ست مدن تكتسب رواجاً لدى المغتربين الأجانب

ريو دي جانيرو
ريو دي جانيرو المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

باتت هونغ كونغ تُنفِّر المقيمين الأجانب نتيجة الاضطرابات السياسية وارتفاع التكاليف، وكذلك منافستها سنغافورة، برفعها لمعايير العمالة الوافدة، فبات المهنيون الشباب الباحثون عن المغامرة وعن بناء حياة مهنية في الخارج يواجهون مأزقاً. إذاً ما هي المناطق متعددة الجنسيات التي ستكون رائجة مستقبلاً لتجذب مجتمعاً دولياً نابضاً بالحياة يوفر وظائف مرتفعة الأجور وأنماط حياة فاخرة بأسعار معقولة؟

رغم أن عديد من البلدان مثل كوراكاو والرأس الأخضر تمنح تأشيرات للعاملين عن بعد عبر الإنترنت، إلا أن بناء قاعدة كفاءات عالمية كبيرة واستمراريتها يتطلب أكثر من مجرد شاطئ واتصال واي فاي. تتحدى مجموعة مدن النظام القديم وتجذب الشركات والمشاريع الناشئة لتتميز أوراق اعتمادها كمدن متعددة الأعراق في عالم أعاد الوباء والغزو والتضخم تشكيله. سنتحدث في هذا المقال إلى ستة مهنيين سلكوا الطرق الأقل ارتياداً بداية من شواطئ ريو إلى المركز التقني في بنغالور.

عواصم عالمية تفقد بريقها في جذب المغتربين

تصدرت كوالالمبور دراسة استقصائية للمغتربين أثناء الوباء لأسلوب الحياة ميسور التكلفة والتنوع الثقافي
تصدرت كوالالمبور دراسة استقصائية للمغتربين أثناء الوباء لأسلوب الحياة ميسور التكلفة والتنوع الثقافي المصدر: بلومبرغ

كوالالمبور

أصبحت العاصمة الماليزية جذابة بشكل متزايد للشركات العالمية، بعدما طغت عليها سنغافورة المجاورة كوجهة للأجانب، وذلك بسبب قوتها العاملة الناطقة باللغة الإنجليزية، وسهولة رحلات الطيران في جميع أنحاء المنطقة ومعقولية تكاليفها نسبياً. احتلت المدينة المرتبة الأولى في 2021 من حيث الإسكان، وفقاً لاستبيان شمل نحو 12,000 وافد أجراها موقع "إنترنيشينز" (InterNations).

قالت كارولين بوغو، التي انتقلت إلى كوالالمبور مع زوجها وابنها الذي بلغ عمره 10 سنوات في يناير بعد 15 عاماً من العيش في شنغهاي: "إنها دولة على مفترق طرق لعديد من الحضارات مثل جنوب شرق آسيا، والصين، والشرق الأوسط، والهند. هناك كثير من التنوع الثقافي واللغوي، لكن يوجد انسجام حقيقي وسط كل هذا التنوع".

تنفق بوغو 3,000 رينغت (682 دولاراً) شهرياً على الإيجار وتعمل مستشارة مناسبات. طورت علاقاتها في جميع أنحاء المنطقة مع عملاء في أماكن مثل الصين والهند وأستراليا. كما وجدت وظيفة تعاقدية كمديرة مشروع لدى شركة متعددة الجنسيات.

قالت بوغو، 47 عاماً: "كل شيء سريع للغاية في شنغهاي. اعتدت أن آعمل بجهد كبير وأن أشارك في الحفلات بكثرة كذلك. لكنني أدركت بمجرد مغادرتي أن الأمر يشبه إدمان المخدرات طوال الوقت. الأمور أكثر توازناً الآن بالنسبة لي".

أضافت بوغو أن بعض الأشياء قد تكون مُحبطة، مثل الاتصال غير المكتمل بالإنترنت، وذلك إذا كنت معتاداً على مدينة ذات بنية تحتية مُتقدمة جداً، لكن جزر المنتجعات والثقافة في البلد الاستوائي تعوض عن هذا الإزعاج. "تدور الحياة حول السفر بين الجزر والسباحة والطيران في أرجاء المنطقة".

استبدلت أليسون باكسلي منزلاً من الحجر البني في بروكلين بمنزل من ثلاث غرف نوم مع مسبح في منطقة كاسكايس الساحلية في لشبونة.
استبدلت أليسون باكسلي منزلاً من الحجر البني في بروكلين بمنزل من ثلاث غرف نوم مع مسبح في منطقة كاسكايس الساحلية في لشبونة. المصدر: بلومبرغ

لشبونة

لشبونة هي إحدى أقدم مدن أوروبا وقد أعادت تقديم نفسها كوجهة مُحببة، فقد استضافت أحداثاً مثل قمة ويب السنوية، فضلاً عن أنها تقدم مزيجاً من الثقافة والحياة الليلية والطقس الدافئ في مكان يسهل منه الوصول إلى بعض من أروع شواطئ أوروبا.

