الدول الفقيرة تواجه اضطرابات والغنية تلتهم كميات كبيرة من الوقود

سائقو التوك توك يرددون شعارات خلال مظاهرة مناهضة للحكومة احتجاجاً على التضخم وارتفاع أسعار الوقود في لاهور، باكستان
سائقو التوك توك يرددون شعارات خلال مظاهرة مناهضة للحكومة احتجاجاً على التضخم وارتفاع أسعار الوقود في لاهور، باكستان المصور: عارف علي / وكالة فرانس برس / غيتي إيمجز
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

حرب أوكرانيا جعلت أوروبا تتأهب لاستقبال شتاء قارس، لكن التكاليف تتزايد بشكل أكبر في الدول الناشئة، حيث تكافح الحكومات للحفاظ على تدفق الطاقة إلى المواطنين المتضررين من ارتفاع التضخم.

تتجه الحكومة الباكستانية إلى قطع التيار الكهربائي وزيادة فواتير الكهرباء نظراً لعدم قدرتها على تأمين وقود كافٍ. وتغلق المتاجر في بنغلاديش أبوابها عند الساعة الثامنة مساءً كجزء من تدابير تقشفية متخذة في قطاع الطاقة، بينما زادت حكومة المكسيك الدعم لتخفيف تكاليف الكهرباء المخصصة للمنازل.

تأتي الأزمة في وقت صعب بشكل خاص، إذ يشير التحول العالمي إلى مصادر طاقة أنظف إلى أن الاقتصادات المتقدمة لم تستثمر في جهود زيادة إنتاج الوقود الأحفوري، بينما تعرضت الدول الفقيرة لضغوط لتبني غاز طبيعي الذي يعد أنظف وقود أحفوري عند احتراقه. والآن، أصبحت الدول الناشئة غير قادرة على المنافسة في ظل ارتفاع أسعار الغاز بأكثر من 150% منذ الغزو الروسي في فبراير، وقدرة الدول الأكثر ثراءً على دفع المزيد لضمان توفير الإمدادات الكافية.

رئيس وزراء بلجيكا: أوروبا على أعتاب 10 فصول شتاء صعبة

عن ذلك، قال مقسط أشرف، المدير الإداري الأول لنشاط صناعة الطاقة العالمية في شركة "أكسنتشر" بهيوستن: "لا يبدو أن هناك أي طريقة يمكن للاقتصادات الناشئة من خلالها المزايدة على الدول المتقدمة، وهذه مشكلة لها تداعيات اقتصادية كبيرة، وسيكون لها أيضاً تأثير على قدرتها على تمويل الأولويات الاقتصادية والوطنية الأخرى".

مشكلة العالم النامي

إنها مشكلة تحدث في جميع أنحاء العالم النامي.

بالفعل، تم إعادة توجيه شحنات الغاز، التي كان مقرراً تخصيصها لباكستان أو الهند، إلى أوروبا، حيث يمكن للمشترين تحمل أسعار أعلى، بحسب المتداولين في سوق الطاقة. تكافح سريلانكا لتأمين الوقود من مورديها المعتادين، بينما لم تشتر الأرجنتين شحنات الغاز الطبيعي المسال لشهر أغسطس بعد ارتفاع الأسعار.

تتراوح فواتير استيراد الطاقة للدول المتقدمة بين 2% و4% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب أشرف. وعلى سبيل المقارنة، تجاوزت هذه التكاليف حاجز 25% من الناتج المحلي الإجمالي لبعض الأسواق الناشئة، على حد قوله. في الوقت نفسه، فإن انخفاض العملات يجعل تكاليف الاستيراد باهظة، ما يضاعف الجهود اللازمة للسيطرة على التضخم.

استجابت الحكومات في أميركا اللاتينية بزيادة الدعم وخفض الضرائب على البنزين والديزل لإرضاء المواطنين الغاضبين الذين ما زالوا يكافحون للتعافي من الوباء. تعتزم المكسيك إنفاق نحو 25 مليار دولار على دعم الوقود والكهرباء هذا العام. وفي بنما، اضطرت الحكومة للتدخل بعد خروج المتظاهرين الغاضبين إلى الشوارع.

في أفريقيا، اتخذ البنك الدولي خطوة استثنائية بدعم ركاب الحافلات في موزمبيق لتخفيف الأزمة، بينما يجبر نقص البنزين في بوروندي السائقين على شراء الوقود من السوق السوداء بثلاثة أضعاف السعر الرسمي. ويسعى الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو الآن لمضاعفة دعم صندوق النقد الدولي إلى 3 مليارات دولار بعد نشوب احتجاجات على قضايا مثل ارتفاع أسعار الوقود.

