياسات نادراً ما تقدِّمها العلامات الكبرى، ومستوحاة من عادات "الأكل المضطربة" التي كانت تعاني منها "شو" عندما كانت أصغر سناً، إذ كانت تسعى جاهدة لأن تبدو مثل صديقاتها عارضات الأزياء.

وفي حين أنَّ والدها يدير المصانع، لا تملك "شو" أي مصنعٍ. وتقول، إنَّ علامتها تستهدف العملاء الأميركيين، وإنَّ المبيعات تأتي من الولايات كافةً.

تضيف: "يهتم المستهلكون من الجيل الأصغر بالكوكب، ويهتمون بالعدالة، سواءً كانت حقوق النساء، أو المساواة العرقية، أو العدالة المناخية. هناك مستهلكون واعون ومستعِدُّون لدفع المزيد مقابل المنتجات التي تدعم قيمهم".

وفي حين أنَّ عدد الماركات الصغيرة الصديقة للبيئة يزداد، لا يملك الكثير من هؤلاء الموارد التي تملكها "شو".

تقول "جنين ستيتشر"، نائب رئيس، ومحللة البيع بالتجزئة المتخصصة في "Jefferies Group LLC": "إنَّها أفضلية تنافسية. إنَّ الشركات الوحيدة التي نراها تطور ابتكاراً تقنياً في مجال صناعة الملابس، هي الشركات الكبيرة مثل "نايكي".

ولا يوجد العديد من الماركات الناشئة التي يمكنها القيام بذلك".