وصف موقع "ديسباتشيز" (Dispatches) للوافدين لشبونة العام الماضي بأنها: "الوجهة الأروج للوافدين في أوروبا حالياً،" حيث تتمتع المدينة بازدهار شهد ارتفاع أسعار العقارات بشكل مطرد مع تدفق مهاجرين أثرياء يشترون منازل في العاصمة أو على طول ساحل الغارف الأسطوري في البلاد.

استبدلت أليسون باكسلي وعائلتها في أغسطس منزلاً من الحجر البني، تبلغ مساحته 74 متراً مربعاً في بروكلين كانوا يستأجرونه مقابل 4,300 دولار شهري، بآخر مكون من ثلاث غرف نوم مع مسبح يطل على الساحل البرتغالي بنصف الإيجار تقريباً، وهي خطوة وصفتها بأنها "الهروب من الروتين ".

قالت أليسون إن كاشكايش، وهي منطقة ساحلية أنيقة على الشاطى الممتد من العاصمة البرتغالية، "مكان جيد للوافدين" في ظل وجود مجتمع دولي ومدارس جيدة.

أضافت باكسلي، 39 عاماً: "لقد أصبحت نيويورك مضطربة أثناء الوباء من حيث السياسة وارتفاع معدلات الجريمة في جميع أنحاء البلاد. كان أطفالي يباشرون المدرسة العامة وكنت قلقة بشأن نوع التربية التي كنت أقدمها لهم".

تخطط باكسلي، وهي كاتبة حرة، لشراء عقارات في أنحاء من البرتغال وتأجيرها. قالت: "استأجرنا منزلنا في نيويورك منذ أمد طويل ولم نتمكن من الشراء أبداً. إن الأسعار هنا في البرتغال مرتفعة لكنها ليست فلكية مثل نيويورك".

تستمتع عائلة باكسلي بأسلوب الحياة في كاشكايش، حيث تستغرق رحلتهم إلى وسط لشبونة نصف ساعة أو نحو ذلك عدة مرات كل شهر لرؤية الأصدقاء والتعامل مع المسائل الإدارية والذهاب إلى المطاعم والمتاحف. كما بدأت باكسلي الكتابة عن حياة عائلتها في كاشكايش في مدونة أسمتها (Renovating Life).

أضافت باكسلي: "نحب الحياة هنا. فأنت تعمل بجد طوال الأسبوع في نيويورك وتستنفد طاقتك بنهاية الأسبوع، بينما يمكنني هنا الاستمتاع بكل يوم".

مخاوف الركود تهيمن على الأسواق

استثمرت دبي المليارات في إنشاء مدينة مستقبلية وتدفق الأجانب إليها خلال الوباء هرباً من الإغلاقات.
استثمرت دبي المليارات في إنشاء مدينة مستقبلية وتدفق الأجانب إليها خلال الوباء هرباً من الإغلاقات. المصدر: بلومبرغ

دبي

تحدت الإمارة الصحراوية كل من هونغ كونغ وسنغافورة من حيث ورود الوافدين على مدى أكثر من عقد حتى الآن، وتسبب كل من الوباء والحرب في أوروبا بزيادة شعبية الإمارة. استثمرت دبي المليارات لإنشاء مدينة مستقبل، حيث يتوج برج خليفة مجموعة عمارة مستقبلية.

انتقل بيرند هانكي، وهو شريك في صندوق في لندن، إلى دبي خلال الوباء هرباً من الإغلاقات وإجراءات "كوفيد" في شتوتغارت، حيث أقام لمدة تسعة أشهر، مُنضماً إلى عدد كبير من المتخصصين الماليين الذين ينتقلون إلى مدينة تعزز أسواقاً للمال والعملات المشفرة.

هل تفقد نيويورك ولندن وهونغ كونغ بريقها فيما تبرز دبي؟

يستمتع هانكي بالاستيقاظ على منظر ملعب الغولف الأخضر المورق من مكان إقامته في "تلال الإمارات" (Emirates Hills)، فضلاً عن المناخ الدافئ، وذلك رغم بلوغ درجات الحرارة في الصيف خارج المنازل المكيفة ومراكز التسوق 45 درجة مئوية.

يُسَهِّل تقارب المنطقة الزمنية لدبي وأوروبا من وصول هانكي للمستثمرين المُقيمين في المملكة المتحدة في صندوق الملكية الخاصة وتبلغ قيمته 400 مليون دولار.