اضطرابات أسواق الطاقة تهدّد بنقص إمدادات الغاز الطبيعي لسنوات

كان الفحم والغاز رخيصين ومتوفرين، واستفادت الاقتصادات الناشئة سريعة التوسع خلال معظم أوقات العقد الماضي من ذلك. وظهرت مجموعة من منشآت تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة من أستراليا إلى الولايات المتحدة، بينما استقر الاستهلاك في اليابان وكوريا الجنوبية، وهما أكبر مستوردي السلع الأساسية. كذلك، كانت تحركات الحكومات الغنية للتخلي عن الفحم القذر سبباً في حدوث تخمة في المعروض، وأغرقت ثورة النفط الصخري الأسواق الدولية بالنفط الخام.

انفجار الأزمة

لكن هذه الأيام قد ولت، إذ واجهت شركة توزيع الغاز الطبيعي الهندية "غايل" (Gail) صعوبة في تأمين ما يكفي من الغاز الطبيعي المسال لعملائها المحليين، ما أجبرها على قطع الإمدادات عن المستخدمين الرئيسيين مثل مصانع البتروكيماويات وصناع الأسمدة.

في تايلندا، ارتفعت تعريفات الكهرباء بالتجزئة بنسبة 17% الأسبوع الماضي بسبب واردات الغاز الطبيعي المسال باهظة الثمن.

مع ارتفاع معدلات الغاز الطبيعي المسال بنحو 1300% في العامين الماضيين، لم تتمكن باكستان وبنغلاديش من تأمين شحنة فورية واحدة لعدة أشهر. وخفضت شركة "بنغلاديش ستيل ري-رولينج ميلز" (BSRM Steels)، وهي أكبر شركة لتصنيع الصلب في بنغلاديش من حيث القيمة السوقية، الإنتاج بنسبة 20% على الأقل بسبب أزمة الطاقة في البلاد، بحسب عامر الحسين، العضو المنتدب في الشركة.

وأوضح الحسين أنه "لا أحد بمنأى عن هذه الأزمة".

دعا توفيق إلهي تشودري، مستشار رئيس الوزراء البنغلاديشي لشؤون الطاقة والموارد المعدنية، إلى التحلي بالصبر، قائلاً في بداية أغسطس "لا يمكنني أن أعد بأي شيء ما لم نجد احتياطياً هائلاً من الغاز".

لكن صبر المواطنين في العديد من الدول نفد. فقد أغلق المتظاهرون الباكستانيون الطرق في جميع أنحاء البلاد. وفي إحدى الوقعات، ألقى المتظاهرون حجارة على الشرطة التي اضطرت إلى استخدام خراطيم المياه لتفريق الحشود. أما في بنما، فقد أغلقت السلطات الطرق السريعة والموانئ.

أثر مضاعف

قالت سوزان ساكمار، الأستاذة المساعدة الزائرة في مركز القانون بجامعة هيوستن: "كلما طالت أزمة الطاقة، زاد احتمال حدوث اضطرابات مدنية حول العالم".

لم يكن العالم النامي الوحيد الذي يعاني من أزمة الطاقة؛ فعلى سبيل المثال ألمانيا ربما لا يكون لديها ما يكفي من الغاز لتجاوز فصل الشتاء إذا قطعت موسكو الإمدادات. وتشتري المملكة المتحدة الغاز الطبيعي المسال الأسترالي لأول مرة منذ ستة أعوام على الأقل وسط شح الإمدادات. كما أن ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة في بداية هذا الصيف قد يلحق ضرراً بالحزب الديمقراطي بزعامة الرئيس جو بايدن في انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر.

ألمانيا قد تلجأ إلى المحطات النووية لسد فجوة الغاز الروسي

لكن هذه الدول لديها خيارات لا يملكها الفقراء. ولطالما اشتكت الدول النامية من عدم تخصيص نظيرتها الغنية لأموال كافية للمساعدة في تحول الطاقة والأهداف الطموحة لتغير المناخ. والآن، أصبحت الفجوة تتسع وهم يتخلفون عن الركب.

قال أشرف، من شركة "أكسنتشر": "عندما تكون الطاقة أساسية للغاية في الحياة اليومية، قد يكون لها تأثير مضاعف يتجاوز معادلة الطاقة، وقد يدفع ذلك العالم إلى إعادة التفكير مجدداً في العالم النامي واتخاذ خطوات في تحول الطاقة بشكل أبطأ لحين استقرار أنظمة الطاقة".