هل علينا التصدي للاندماجات التي تقود للاحتكار؟

مكافحة الاحتكار تتراجع في السنوات الأخيرة.
مكافحة الاحتكار تتراجع في السنوات الأخيرة. المصدر: Scott Olson/Getty Images North America
Noah Smith
Noah Smith

Noah Smith is a Bloomberg Opinion columnist. He was an assistant professor of finance at Stony Brook University, and he blogs at Noahpinion.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استحوذت مسألة تعامل المهن الاقتصادية مع قضية النوع على الحصة الأكبر من الاجتماع السنوي للرابطة الاقتصادية الأمريكية (American Economic Association) في أتلانتا مطلع يناير 2019، ليتمحور النقاش بعدها حول ثاني أهم مسألة في الاقتصاد، حاليًا، وهي مكافحة الاحتكار وقوته.

أدى أمران لتسليط الضوء على مكافحة الاحتكار، فقد بدأ الاقتصاديون بالنظر إلى النفوذ المفرط في السوق كعائق أمام النمو والأجور، في حين يسعى الناشطون لتحدي الأنظمة المتراخية، التي سمحت بظهور موجة من عمليات الاندماج خلال العقود القليلة الماضية.

وبجانب الوعي المتزايد بمشكلة النفوذ في السوق، يزداد وضوح عجز النهج التقليدي في مكافحة الاحتكار عن تصحيح الأمور، بحيث لا يقتصر على فشل الجهات التنظيمية في النظر في التداعيات التي تترتب على السماح بأي من عمليات الدمج، بل ويتعداها إلى افتقار الحكومة إلى الأدوات اللازمة للتعامل مع نفوذ الاحتكار، بعد أن يزداد حجم هذه الشركات وهيمنتها.

التأثير على سوق العمل

الخبيرة الاقتصادية "يوانا مارينيسكو" (Ioana Marinescu)، من جامعة بنسلفانيا، قدمت أحد أهم الأبحاث التي عرضت في أتلانتا، بعد أن دأبت على إجراء العديد من الأبحاث حول تركيز السوق والنفوذ فيه. فقد تعاونت "مارينيسكو" - مع أستاذ القانون "هربرت هوفنكامب" (Herbert Hovenkamp)- في الكتابة حول تأثير عمليات الدمج في أسواق العمل، واقترحا مقاربة جديدة لمكافحة الاحتكار.

بينما يُصر المدافعون عن النهج التقليدي على اتخاذ رفاهية المستهلك معيارًا لتحديد النفوذ في السوق، بينما يوصي كل من "مارينيسكو" و"هوفنكامب" بأن تنظر المحاكم والهيئات التنظيمية أيضًا في القوة التي تمنحها عمليات الدمج للشركات في خفض الأجور.

وفي المقابل، قدمت "نانسي روز" (Nancy Rose)- الخبيرة الاقتصادية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (Massachusetts Institute of Technology)- عرضًا تقديميًا شددت فيه على صعوبة مواجهة نفوذ الشركات في السوق من خلال عمليات الاندماج، مشيرة إلى تراجع مكافحة الاحتكار في العقود الأخيرة وإمكانية تشديدها.

وأوضحت "روز" دور الحواجز المؤسسية الهائلة في الحد من فعالية السياسة، أو قدرتها حتى في ظل أفضل الظروف، فمن أجل الحيلولة دون اندماج الشركات، يتعين على الجهات التنظيمية إحضار هذه الشركات للمثول أمام المحاكم، وعرض أمرها على قضاة لا يفقهون شيئًا في الاقتصاد، في وقت يمكن فيه للشركات أن تستعين بأفضل المحامين لتمثيلها، بحيث يكون إنفاذ القانون في مكافحة الاندماج مكلفًا وصعبًا.

توجد قيود أخرى على ذلك، تتجاوز تلك التي ذكرتها "روز"، ففي الكثير من الأحيان، ينتج عن عمليات الاندماج رفع الأسعار، على الرغم مما تقدمه الشركات من وعود بعدم القيام بذلك؛ لكن نظرًا لعدم امتلاك لجنة التجارة الفيدرالية منهجية لمتابعة عمليات الاندماج بعد تطبيقها، يمر رفع الأسعار دون أن يلاحظه أحد ودون أي عقوبات.