قال هانكي، 48 عاماً، الذي تعيش عائلته في لندن: "تعاملت دبي مع الوباء بشكل جيد للغاية ولم يكن هناك إغلاق تقريباً". يفكر هانكي فيما إذا كان سيجعل هذه الخطوة أكثر ديمومة ويشتري عقارات في دبي. أضاف: "أود أن أكون في دبي حتى على المدى الطويل. لابد لي من اتخاذ قرار بشأن ذلك".

يقول جوزيف كيم إن بنغالور هي "مركز مزدهر" للشركات التقنية الناشئة
يقول جوزيف كيم إن بنغالور هي "مركز مزدهر" للشركات التقنية الناشئة المصدر: بلومبرغ

بنغالور

أصبحت بنغالورو، أو كما يطلق عليها عديد من السكان المحليين والمغتربين بنغالور وهي واحدة من أسرع مراكز التقنية نمواً في العالم، موطناً لآلاف الشركات الناشئة وشركات البرمجيات، مدعومة بأموال من شركات التقنية العالمية والمستثمرين الأجانب البارزين مثل "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital) و"غولدمان ساكس". يتدفق رأس المال الاستثماري إلى المدينة الهندية الجنوبية بشكل أسرع من لندن أو سان فرانسيسكو حسب أحد التقديرات، حيث قفز إلى 7.2 مليار دولار في 2020 مقارنة مع 1.3 مليار دولار في 2016.

ظهرت المدارس الدولية مع اتساع مجتمع الوافدين وكذلك حانات ومطاعم تقدم كل شيء من الجعة لأطباق أضلاع لحم الخنزير.

كيم مع زملائه في مكتب "ليلا غيمز" (Lila Games) في شرق بنغالور.
كيم مع زملائه في مكتب "ليلا غيمز" (Lila Games) في شرق بنغالور. المصدر: بلومبرغ

قال جوزيف كيم، 49 عاماً، الذي غادر منطقة خليج سان فرانسيسكو العام الماضي لإنشاء استوديو لتصميم الألعاب في المدينة الهندية، إن مراكز جديدة للابتكار ظهرت في جميع أنحاء العالم، مضيفاً: "أرى بنغالور مركزاً مزدهراً.. يشعر الناس بالاستياء بشكل متزايد من وادي السيليكون وسياساته والجريمة والحالة الكئيبة للتعليم". قال إن تلك العوامل التي أدت إلى "نزوح جماعي" من مركز التقنية في الولايات المتحدة، حيث قضى معظم حياته المهنية.

انضم كيم إلى مؤسسين مشاركين آخرين لبدء شركة "ليلا غيمز" (Lila Games) في حي إنديراناغار المزدحم في شرق بنغالور، بعد حضور مؤتمر ألعاب في الهند في 2020، وحصل على دعم من "سيكويا كابيتال".

جيل الألفية في الهند يخرج صناعة التشفير إلى النور

قال كيم، خريج الهندسة من جامعة كاليفورنيا في بيركلي الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كاليفورنيا أندرسون: "لقد درسنا فنلندا وأمريكا اللاتينية وكندا قبل أن نستقر في بنغالور، فالناس هنا متعطشون للتعلم".

يمكن أن تمثل بنغالورو، كغيرها من الأماكن في شبه القارة الهندية، تحدياً لمن اعتادوا على المدن في العالم الغربي، فبقيت زوجة كيم وأطفاله في سانتا كلارا، حيث يزورهم مرة كل ثلاثة أشهر.

قال كيم: "يبدو أن عدة أشياء لم تكتمل في بنغالور، بما في ذلك الطرق والمباني، ويبدو أن الجميع في عجلة من أمرهم للوصول إلى المرحلة التالية. لكنني أشعر للمرة الأولى منذ فترة طويلة أنني أفعل شيئاً يستحق العناء".

مكسيكو سيتي

لا تبدو مكسيكو سيتي مُرشحاً محتملاً للوافدين الأجانب، رغم تعداد سكانها الذي يداني 22 مليون شخصاً، لكنها تكتسب اهتماماً سريعاً كمركز لرجال الأعمال والشركات الناشئة في أميركا اللاتينية باعتبارها أقدم عاصمة في الأميركتين. تصدرت المكسيك الترتيب العالمي في تصنيف "إنترنيشنز إكسبات إنسايدر 2022" (InterNations’ 2022 Expat Insider) لأفضل البلدان للعيش ويقطن عاصمتها ذات الأبراج الشاهقة أجانب من جميع أنحاء العالم. تمزج المدينة بين سبعة قرون من التاريخ وبعض أكثر السياسات تقدماً في المنطقة، حيث كانت أول مدينة في أميركا اللاتينية تسمح بزواج المثليين، فضلاً عن كونها موطناً لأحد أكثر المطاعم حيوية في الأميركتين.

