النساء يقتحمن سوق قطاع البناء بدعم من نقص العمالة

قصور العمالة يحدث تغييرات في القطاع الذي كان معقلاً ذكورياً بامتياز

نساء في صناعة البناء
نساء في صناعة البناء المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تفاوض آندي ديركشنايدر على قروض بملايين الدولارات لشراء أراضٍ لشركة بناء المنازل التي تملكها عائلتها، لكن أحياناً يناديها البائعون "صغيرتي" ويطلبون التحدث إلى الرجل المسؤول.

قالت ديركشنايدر، التي بلغ عمرها 32 عاماً وترأس شركة "بروكلين هومز" (Brookline Homes) في شارلوت: "أقول لهم إنني أنا الرجل المسؤول.. إن قيام فتاة شابة شقراء بهذا العمل يربك الجميع. هذا محبط لكن لا يمكن السماح له بذلك".

تقتحم ديركشنايدر وآلاف النسوة من أمثالها أسوار المهن. وهي ليست هشة بل هي بصلابة الخرسانة. لطالما كان مجال البناء عالماً للرجال، بدءاً من الأعمال اليدوية كالبناء والنجارة وصولاً لمكاتب المطورين والشركات التنفيذية. أدت الموجة المتسارعة من تقاعد جيل الستينات والسبعينات لتفاقم النقص المزمن في عمالة هذه الصناعة. بلغ إجمالي فرص العمل في البناء 440 ألف وظيفة في أبريل، وهو أعلى معدل في سجلات مكتب إحصاءات العمل التي بدأت في 2001.

لهذه الأسباب لن تنخفض أسعار المنازل في أميركا رغم الركود المرتقب

فتح هذا باباً للنساء. تجاوز عدد العاملين في قطاع البناء مليون شخص في مايو من العام الماضي، لأول مرة منذ بدء جمع البيانات في 1964، ووصلت حصة النساء بين عمال القطاع لأعلى مستوياتها عند 14.1% الشهر الماضي.

قالت أريان هيغويش، وهي كبيرة باحثين وزميلة في معهد أبحاث سياسات المرأة إن هناك مجالاً للنمو، لأن الاعتماد التاريخي لقطاع البناء على الرجال يخاطر الآن بتقييد نموه. يقدر المعهد أن حوالي ثلث النساء العاملات في الصناعة يعملن في الصفقات، وما تزال حصتهن عبر قطاعات مثل الطلاء والنجارة صغيرة لا تبلغ العشر، وإن كانت هيغويش ترى أنها ستستمر بالنمو. يعود ذلك جزئياً للحاجة إلى العمالة وإلى أن الولايات والإدارات المحلية تريد رؤية مزيد من التنوع في الشركات عند منحها عقوداً.

آندي ديركشنايدر في واحد من العقارات التي تطورها عائلتها في شارلوت
آندي ديركشنايدر في واحد من العقارات التي تطورها عائلتها في شارلوت المصدر: بلومبرغ

تقاعد يفتح الأبواب

قالت باتريس هالي من فريق قيادة التنوع في شركة "دي بي آر" (DPR) العملاقة للبناء: "لا يمكننا في هذه الصناعة أن نرفض الأشخاص على أساس الجنس. بدأ كثير من المخضرمين بالتقاعد، ولا يمكننا أن نترك أي من الأبواب مغلقاً".

قالت هالي إن أحد المغريات التي تجذب النساء إلى هذا القطاع هو رؤية ما يبنينه قائماً أمام أعينهم، وكانت هي قد بدأت بالعمل في هذه الصناعة في وظيفة يدوية تتطلب ارتداء خوذة وأحذية واقية للأصابع. قالت: "يمكنني القول إني عملت على هذا وبنيت ذاك".

هناك أيضاً إغراء الأجر الأفضل مقارنة بعديد من الوظائف الأخرى التي لا تتطلب شهادة جامعية، فقد بلغ في 2021 متوسط ​​راتب فني الكهرباء 59000 دولار و98500 دولار لمدير البناء، وفقاً لبيانات وزارة العمل الأميركية.

سوق العمل الأميركية ترفض الاستسلام للتضخم وزيادة الأجور

تعمل تقية والاس التي بلغ عمرها 35 عاماً في شركة طاقة كبيرة في متابعة وثائق مشاريع البناء. لكنها تحلم بالحصول على ترخيص كمقاول عام لتبدأ بالعمل بمفردها. باشرت في يونيو بدراسة مهارات البناء في منهج مدته 16 أسبوعاً تنظمه "غودويل إندستريز" (Goodwill Industries) في جنوب بيدمونت في شارلوت، وفيه تعلمت قراءة المخططات والتعامل مع المعدات. إن سارت الأمور وفقاً للخطة، فستنهي التدريب حاملة أربع شهادات تخص القطاع.

رغم أن برنامج "غودويل" لا يستهدف النساء، إلا أن منظميه يقولون إن مجموعة من 15 شخصاً أكملت التدريب العام الماضي كانت بكاملها من النساء ذهب نصفهن تقريباً للعمل في وظائف في الصناعة. ترى والاس، التي كانت أول من تلقى شهادة جامعية في عائلتها، أن الحصول على رخصة مقاول وتعليق لافتة لشركتها هو وسيلة لبناء الثروة التي يمكن أن تورثها لأسرتها. قالت: "أريد أن أتمكن أن أقول لهم هذا إرثنا".

