الابتكار والبحث والتطوير طريق السعودية نحو العشرة الكبار في التنافسية العالمية

 موظف يجري مكالمة فيديو في "كشك دعم تكنولوجيا المعلومات"، تصوير: أليكس كراوس، بلومبرغ
موظف يجري مكالمة فيديو في "كشك دعم تكنولوجيا المعلومات"، تصوير: أليكس كراوس، بلومبرغ المصدر: بلومبرغ
المصدر: الشرق
مادة إعلانية
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يركّز برنامج التحول الوطني في المملكة العربية السعودية على دعم الابتكار، حيث تهدف "رؤية 2030" إلى تعزيز مكانة المملكة كإحدى الدول العشر الأولى على مؤشر التنافسية العالمية بحلول عام 2030، من المرتبة 24 حالياً.

يُعتبر البحث والتطوير من المقوّمات الأساسية لتعزيز الابتكار وتحقيق مراكز متقدمة على مؤشرات التنافسية العالمية.

لا شك بأن نهج السعودية في تنمية أعمال البحث والتطوير عبر بناء جسور التعاون بين القطاعين العام والخاص، يمثل حجر أساس في تحسين القدرات الابتكارية للمواهب التقنية في البلاد، حيث تهدف "رؤية 2030" إلى أن تحقق خمس جامعات سعودية على الأقل مركزاً بين أفضل 200 جامعة في التصنيف الدولي.

اقرأ المزيد: السعودية تعتزم استثمار 20 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي حتى 2030

برنامج جديد

أعلنت المملكة عن برنامج جديد لتعزيز البحث والتطوير والابتكار يهدف لرفد الناتج المحلي الإجمالي للدولة بـ60 مليار ريال سعودي (16 مليار دولار) بحلول عام 2040. وتركز المبادرة على استثمار 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سنوياً، وتوفير فرص العمل في القطاعات العلمية والتقنية، بما يسهم بتحويل اقتصاد المملكة لأحد أكبر اقتصادات العالم.

التكنولوجيا من المقوّمات الأساسية لتحقيق "رؤية 2030"، حيث تركز الحكومة على تمكين روّاد الأعمال وتعزيز استثمارات الشركات الخاصة والعامة لتطوير القطاع التقني.

وفقاً لمؤسسة البيانات الدولية، من المتوقع أن تنفق المملكة 33 مليار دولار في عام 2022 على تطوير تقنية المعلومات والاتصالات، حيث حقق القطاع التقني نمواً بنسبة 8% بين عامي 2019 و2021، وحقق الاقتصاد أكبر معدل نمو في الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالأعوام العشرة الماضية بفضل نمو قطاع النفط.

طالع المزيد: "نيوم الرقمية" تطرح 3 ابتكارات تقنية بالأسواق العالمية مطلع 2022

المثال الأهم

عالمياً، تُعتبر الصين اليوم المثال الأهم الذي يمكن التعلّم منه في مجال وضع استراتيجيات التنمية الوطنية التي تركز على الابتكار لتحسين الاقتصاد والقدرات التنافسية، فقد ضخّت الصين على مدار الأعوام الماضية استثمارات ضخمة في الابتكار المبني على نتائج البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص.

يبدو ذلك جلياً في القطاع التكنولوجي الذي أثمر عن تقنيات ثورية كالذكاء الاصطناعي والجيل الخامس. بفضل هذه الجهود، تمكّنت الصين من تجاوز الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص في أبحاث الذكاء الاصطناعي، حيث يواصل الباحثون الصينيون نشر أبحاثهم بكثافة، وحققوا براءات اختراع أكثر من باحثي الولايات المتحدة.

ستصبح الشركات الصينية في وقت قريب رائدة على المستوى العالمي في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. في عام 2021، استحوذت الصين على خُمس استثمارات القطاع الخاص في الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، ووصلت قيمة الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي التي تم تأسيسها في البلاد إلى 17 مليار دولار، وهو تطور واعد تركز عليه المملكة العربية السعودية وتهتم به بشكل استثنائي.