انتقل بريان ريكارث، الرئيس التنفيذي لمنصة "لاتيتود" (Latitud) لإقامة الشركات الناشئة، مع عائلته في يوليو إلى حي توني بولانكو بالعاصمة المكسيكية. قال بريان: "المكان يشبه بيفرلي هيلز. إنه خيالي وآمن للغاية".

اقتصاد المكسيك يواجه عاماً عصيباً مع انفصال نموه عن الأميركي

شكَّل القدوم من بلدة صغيرة في مقاطعة سونوما بشمال سان فرانسيسكو الصدمة الثقافية الأكبر للعائلة من حيث الحجم الهائل للمدينة.

قال ريكارث: "يذهب أطفالي إلى المدرسة العامة في مدينتي الصغيرة في كاليفورنيا. إنها صغيرة جداً". أضاف أن الأمر كان صادماً بعض الشي حين زاروا مدرستهم الجديدة في مكسيكو سيتي، وقال: "إنها ضخمة فهي أكبر بعشرين مرة من المدرسة التي يذهبون إليها الآن، ويوجد فيها مقهى (ستاربكس)! تبدو وكأنها حرم جامعي وليست مدرسة حي صغير".

يرى ريكارث، 41 عاماً، تزايد الاهتمام بقطاع التقنية في أميركا اللاتينية، مع انتشار الشركات الناشئة في مكسيكو سيتي، التي تستفيد من قربها من صناعة التقنية الأميركية. قال ريكارث: "هناك مستوى مذهل من الكفاءات والطموح في أميركا اللاتينية لم يكن موجوداً من قبل. هناك مزيد من الأشخاص الذين يفكرون في حل مشكلات أكبر من خلال التقنية. سأكون شخصاً مُنتجاً للغاية هنا".

تقسم ماري ألاسور ساعات عملها بين منزلها ومكتبها ومقهى "أوزي كوفي" للوافدين
تقسم ماري ألاسور ساعات عملها بين منزلها ومكتبها ومقهى "أوزي كوفي" للوافدين المصدر: بلومبرغ

ريو دي جانيرو

زخرت العاصمة السابقة للإمبراطورية البرتغالية بالسحر طيلة القرن العشرين وتتميز بخلفية بديعة من الجبال المغطاة بالأشجار تحيط بأحد أروع الموانئ الطبيعية في العالم. استمرت الأجواء الهادئة وشواطئ ريو المشهورة عالمياً بجذب الأجانب الذين ينتقلون إلى أكبر اقتصاد في أمريكا الجنوبية، رغم معاناة المدينة من التراجع في التسعينيات وطغيان المركز المالي ساو باولو عليها.

قالت ماري ألاسور، 31 عاماً، التي تدير عمليات التجارة داخل قطاع الأعمال في منصة العقارات البرازيلية "لوفت" (Loft): "أشعر بالدهشة من عدد الأجانب الذين يعملون هنا". استقرت الفتاة القادمة من فرنسا منذ أن تلقت دورة لغة لمدة شهر في مدينة سلفادور الساحلية في 2009 وقالت: "لقد جذبتني البرازيل".

كانت ألاسور وصديقها البرازيلي يفكران بالانتقال إلى إسبانيا أو البرتغال بعد أن قضت فترة في هونغ كونغ وعملت لدى "أوبر" في ساو باولو والمكسيك ولندن، لكنهما قررا تجربة ريو خلال الأشهر الأولى من 2020، قبل أن يسيطر الوباء على العالم.

قالت ألاسور، الفرنسية الوافدة، إن ريو تعد بمثابة "باريس البرازيلية".
قالت ألاسور، الفرنسية الوافدة، إن ريو تعد بمثابة "باريس البرازيلية". المصدر: بلومبرغ

قالت ألاسور: "أشعر وكأنني في موطني.. هنالك روح أوروبية هنا. إنها باريس البرازيلية".

حصلت ألاسور على وظيفة في "لوفت" عبر زميل سابق لها في "أوبر" وقسمت ساعات عملها بين منزلها ومكتب الشركة ومقهى "أوزي كوفي" للوافدين (Aussie Coffee) في منطقة إيبانيما، الذي يقدم القهوة البيضاء وخبز الموز المصنوع منزلياً.

نظراً لسهولة الحياة في ريو، تقضي ألاسور جزءاً من صباحها بالتأمل أو المشي على الشاطئ، وتُخصص بعض الوقت أحياناً لدروس صناعة الفخار.

قالت ألاسور: "لا يوجد سقف لمقدار العمل الذي يمكنك القيام به عندما تعمل في شركة ناشئة. أحب التوازن الذي أتمتع به الآن. تعلمت أن أتمهل العام الماضي وأن أستمتع بما لدي".