مع قرب نهاية المخزون.. تُجّار الجواهر سيفتقدون الألماس الوردي

حبات من الألماس الوردي
حبات من الألماس الوردي بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

على مدار 30 عامًا، اعتاد صائغ الجواهر جون كالييجا، أن يشتري الأحجار الكريمة النادرة من منجم "أرجيل" المملوك لمجموعة "ريو تينتو غروب" في غرب أستراليا النائية، التي تُعتبر مصدرًا لـ90% من الألماس الوردي الثمين في العالم.

وفي إطار مناقصة "ريو تينتو" التي تجري سنويًّا للألماس الوردي، والتي أقيمت في 2019 في فندق "بيننسولا" في نيويورك، وضمّت 64 ألماسة بإجماليّ 56.28 قيراطا من الألماس، كان الصائغ كالييجا يتفحص بعض أندر الألماسات الوردية والحمراء من خلال عدسة مكبرة.

زيادة كبيرة في الطلب على الألماس منذ بداية 2019

ولم يكسر هدوء الغرفة الشديد سوى همهمة كالييجا لتأكيد نقاء القطع الألماسية التي بين يديه، إذ عادةً ما تكون هذه الأحجار الكريمة ساحرة في حدّ ذاتها، ولكن مناقصة هذا العام اكتنفها أيضًا شعور متزايد بالحنين إلى الماضي، إذ اتُّفِق على إغلاق منجم "أرجيل" بنهاية 2020، بعد أن يكون قد استنفد مخزونه من الجواهر ذات الجدوى الاقتصادية.

ويقول كالييجا: "أصبح الأمر وشيكًا، فهي مسألة شهور. لقد شهدنا زيادة كبيرة في الطلب على الألماس منذ بداية 2019، ويزداد حصول الناس على الألماس أكثر وأكثر".

وأنتج المنجم منذ افتتاحه في عام 1983، أكثر من 865 مليون قيراط من الألماس الخام بأسعار مختلفة. وفي 2019 اقتصر الأمر على آخر 150 قيراطًا من الألماس الوردي المصقول.

وبصفته أكبر منتج للألماس من حيث الحجم، ونظرًا إلى أنّ أكثر من ثلاثة أرباع إنتاجه تتكون من الألماس البني منخفض القيمة، فإنّ منجم "أرجيل" يُعتبر مركزًا للمعروض العالمي من الألماس المنخفض التكلفة، ما قد يتسبب في معاناة شركات الجواهر من تآكل الأرباح. وكانت شركات مثل "De Beers" قد أعادت التخطيط لإنتاجها في وقت سابق من 2019 وسط تدفق الألماس المصقول وتوقف المستهلكين عن الشراء.

توقعات بارتفاع الأسعار

وتوقعت كل من شركة "RBC Capital Markets" التابعة للبنك الملكي الكندي، وشركة "Panmure Gordon" لخدمات الاستثمارات المصرفية، أن يساعد إغلاق المنجم في رفع أسعار الألماس التي تراجعت منذ عام 2011.

وبحسب لاري ويست، مالك "LJ West Diamonds" في نيويورك، فإنّ التأثير قد يكون هائلًا بالنسبة إلى الألماس الوردي. ويقول ويست عن ذلك: "إنه أندر أنواع الألماس في العالم. لا يوجد شيء مثله، ولا يمكن تكرار وجود المنجم أبدًا".

الطلب على الألماس

ووفقًا لريبيكا فويرستر، مديرة شركة "Alrosa PJSC" في أمريكا الشمالية، فقد ارتفعت أسعار الألماس الوردي بنسبة 300% خلال العقد الماضي، مضيفة: "نظرًا إلى عدم وجود مصادر أخرى مكافئة لتعدين الألماس الوردي، نستطيع أن نتوقع بعض النقص في المعروض منه بعد إغلاق منجم (أرجيل)".

وتُظهِر البيانات الخاصة بـ"ريو تينتو" أنّ أسعار الألماس الوردي المستخرج من "أرجيل" قد ارتفعت بنسبة 500% منذ عام 2000.

ويُذكر أنّ الشركة لم تكشف عن المبلغ المحدد الذي عرضه المزايدون في أيٍّ من مناقصاتهم، لكنّ المطلعين على شؤون الصناعة على دراية بذلك. وتعليقًا على الأسعار، تقول أوليا ليند، الشريكة في "باين آند كو" في موسكو، والتي تدرس التعدين، إنّ تعدين الألماس الوردي يكلّف ما بين مليون إلى 3 ملايين دولار للقيراط.

ويقول ويست إنّ معرفة قيمة الألماس الحقيقية أصبحت أسهل من أي وقت مضى، كوننا "في عصر المعلومات، والناس يكتشفون بسهولة مدى ندرة شيء ما".

النظريات حول سبب ارتفاع الأسعار تختلف، لكن ليند تعتقد أنّ الأمر يعود إلى الجهود التسويقية من قِبل "أرجيل" لتروِّج لنفسها على أنها "منجم ذهب" -إذا جاز التعبير- للألماس الوردي.