طالع أيضاً: stc السعودية توقِّع أكثر من 10 اتفاقيات مع شركات تقنية عالمية

الذكاء الاصطناعي

على ضوء التجربة الصينية، يمكن للمملكة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتنمية الاقتصاد الرقمي. من المتوقع أن تصل نسبة إيرادات دول الشرق الأوسط من الذكاء الاصطناعي إلى 2% من إجمالي الإيرادات على المستوى العالمي في عام 2030 أي ما يعادل 320 مليار دولار. كما من المتوقع أن تستحوذ المملكة على النسبة الأكبر من الإيرادات، حيث ساهم الذكاء الاصطناعي برفد الاقتصاد السعودي بأكثر من 135.2 مليار دولار وفقاً لتقرير نشرته شركة بي دبليو سي.

وفقاً التقرير السنوي لمنصة "ماغنت" (Magnitt) للبيانات، حقق النظام الإيكولوجي المزدهر في المملكة أفضل النتائج في تمويل المشاريع وعقد الصفقات في عام 2021، تمثلت بإيرادات بلغت 548 مليون دولار.

تهدف المملكة إلى إعداد أفضل المواهب المحلية واستقطاب المهارات الدولية وتعزيز التعاون مع أكبر مراكز البحوث والشركات العالمية والخاصة والمؤسسات غير الربحية، مع التركيز بشكل متزايد على الشركات الناشئة.

كما تتطلع السعودية لجذب استثمارات بقيمة 20 مليار دولار في البيانات والذكاء الاصطناعي، بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال التي تهدف للتحوّل بالقوة العاملة من خلال التدريب ورفد القطاع التقني بـ20 ألف خبير ومتخصص، بمن فيهم 5 آلاف من ذوي الخبرة الكبيرة في الذكاء الاصطناعي والبيانات. وبفضل ذلك، ستتمكن الشركات السعودية من الحفاظ على قدراتها التنافسية بتحسين عملية اتخاذ القرار وحل المشاكل الإدارية والحد من التكاليف وتعزيز الخدمات.

اقرأ أيضاً: السعودية أكبر مُتلقٍّ لاستثمارات "مبادرة الحزام والطريق" في النصف الأول

الجيل الخامس

اليوم، تحتل الصين المرتبة الأولى عالمياً في تقنية الجيل الخامس الثورية، حيث تُعتبر مركزاً لأكبر بنية تحتية للهاتف المحمول من الجيل الخامس. فبدءاً من 2021، تم تركيب 1.43 مليون محطة أساسية للجيل الخامس في الصين، أي 60% من إجمالي محطات الجيل الخامس على المستوى العالمي، ما ساهم في تعزيز دور النظام الإيكولوجي الصيني للهاتف المحمول في تطوير شبكات الجيل الخامس حول العالم. يقول الخبراء بأن الصين ستقود تطوير الجيل القادم (الجيل السادس)، حيث كشف تقرير نشرته شركة "نيكاي" (Nikkei) أن الصين حققت المركز الأول في طلبات اختراع الجيل السادس بنسبة 40.3% من الطلبات على المستوى العالمي، متقدمة على الولايات المتحدة التي بلغت نسبة الطلبات التي قدمتها 35.2%.

ارتفع معدل البحث والتطوير للشركات الصينية بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي من 1.26% إلى 1.84% في عام 2021، بزيادة أكبر من معظم الدول المتقدمة. مثال ذلك إنفاق شركة "هواوي" (Huawei) الصينية على البحث والتطوير 22.4 مليار دولار عام 2021، أي ما يقارب 22.4% من إجمالي إيراداتها. ووصلت نفقاتها في البحث والتطوير خلال آخر 10 أعوام لأكثر من 132.5 مليار دولار. حققت المرتبة الثانية على لائحة الاتحاد الأوروبي للاستثمار في البحث والتطوير الصناعي لعام 2021، وبلغ عدد موظفي البحث والتطوير لديها 107 آلاف، أي حوالي 54.8% من إجمالي موظفيها.

براءات الاختراع

تمتلك الشركة أكبر محفظة لبراءات الاختراع على المستوى العالمي، حيث نالت أكثر من 110 آلاف براءة اختراع في أكثر من 45 ألف عائلة من براءات الاختراع بحلول عام 2021. وحققت "هواوي" مكانة رائدة عالمياً في تقنية الجيل الخامس بفضل استثمار أكثر من 600 مليون دولار في أبحاث الجيل الخامس بين عامي 2009 و2013. وتسعى لريادة ابتكارات الجيل السادس حيث بدأت فعلياً أعمال البحث والتطوير فيه في 2019 وأعلنت أنها تخطط لإطلاق شبكاته في 2030.

