شبح "غرينسل" سيطارد عالم المال

لو نجح ديفيد كاميرون في إثبات فائدته أمام ليكس غرينسل لأصبح دافع الضرائب البريطاني أسوأ حالاً

 مبنى المكاتب الذي يضم المقر الرئيس لبنك "غرينسل" المُغلق في مدينة بريمن الألمانية
مبنى المكاتب الذي يضم المقر الرئيس لبنك "غرينسل" المُغلق في مدينة بريمن الألمانية المصدر: غيتي إيمجز
Lionel Laurent
Lionel Laurent

Bloomberg Opinion. Writing my own views on Flag of European UnionFlag of FranceMoney-mouth face(Brussels/Paris/London) here: https://bloom.bg/2H8eH0P Hate-love-mail here: llaurent2 at bloomberg dot net

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لا شك أن ماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لـ"سوفت بنك غروب"، وأكسل ليمان، رئيس مجلس إدارة "كريدي سويس"، تمنيا لو أن مؤسستيهما لم تلتقيا أبداً بالمُموِّل الموصوم ليكس غرينسل.

ولعل الرجلين يتعلَّمان، بل وقطاع التمويل بأكمله، دروساً من الفضيحة التي تلت ذلك.

يُشير كتاب "هرم الأكاذيب" (The Pyramid of Lies) حول هذه الملحمة للكاتب دانكن مافن، إلى أن جاذبية غرينسل وثقته في نفسه ومهارته المفترضة في تحويل نشاط رصين مثل تمويل سلسلة التوريد إلى مصدر أموال مزدهر، شجعت كل من "سوفت بنك" و"كريدي سويس" على اكتشاف طريقة لكسب المال.

بالنسبة لسون، كان من المفترض أن يشكّل الاستحواذ على حصة في ملكية "غرينسل" بمثابة تحقيق مكاسب كبيرة وسريعة عبر قطاع التكنولوجيا المالية، لا سيما أن صندوقه "فيجن" عرّض "سوفت بنك" لخسارة قياسية مؤخراً. ادّعت الشركة مزج أساليب التمويل القديم مع حيل البيانات الجديدة، وتحقيق نمو فائق السرعة عبر أموال تكفي، على ما يبدو، لتحقيق الأحلام، مثل الاستثمار في مدينة جديدة قيمتها 34 مليار دولار في بورنيو.

محكمة تتيح بيانات "سوفت بنك" لـ"كريدي سويس" حول "غرينسيل"

أما بالنسبة لـ"كريدي سويس"، كان استثمار أموال العملاء في أصول "غرينسل" وسيلة للانضمام إلى شبكة الملياردير المؤثرة وتحقيق عوائد كبيرة في عالم تنخفض فيه معدلات الفائدة. تطلع البنك بشدة إلى الابتعاد عن التداول المالي ومعاودة تحقيق الإيرادات من الأفراد ذوي الملاءة المالية العالية.

لكن لسوء الحظ، تأسست "غرينسل كابيتال" (Greensill Capital) مثل البيت الورقي وانهارت بعد تفشي وباء كوفيد-19. أدى الكشف عن عمليات الإقراض المتهورة وتضارب المصالح المشبوه إلى تخويف المستثمرين وشركات التأمين. شركة يونيكورن متخصصة في التكنولوجيا المالية، والتي احتفى بها سون، سرعان ما أصبحت بلا قيمة بعد نفاد أموالها، وتعرّض عملاء "كريدي سويس" الأثرياء لخسارة فادحة.

دعوى قضائية

بالتأكيد ستتكشف الأمور بشكل أكبر مع استعدادات "كريدي سويس" لرفع دعوى قضائية ضد "سوفت بنك" على أمل استرداد نحو 3 مليارات دولار، وهي واحدة من المعارك القانونية التي ستستغرق سنوات لحلها. وصفت "سوفت بنك" الادعاءات بتبديد الأموال المستحقة لعملاء البنك بأنها "بائسة".

مع ذلك، يتعين على الشخصيات التي انخرطت في محيط "غرينسل" القيام بعمل جاد لتقليل مخاطر حدوث انهيار مماثل مرة أخرى لاحقاً، وفقاً لكتاب مافن. حرص العديد من الداعمين، كما يبدو، على شراء ما كانت تبيعه شركة المموِّل المغرور والذي ظن أنه شخص استثنائي، ولكنهم لم يقوموا دائماً بواجبهم في دراسة الأمر جيداً. يستمتع الكتاب بالكشف عن الأعمال المُصطنعة السخيفة لغرينسل، ومنها بطاقة العمل الضخمة التي بدت وكأنها جزء حي من فيلم "المختل الأميركي" (American Psycho).

