الجفاف الممتد من الصين إلى أميركا يهدد إمدادات الغذاء عالمياً

محاصيل ذرة تالفة بسبب شدة الحرارة والجفاف أثناء موجة الحر  التي ضربت أوستن في تكساس بالولايات المتحدة.
محاصيل ذرة تالفة بسبب شدة الحرارة والجفاف أثناء موجة الحر التي ضربت أوستن في تكساس بالولايات المتحدة. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تسبّب الجفاف في تراجع إنتاج المحاصيل بحزام المزارع في الولايات المتحدة الأميركية إلى حوض نهر اليانغتسي في الصين، ما يزيد المخاوف بشأن إمدادات الغذاء عالمياً ويؤثر على توقعات التضخم.

انطلق آخر تحذير من الغرب الأوسط الأميركي، حيث تعاني بعض أعواد الذرة من جفاف شديد وضعف الحبوب، كما عانت حبوب فول الصويا كونها أقل وأصغر من المعتاد.

ساعد تقرير جولة "برو فارمر" (Pro Farmer) المتشائم في رفع مؤشر أسعار الحبوب ليسجّل أعلى مستوى منذ يونيو الماضي.

في الوقت الذي يحتاج العالم بشدة لتجديد احتياطيات الحبوب، التي تقلّصت بسبب الاضطرابات التجارية في بحر البلطيق والطقس السيئ في بعض أكبر مناطق النمو، أعلنت جولة لمسؤولي القطاع في الحقول الأميركية خلال الأسبوع الماضي عن نتائج أذهلت المشاركين في السوق -الذين كانوا أكثر تفاؤلاً– لما تضمنته من أضرار جسيمة للمحاصيل بسبب الحرارة الشديدة ونقص المياه.

مفاجآت الطقس

في الوقت نفسه، تسبّب الجفاف بخسائر في مناطق بأوروبا والصين والهند، بينما يصعب التنبؤ بآفاق صادرات أوكرانيا، المُصدّر الرئيسي للذرة والزيوت النباتية بسبب الغزو الروسي.

قال جو غلوبر، كبير الاقتصاديين السابق في وزارة الزراعة الأميركية، الذي يعمل حالياً زميلاً أول في "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" في واشنطن: "يساورني القلق بشأن إعادة بناء المخزونات في 2023 من قبل نتائج جولة تفقد المحاصيل هذا الأسبوع، ورغم أن فتح موانئ أوكرانيا يُعدّ مؤشراً جيداً، لكن أحجام الإنتاج لا تزال أقل بكثير من المستويات الطبيعية".

اقرأ أيضاً: الأمم المتحدة: العالم لا يسير على مسار إنهاء الجوع وخفض الانبعاثات من الزراعة

يراقب المتداولون دائماً تنبؤات الطقس باهتمام، وزاد ذلك الاهتمام هذا العام، حيث أصبح كل مكيال حبوب مهم. وفي الوقت الذي تراجعت فيه أسعار الذرة والقمح وفول الصويا عن مستوياتها القياسية أو التي كانت قريبة منها في وقت سابق من العام الجاري، لا تزال العقود الآجلة شديدة التذبذب، وقد تؤدي مفاجآت الطقس السيئ إلى ارتفاع الأسعار مرة أخرى حتى انتهاء موسم الحصاد.

نقص الغذاء

يُتداول مؤشر الحبوب وفول الصويا بما يزيد بنحو 40% عن متوسط ​​خمس سنوات، فيما كان الارتفاع بأسعار الحبوب سبباً رئيسياً في التضخم العالمي، كما أسهم نقص الغذاء في سقوط حكومة سريلانكا في وقت سابق من هذا العام عقب نفاد احتياطي النقد الأجنبي اللازم لشراء الواردات.

في الولايات المتحدة، حيث يمثّل الذرة المحصول الرئيسي والأوسع انتشاراً، يصبح لضعف الإنتاج آثارٌ متراكمة عبر سلسلة الإمدادات الغذائية العالمية، ما يزيد الضغط على أميركا الجنوبية لإنتاج محاصيل وفيرة مطلع العام المقبل، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا اضطرت الصين، التي تعاني من أسوأ جفاف منذ مطلع الستينيات، إلى استيراد مزيد من الحبوب لإطعام قطعان الماشية الضخم وتعزيز المخزونات المحلية.