وتأكيدًا لذلك، فإنّ تجّار الجواهر يثمنون الأحجار التي تندرج تحت "العلامة التجارية" الخاصة بمنجم "أرجيل" بسعر أكثر من الأحجار ذات الجودة المماثلة التي عُدِّنَت من المناجم في روسيا أو جنوب إفريقيا. وتأتي كل ألماسة وردية من "أرجيل" مع شهادة تثبت أصليتها.

مناقصات "ريو تينتو" الأسطورية

وتُعتبر مناقصات "ريو تينتو" أسطورية كذلك، مع وجود منصّات لها في بيرث وسنغافورة ولندن ونيويورك. وتحيط السرّية بالمناقصات، إذ يقدّم المشترون المهتمّون عرضًا مختومًا، ويُخطَر الفائز بالموعد النهائي لتقديم العطاءات.

وللثقافة الشعبية أيضًا دَور في الترويج للألماس الوردي، فقد قدّم بن أفليك ألماسة من "هاري وينستون" ذات لون ورديّ كثيف التركيز تزن 6.10 قيراط إلى جينيفر لوبيز في عام 2002، مما أدى إلى ظهور اتجاه جديد لاقتناء الألماس الملون.

ويقول خبير الجواهر بدار "سوذبيز" للمزادات، كويغ برونينغ، إنّ النجاح يولّد مزيدًا من النجاح في صناعة الألماس، مضيفا "لديك بضع ألماسات تُباع مقابل مبالغ كبيرة حقًّا وتحظى باهتمام كبير".

وكانت ألماسة النجم الوردي" CTF"، وهي عبارة عن ألماسة بيضاوية الشكل بلون زهريّ زاهٍ وزوايا قطع مختلطة، وتزن 59.60 قيراط، وعدّنتها شركة "De Beers"، قد سجّلت أعلى رقم قياسيّ عالميّ لأيّ جوهرة تُباع في مزاد، بواقع 71.2 مليون دولار، إذ عُرضت للبيع في دار مزادات "سوذبيز" في هونغ كونغ في أبريل 2017.

وبيعت الألماسة "الأسطورة الوردية"، التي تزن 18.96 قيراط، في عام 2018، مقابل 50 مليون دولار عبر دار "كريستيز" للمزادات، محطمة بذلك الرقم القياسي العالمي.

وتؤكد ليند أنّ ارتفاع الأسعار مستقبلًا سيعتمد على الطلب، ولكن لا يوجد سبب للاعتقاد بأن الصناعة ستفقد شهيتها للأحجار الوردية، إما لارتدائها كقطع جواهر وإما لاقتنائها كقطعة استثمارية.

المخزون المستقبلي

وتستمرّ "ريو تينتو" في طرح مناقصات الألماس الوردي حتى إغلاق المنجم في عام 2020، كما يقول آلان تشيرغوين، نائب رئيس الشركة للمبيعات والتسويق، إلا أن بعض تجّار الجواهر بدأوا بالفعل في البحث عن أماكن أخرى لهذا الحجر الفاخر. ويقول تشيرغوين: "الشيء الذي يميز (أرجيل) هو كونها المصدر الوحيد الثابت لتوريد الألماس الوردي، مع أننا نجده يظهر من وقت لآخر في مناجم أخرى، ولكن لا ينتج أيّ منها الألماس الوردي بصورة ثابتة مثل (أرجيل)".

وبحسب ليند، فإنه يوجد أيضًا نوع من الألماس الوردي الذي يُصنع داخل المختبر، لكن ثمن الألماس الاصطناعي يكون أقلّ عند البيع بالتجزئة بنسبة 50 في المئة تقريبًا، ونحو 80 في المئة أقلّ عند البيع بالجملة.

وفي ظلّ تطوّر التكنولوجيا، أصبح من الممكن تصنيع ألماسات وردية أكبر حجمًا بشكل متزايد، لكن ويست، وهو تاجر ألماس في نيويورك، يقول: "الأمر لا يتعلق بشكل الألماس. إنها الندرة التي تمنحه القيمة".

المحافظ الاستثمارية لصناديق التقاعد

من المتوقع أن يُعيد إغلاق منجم "أرجيل" جذب الانتباه إلى الألماس الوردي في المزادات، إذ يقتنص المشترون المخزون المحدود منه.

يقول ويست: "إنّ هذه الألماسات تُعَدّ بمثابة مقتنيات قيِّمة، ولها قيمة استثمارية، خصوصًا في أستراليا، إذ يدخل الألماس الوردي في المحافظ الاستثمارية لصناديق التقاعد الخاصة بالأفراد".

وقد ضمّ المزاد الذي أقامته دار "سوذبيز" في ديسمبر 2019، في نيويورك، قطعتين من الألماس الوردي، وتراوح سعر الألماس الأحمر الفاخر الذي يبلغ وزنه 1.38 قيراط المستخرج من منجم "أرجيل" بين 1.8 و2.8 مليون دولار، في حين قُدِّر زوج من الأقراط من هاري وينستون مصمم، مع ألماسات باللون الوردي الفاتح، يزنان 12.41 و11.15 قيراط، بنحو 600 ألف دولار إلى 800 ألف دولار.