دعوى قضائية تلاحق "كريدي سويس" بسبب فضيحتَي "غرينسل" و"أركيغوس"

يقول مافن: "أعتقد أنه سيحدث الكثير من الحالات المشابهة لغرينسل، وأن عدداً قليلاً جداً من الناس سيبدي استعداداً أن يتخذ خطوة صحيحة".

تجاهل المخاطر

الضجة المتفشية تُعد ملمحاً متكرراً في هذه المأساة. ظهرت "غرينسل" في وقت بدأ فيه المصرفيون المتقاعدون الانضمام إلى الشركات الناشئة بدلاً من ممارسة لعبة الغولف، وعندما دفعت أسعار الفائدة المنخفضة شركات الاستثمار في مناطق أشد خطورة. الحملات التسويقية لشركات التكنولوجيا المالية أعمت أنظار الكثيرين عن حقيقة مفادها أن النمو المتصاعد والعوائد المرتفعة للتمويل نادراً ما تأتي دون مخاطر عالية. يبدو أن "سوفت بنك" ليست الشركة الوحيدة التي تحتاج إلى تذكيرها بذلك في ظل انخفاض التقييمات عبر قطاع التكنولوجيا المالية.

أجبرت هذه الضجة الشركات المالية التقليدية، التي اشترت في "غرينسل"، على تجاهل العلامات الحمراء الداخلية لأنها اعتمدت في كثير من الأحيان على قوة عرضه البارز وعلاقاته. هذا ما عرّض أصول "جي إيه إم" (GAM) لأزمة داخلية نتيجة لانكشافها المتزايد على "غرينسل". في غضون ذلك، يمكن القول إن صندوق سلسلة التوريد التابع لبنك "كريدي سويس" أوكل الكثير من عمليات صنع القرار إلى "غرينسل"، ولم يقم حتى بتطبيق قواعده الخاصة على نفسه في مرحلة من المراحل، خصوصاً فيما يتعلق بتأمين الائتمان، وهو الجزء الرئيس الذي أدى إلى انهيار "غرينسل".

لجنة برلمانية بريطانية: أنشطة "غرينسل" التمويلية لم تخضع لتدقيق كافٍ

يتعين على الجهات التنظيمية إظهار قدرتها على مراقبة الأسواق التي تبدو آمنة وموثوقاً بها لأنها قد تخفي مخاطر كبيرة. يُغرق تاريخ تمويل سلسلة التوريد في القدم، مثله مثل الخدمات المصرفية، ولكن تم استغلاله من قبل الشركات سريعة النمو التي تستفيد من الغموض وقواعد المحاسبة المواتية. لم تكن "غرينسل" تقوم في نهاية الأمر بمساعدة الموردين فقط في الحصول على رواتبهم مبكراً باستخدام الفواتير كضمان، ولكنهم حصلوا على تمويل استناداً إلى أعمال مستقبلية نظرية.

نأمل أن تبث المعايير المحاسبية الأميركية الجديدة، والتي تبدأ العام المقبل وتتطلب المزيد من الشفافية في تمويل سلسلة التوريد، ثقة أكبر في هذا القطاع.

دور الحكومات

مع الدور الأكبر الذي تلعبه الحكومات في الأعمال التجارية منذ الوباء، حتى في المملكة المتحدة التي تتبع المبدأ التقليدي (دعه يعمل دعه يمر)، ينبغي مساءلة السياسيين ووسائل الضغط التي يتبعونها على مستوى أعلى. لو كانت جهود ديفيد كاميرون المُكثّفة نجحت في الحصول على دعم حكومي لـ"غرينسل"، لكان دافع الضرائب البريطاني في حال أسوأ بكثير. وبطريقة فكاهية، يصف مافن جهود كاميرون على أنها محاولة من قبل رئيس الوزراء السابق لإثبات قيمته الخاصة لدى ليكس، فلربما يكون دافع الضرائب في بريطانيا أسوأ حالاً.

فضيحة "غرينسل" تجر معها قطاع الخدمة المدنية البريطاني

تنتظر ضحايا فضيحة "غرينسل" سنوات من الجدل القانوني، ولكن مع بدء عطلات المصرفيين والمتخصصين في التكنولوجيا وجهاتهم التنظيمية في موسم الصيف الحالي، قد يكون هذا الوقت هو المناسب لتوضيح كيفية بناء هرم الأكاذيب هذا، والذي يُمكن بناؤه مرة أخرى يوماً ما.