مضايقات وتمييز

برغم هذه الاتجاهات المشجعة، ما يزال أمام القطاع شوطاً طويلاً ليقطعه. قالت حوالي ربع المشاركات في استطلاع أجراه معهد أبحاث سياسات المرأة العام الماضي وشمل 2,635 عاملة إنهن واجهن مضايقات جنسية أو مضايقات متكررة على أساس الجنس. قالت نصف اللائي شملهن الاستطلاع إن عدم معاملتهن على قدم المساواة من جانب الرجال كان أمراً متكرراً أو مستمراً.

وقفت جيني باركر في موقع بناء في هاي بوينت بكارولاينا الشمالية في يوم حار للغاية في يوليو تمسك كوباً ورقياً فيه شراب مثلج وهي تنظر إلى قميصها الملطخ بنشارة الخشب والطلاء والعرق وقالت: "أحب هذا.. تطلب مني الأمر 10 سنوات لأصل إلى هنا". شعرتْ باركر التي قضت تسع سنوات في سلاح مشاة البحرية، بالضيق من الوظائف الإدارية التي عملت بها كي تتمكن من دفع فواتيرها فيما كانت تربي ابنتها، لذلك بدأت العمل بجد في العقارات. سجلت للحصول على تدريب في مهارات البناء حتى تتمكن من إصلاح المساكن المؤجرة التي تملكها.

عودة قوية للنساء في سوق العمل الأميركية خلال مارس

تلقت باركر في هاي بوينت، تدريباً عملياً على بناء هياكل المنازل وتنفيذ الأعمال الحجرية، وتركيب الأسقف. قالت إنها قادرة على العمل التشاركي مع الرجال في الفريق، لكن كانت هناك توترات في بعض الأحيان، وأضافت: "أن تكوني أنثى في بيئة ذكورية عليك أن تثبتي نفسك وتعملي بجهد مضاعف"، مشيرة إلى أن بعض الرجال لا يتقبلون تعليمات من امرأة. قالت: "إنها عقلية ينبغي أن يتخطاها الرجال".

تتذكر نيكول غولسبي مالكة "ريد لادر ريزدينشال" (Red Ladder Residential)، وهي شركة مقاولات في رالي بكارولاينا الشمالية، أنها عندما بدأت بإدارة مواقع العمل كان بعض الرجال يتجاهلونها حين تخاطبهم. قالت إن تجربتها مع التحيز تلاشت حين كانت توزع شيكات المرتبات ممهورة بتوقيعها، وتلاحظ الآن وجود مزيد من النساء في طواقم العمل التي تتعاقد معها، سواءً أكانوا يركبون الألواح أو يعملون بالطلاء.

أوضحت غولسبي أن النساء يبنين علاقات بسهولة وهن أكثر انتباهاً للتفاصيل، ما يجعلهن ملائمات لمجال عملها. قالت غولسبي التي تُلقب "بيكي نيكي": "أرى أشياء لا يراها أي شخص آخر، ولهذا أجيد عملي جيداً".

عاملات لاتينيات

كما تجذب صناعة البناء مزيداً من نساء الأقليات. وجد تحليل معهد أبحاث سياسات المرأة أن عدد المتدربات في مهن البناء بين 2016 و2019 نما بحوالي الضعف فيما سجلت اللاتينيات أكبر زيادة مقارنة بأي عرق آخر.

إن نظرنا إلى فيريديانا سيراتو التي تخرجت من الكلية في 2020 بتخصص مزدوج في التاريخ واللغة الإسبانية دون أن تتمكن من العثور على أي وظيفة تمكنها من الاستفادة من تعليمها بشكل جيد، فقررت تجربة إدارة البناء. اشتركت سيراتو في دورات وحصلت على بعض الشهادات، بما فيها شهادة في اللحام.

أصبحت اليوم مهندسة مشروع في إنديانابوليس. تتطلب هذه الوظيفة صلابة، كما تقول الشابة البالغ عمرها 24 عاماً، مع كثير من التخاطب "الذي لا يتوافق مع قواعد الموارد البشرية" والتعامل مع الاستخفاف في بعض الأحيان. سيراتو هي واحدة من ثلاث نساء في فريق يضم تسعة مديرين وهي اللاتينية الوحيدة بينهم.

ينتمي حوالي ثلث عمال البناء في الولايات المتحدة لأصول لاتينية، وفقاً لـ"بي إل إس" (BLS). تعرفت سيراتو نفسها على هذه الصناعة في سن مبكرة من خلال والدها المهاجر المكسيكي، وقالت: "كنت أخرج إلى العمل معه، ولم أرَ أبداً شخصاً يشبهني، لذا لم يخطر ببالي مطلقاً أنها قد تكون مساراً مهنياً قابلاً للتطبيق". قالت وجود لاتينية أخرى كمرشدة أحدث فرقاً كبيراً، وأضافت: "لهذا فإن تمثيلنا مهم".