اقرأ أيضاً: غلاء السلع عالمياً بدأ يدمر الطلب ويفاقم خطر الجوع

يقدّر المسؤولون بعد جولة المحاصيل الأخيرة انخفاض الإنتاج الأميركي 4% مقارنة بالتوقعات الحكومية الرسمية. حيث يأتي التراجع عقب نقص القمح الشتوي الأميركي بسبب الجفاف، وكذلك فول الصويا في البرازيل، أكبر منتج عالمياً.

ظاهرة "النينا"

تثير التوقعات الزراعية عالمياً حتى مطلع 2023 قلق مراقبي السوق. حيث يواجه العالم نقصاً في الإنتاج للعام الثالث على التوالي لأول مرة منذ أكثر من 20 عاماً بسبب ظاهرة النينا –برودة المحيط الهادئ الاستوائي وتسبب ذلك في ردة فعل من الغلاف الجوي فوقه– ما قد يكون له عواقب وخيمة تتعلق بالجفاف بكافة أنحاء الولايات المتحدة ومناطق المحاصيل الحيوية في البرازيل والأرجنتين.

اقرأ أيضاً: ارتفاع الأسعار والجفاف في البرازيل يدفعان المزارعين لتخزين المحاصيل

وبينما يصعب ربط تغير الطقس بنمط مناخي طويل الأجل، يحذر المحللون من العبء المتزايد على الإنتاج الزراعي في السنوات القادمة نتيجة الاحتباس الحراري.

تمر أوروبا حالياً بأسوأ موجة جفاف منذ 500 عام على الأقل، وفقاً لتحليل أولي أجراه خبراء من مركز الأبحاث المشتركة التابع للاتحاد الأوروبي، حيث تشير أحدث البيانات إلى تعرض العديد من محاصيل الاتحاد الأوروبي لضرر شديد وخاصة الذرة في ظل توقع انخفاض الإنتاج 15% مقارنة بمتوسط الإنتاج لخمس سنوات.

جفاف تاريخي

قال عبد الرضا عباسيان، محلل سوق المواد الغذائية والخبير الاقتصادي السابق في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة: "مع استمرار ارتفاع أسعار الطاقة حتى الشتاء القادم على الأقل، فإن أي نقص كبير في إمدادات الذرة سيكون له تأثير مدمر على قطاعي الأغذية والأعلاف".

في الصين، ضرب الجفاف التاريخي مناطق على طول نهر اليانغتسي وحوض سيتشوان ما أضر بمحصول الأرز، أكبر المحاصيل الغذائية في البلاد.

اقرأ أيضاً: الجفاف قد يُخفِّض ثلث النمو الاقتصادي الأرجنتيني في 2022

تقلّصت مناطق زراعة الأرز في الهند هذا الموسم بنسبة 8% بسبب قلة الأمطار في بعض المناطق، بينما تناقش الحكومة هناك فرض قيود على صادرات ما يسمى بالأرز المكسور، المُستخدم بشكل رئيسي في علف الحيوانات أو لإنتاج الإيثانول، وتُعدّ الصين من أكبر مستورديه، التي تستخدمها في الغالب لتغذية المواشي، وكذلك بعض الدول الأفريقية التي تستورد الحبوب كغذاء.

تسهم الهند بنحو 40% من تجارة الأرز العالمية، حيث تُعدّ أكبر الدول المُصدرة في العالم.

"تحرك حزام الذرة"

أبدى راندي هولز، المزارع الأميركي في نبراسكا، أحد المشاركين بجولة المحاصيل، قلقه من تأثير تغير الطقس على المزرعة التي سيتركها، بينما يُحدّق للأسفل ناظراً لمحصول الذرة الضعيف هذا العام بسبب قلة الأمطار.

قال هولز (71 عاماً)، الذي يزرع الذرة وفول الصويا والقمح ويربي الخنازير في جنوب نبراسكا: "يتوقعون تحرك حزام الذرة شمالاً وقد نصبح أكثر جفافاً، إنه تغير المناخ الذي يتحدثون عنه".

وأضاف هولز: "كنت أشك أنني سأرى ذلك في حياتي، لكني أفكر الآن ماذا سيرى ابني وأحفادي على وجه الخصوص؟".

السلع الزراعية