لم يسهم البحث والتطوير في ثبات أعمال "هواوي" في وجه التحديات فحسب، بل تنويعها أيضاً، حيث أسست بالاعتماد على البحث والتطوير وحدات أعمال حيوية جديدة كالطاقة الرقمية التي تعمل على تطوير الطاقة النظيفة وتمكين التحول الرقمي في قطاع الطاقة وتعزيز جهود حيادية الكربون وترشيد استهلاك الطاقة ضمن كافة القطاعات. أعلن الرئيس الدوري لمجلس إدارة الشركة أنها تخطط لإطلاق منطقة سحابية في المملكة، وأشار إلى أن 10% من أكبر المؤسسات التي تعتمد على التقنيات الرقمية تحقق زيادة في الإيرادات بمعدل أكبر بخمس مرات مقارنة مع المؤسسات التي لا تعتمد على التقنيات الرقمية.

طالع أيضاً: السعودية تطرق أبواب "أمازون" و"علي بابا" و"دي إتش إل" لدعم خطتها اللوجستية

برنامج "خطوة"

لرفد نهج تشجيع رواد الأعمال، تسهم "هواوي" بفاعلية في إعداد الكوادر التقنية في المملكة، حيث نفذت برنامج "خطوة" لتمكين المواهب السعودية ويهدف لتوفير نظام إيكولوجي لمواهب تقنية المعلومات والاتصالات في السعودية، وتشجع الشركة المطورين العرب من خلال مبادرات عديدة كان آخرها مسابقة أفضل تطبيق عربي.

من خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص كشركة "هواوي"، يمكن للمملكة تحقيق مزيد من النتائج في ردم الفجوة الرقمية بالاعتماد على الكوادر الوطنية.

ساهمت الابتكارات التقنية في تنمية اقتصاد الصين، لاسيما خلال فترة الاضطرابات الكبيرة التي شهدها العالم.

تمكنت البلاد بفضل البحث والتطوير من التعامل مع الحملة التي تقودها الولايات المتحدة بدوافع جيوسياسية لعزل الشركات الصينية عن سوق التكنولوجيا العالمي. تستمر الصين بقطاعيها العام والخاص في بذل جهود كبيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي التقني، لاسيما في مجال أشباه الموصلات حيث تُعتبر أكبر مستورد للرقائق الإلكترونية في العالم.

شهد العام الماضي تراجع الواردات الصينية من الدارات المتكاملة بنسبة 9.6% في الربع الأول من عام 2022 مقارنة بالعام الماضي وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، فيما شهدت الواردات في نفس الفترة من عام 2021 زيادة بنسبة 33.6%. وجاء الانخفاض في حجم الواردات بفضل التركيز على الاكتفاء الذاتي التقني في الصين.

تغيير إيجابي

في المقابل، حققت المملكة العربية السعودية إنجازات كبيرة على طريق التحول الوطني والرقمنة وطموحات تنويع الاقتصاد بتعزيز الابتكار. وتمكنت من تحقيق تغيير إيجابي بين عامي 2020 و2021، بانتقالها من المركز 83 إلى 63 على مؤشر الحرية الاقتصادية. وبفضل المبادرات الحكومية الطموحة، تتواصل الخطى الحثيثة لقيادة المملكة على طريق تعزيز تنافسية مختلف القطاعات بالاعتماد على الابتكار الذي بات عماد منظومة بناء الاقتصاد الرقمي المستدام القائم على المعرفة. وباعتبارها أكبر اقتصاد في المنطقة، ستستفيد المملكة من امتلاكها قدرات كبيرة لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على الابتكارات التقنية، لاسيما في ظل وفرة المقومات الأساسية كالمواهب التقنية والبنية التحتية المتماسكة لتقنية المعلومات والاتصالات التي يمكن الارتقاء بها بتعزيز التعاون المنفتح مع الدول والشركات التي تمتلك تجارب رائدة في هذا المجال.