تقليل المنافسة

بالإضافة إلى ما سبق، ليس من الواضح كيف يمكن للشركات أن تنفصل عن بعضها، إذا ما أدّى الاندماج إلى التقليل من المنافسة، فغالبًا ما كانت تنطوي حالات مكافحة الاحتكار الشهيرة- التي أدت إلى انفصال الشركات الكبرى- على التقسيم بناءً على أسس جغرافية.

فعندما أُجبرت شركة "إيه تي آند تي" (AT&T) على التخلي عن هيمنتها على خدمات الهاتف المحلية عام 1982، تحولت هذه الخدمات إلى شركات إقليمية احتفظت بحصتها في السوق المحلية. وعندما قُسمت شركة "ستاندرد أويل" (Standard Oil) عام 1911، قُسمت الشركات الناتجة عنها وفقًا لخطوط إقليمية، انتشر العديد منها وراحت تتنافس فيما بينها في نهاية المطاف، دون أن يفيد التقسيم- على الأقل لفترة من الوقت- في إثراء السوق المحلية، فيما يتعلق بالعاملين والبنزين، فبالنسبة للعمال والمستهلكين، غالبًا ما يكون التركيز المحلي أهم من التركيز على المستوى الوطني.

سيكون أمراً رائعاً لو كان بالإمكان تقسيم الشركات الكبرى إلى مجموعة من المنافسين، كما كانوا قبل الاندماج، ولكن بمجرد اندماج اثنين من المنافسين، فإنهم يميلون إلى دمج أقسام مبيعاتهم وإداراتهم الهندسية وهياكلهم الإدارية وكل جوانب أعمالهم تقريبًا، بحيث لا يمكن لجهات مكافحة الاحتكار أن توجه أمرًا لشركة مندمجة بتقسيم نفسها إلى أجزاء لأن هذه الأجزاء لم تعد موجودة من الأساس.

ليست السلاح الوحيد

مكافحة الاحتكار لا يمكن أن تكون السلاح الوحيد، فهناك حاجة إلى مناهج تكميلية في صورة مؤسسات تهدف إلى ردع قوة الشركات الكبيرة.

تعد النقابات وقوانين الحد الأدنى للأجور من الأمثلة الحية على هذا النهج، إذ تعمل النقابات على تنظيم العمال في وحدة واحدة تقوم بالمفاوضات لتخلق بفعالية قوة احتكارية في سوق العمل من شأنها مواجهة القوة المركزة لأصحاب العمل.

وهناك سياسة أخرى تتمثل في تقرير المصير تفرض فيها الحكومة على الشركات منح العمال مقاعد في مجالسها، في وقت تتعارض فيه قوانين الحد الأدنى للأجور بشكل مباشر- مع ميل أصحاب العمل الأقوياء إلى خفض أجورهم- وهو السبب الذي يفسر ارتفاع مستويات التوظيف مع تدني الحد الأدنى للأجور في بعض الحالات.

خارج هذه المنهجيات التي جُربت في أوقات وأماكن مختلفة- على مدار القرن الماضي أو قبله- تقف أفكار جديدة مبالغ فيها، أحدها معايير العمل المتدرجة، وهو مقترح حديث قدمه رجل الأعمال والناشط "نيك هاناور" (Nick Hanauer) ينص على فرض متطلبات أكثر صرامة- مثل رفع الحد الأدنى للأجور وزيادة المستحقات الإلزامية- على الشركات التي تتمتع بنفوذ في السوق أكبر من غيرها، إلا أن قياس النفوذ في السوق أمر صعب، وإن كان "هاناور" يقترح النظر إلى عدد من المقاييس، بما في ذلك تركيز السوق والهيمنة على الشركات المستقلة في الأسواق المحلية والتفاوت في الأجور داخل الشركة.

لذا يجب اعتبار معايير العمل المتدرجة الحل الأخير، وإن لم تكن المنهجيات التقليدية- التي تشمل مزيجًا من مكافحة الاحتكار وإنشاء نقابات أقوى ووضع حد أدنى للأجور، وربما المشاركة في تقرير المصير- هي الحل، فقد تكون العقوبات المباشرة على الشركات المهيمنة البديل الوحيد.