"باول" أفضل عندما يلتزم بالنص ولا يرتجل

رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" كان واضحاً وفعالاً في إيصال رسالته المتشددة خلال "جاكسون هول"

جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي
جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المصدر: بلومبرغ
Jonathan Levin
Jonathan Levin

Jonathan Levin has worked as a Bloomberg journalist in Latin America and the U.S., covering finance, markets and M&A. Most recently, he has served as the company's Miami bureau chief. He is a CFA charterholder.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عرَف رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، أخيراً كيفية إيصال رسالة متسقة إلى الأسواق بشأن الهدف الأساسي للسياسة النقدية المتمثل في التشديد والسيطرة على التضخم. ومن الواضح أنه يُنفِّذ المهمة التي بين يديه بشكل أكثر فاعلية عندما يقرأ خطاباً، ولا يجيب على الأسئلة.

يُشار إلى أنّه منذ أن أصبح "باول" المعروف بميوله نحو سياسة تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل مسؤولاً عن إخماد أسوأ تضخم منذ 40 عاماً، كان رسولاً غريباً لأهداف "الاحتياطي الفيدرالي" لمكافحة التضخم؛ ففي كل مرة يرفع فيها "الفيدرالي" أسعار الفائدة هذا العام، أدت المؤتمرات الصحفية لـ"باول" إلى اندفاعات السوق، وهو عكس ما يحاول البنك تحقيقه في الظروف المالية. من المؤكد أن بعضاً من ذلك هو مجرد عملية تحديد مواقع في السوق (غالباً ما تتحقق "الانتعاشة المؤقتة" دون سبب معين لمجرد مرور حدث يتّسم بالمخاطرة). لكن الكثير من ذلك يتلخص في أسلوب "باول"، ففي إجاباته على المراسلين، يتلوى ويحاول تقديم كلا الجانبين في أية مناقشة حول التوقعات، كما يمكن للمضاربين على ارتفاع السوق الذين لديهم حالة تحيز مؤكد أن يستخرجوا بسهولة بعض التعليقات التي تناسب روايتهم.

هبوط حاد للأسهم الأميركية بضغط من التوجّه نحو مزيد من التشديد النقدي

لم يقع "باول" في ذلك الفخ، يوم الجمعة، في جاكسون هول، ويمكنه أن يشكر النص المكتوب على ذلك. وبالنظر إلى هذا التخطيط المسبق، كان "باول" قادراً بشكل فعال ولا لبس فيه على التغلب على جميع الروايات التي تميل نحو سياسة تعزيز النمو الاقتصادي التي تم تداولها في الأشهر الأخيرة.

لماذا يترقب العالم اجتماع "جاكسون هول"؟

قال "باول" إن قراءة التضخم لشهر يوليو مشجعة، وفي حين أنه مرحب بها، إلا أنها "أقل كثيراً عما ستحتاج اللجنة رؤيته قبل أن نكون واثقين من انخفاض التضخم".

صحّح "باول" أيضاً الأمر فيما يتعلق بما إذا كان سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية قد وصل إلى مستوى يتوافق مع "الحيادية". (أدى تعليق غير رسمي حول السعر "المحايد" في يوليو إلى اعتقاد الأسواق أنه قد يتوقف عن رفع أسعار الفائدة قريباً، لكنه أوضح أنه كان يشير إلى المعدل المحايد على المدى الطويل المناسب عندما يكون النمو متوازناً ويكون التضخم عند حوالي 2%). أضاف "باول" يوم الجمعة: "في الظروف الحالية ومع ارتفاع التضخم إلى ما يزيد عن 2% وسوق العمل الضيقة للغاية، فإن تقديرات الحيادية على المدى الطويل ليست مكاناً للتمهل أو التوقف".

حديث متشدد لـ"باول" يربك توقعات رفع الفائدة الأميركية

أخيراً، أوضح أن "الاحتياطي الفيدرالي" ليس لديه نية لعكس المسار وخفض أسعار الفائدة في أي وقت قريب، مشيراً إلى أن "استعادة استقرار الأسعار من المحتمل أن تتطلب الحفاظ على موقف سياسي مقيد لبعض الوقت". وتابع: "السجل التاريخي يحذر بشدة من سياسة تخفيف التشديد قبل الأوان".

بصراحة، لم يكن أي شيء قاله "باول" جديداً تماماً، لكن طريقة طرحه كانت أفضل. ولطالما قال إنه بحاجة لرؤية "سلسلة" من تقارير التضخم المحسّنة قبل تغيير توجهه. وأي شخص كلف نفسه عناء استخلاص موجز التوقعات الاقتصادية للاحتياطي الفيدرالي كان بإمكانه أن يزيل سوء الفهم المحتمل بشأن ملاحظاته السابقة حول "الحيادية" والتزام اللجنة بالحفاظ على أسعار أعلى لفترة أطول، لكن كان من المستحيل تقريباً إساءة تفسير هذا الخطاب منذ البداية.

غني عن القول، إنّ رسائل السوق المصممة بعناية مهمة للغاية بالنسبة لرئيس "الاحتياطي الفيدرالي" الذي يواجه أسوأ تضخم منذ 40 عاماً. ويمكن لـ"الاحتياطي الفيدرالي" التحكم في أسعار الفائدة القصيرة فقط، ويعتمد على الأسواق لنقل سياساته على نطاق أوسع من خلال تكاليف الاقتراض المرتفعة وأسعار الأصول المنخفضة، فهذه هي الآليات التي تجعل الطلب متوازناً مع العرض، جزئياً عن طريق جعل الائتمان أكثر تكلفة، وبشكل أكثر قسوة، من خلال جعل الناس يشعرون بأنهم أقل ثراءً.

في حال لم تتماشى الأسواق مع ذلك، فإن هذا يجعل مهمة "الاحتياطي الفيدرالي" أكثر صعوبة. فقد كانت سياسات البنك تعمل في بعض أجزاء السوق، حيث أدت أسعار الرهن العقاري إلى تهدئة سوق الإسكان بسرعة، لكن فروق أسعار سندات الشركات والأسهم كانت مستعصية إلى حد ما.

استراتيجيون يرهنون ارتفاع الأسهم برسائل باول الواضحة في ندوة "هول"

من الواضح أن أداء "باول" أفضل في هذا الشكل. والرسالة التي كان يحاول إيصالها لأشهر وصلت أخيراً بطريقة واضحة ومتسقة، والآن لن يحتاج الناخبون الآخرون في اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة للتسرع لتوضيح نوايا الرئيس كما فعلوا بعد المؤتمرات الصحفية الأخيرة. ويجب أن يستخدم "باول" يوم الجمعة كنموذج للمضي قدماً، ولكن بالطبع، سيحتاج أيضاً إلى المثول أمام الصحافة مرة أخرى في مؤتمر ما بعد الاجتماع في الشهر المقبل (كما ينبغي، فالشفافية منفعة عامة). ونأمل أن يجد وقتاً للتدرب على الظهور الإعلامي في هذه الأثناء.