كيف كان من الممكن أن تتجنب باكستان كارثتها المناخية؟

شارع مغمور بالمياه في روالبندي، باكستان
شارع مغمور بالمياه في روالبندي، باكستان المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كنت تبحث عن شيء ما يفسر سبب معاناة باكستان للتعافي من آثار الفيضانات التي أودت بحياة أكثر من ألف شخص منذ يونيو الماضي، فيمكنك النظر لأحدث خطة إنقاذ مالية اتّفقت عليها البلاد مع صندوق النقد الدولي في 29 أغسطس.

ففي حين أنه من المحتمل أن تساعد 1.16 مليار دولار في تحرير ما يكفي من النقود لدعم البلاد خلال العامين المقبلين، فإن الفيضانات تسببت في أضرارٍ هائلة تفوق قيمتها 10 مليارات دولار، تقود بدورها إلى زيادة ديون البلاد التي تبلغ 255 مليار دولار.

على مدار التاريخ قام البشر بزراعة المحاصيل في أراضي التربة الغنية الواقعة في وديان الأنهار، وعلى مدار التاريخ أيضاً شكلّت الفيضانات تحدّياً للبشرية. ما يُمثّل أحد الأسباب وراء انتشار القصص الملحمية حول الطوفان عالمياً تقريباً. كذلك فإنّ الحلول لمواجهة الفياضانات لم تتغير كثيراً أيضاً. وهي طالما تمثلت باستثمارات رأسمالية ضخمة تهدف لإنقاذ البشرية، على غرار سفينة نوح التي ذُكرت في الإنجيل والقرآن أيضاً.

الحكومات الحديثة تتبع النهج نفسه تقريباً. فكان قانون السيطرة على الفيضانات الذي وضع في عام 1928 لمواجهة نهر المسيسيبي بعد الفيضانات المدمرة الذي تسبب بها خلال العام السابق، كان يعد في ذلك الوقت أكبر مشروع أشغال عامة تقره حكومة الولايات المتحدة على الإطلاق، حيث تجاوزت تكلفة المشروع، تأسيس قناة بنما. كذلك تشكّل إدارة الفيضانات أحد أكبر أجزاء ميزانية الصين، حيث تم استثمار تريليون يوان صيني (ما يُعادل 144 مليار دولار) في هذه المشاريع في عام 2017 (بحسب آخر البيانات المنشورة)، وهو مبلغ أكبر مما تم إنفاقه على الرعاية الصحية أو بناء السكك الحديدية في البلاد.

صندوق النقد الدولي يعتمد خطة إنقاذ بقيمة 1.17 مليار دولار لباكستان

دول الخليج تضمن باكستان أمام صندوق النقد بـ4 مليارات دولار

ضرورة إصلاح السدود

تعدّ النُظم المائية في وادي السند هي أكبر نظام ري في العالم، وتشكّل نصباً تذكارياً آخر للاستثمارات الضخمة التي تعود جذورها إلى أكثر من 4 آلاف عام. ولكن مثله مثل باكستان الذي يعد نهر السند رافداً أساسياً لها، فإن نهر السند وروافده حُرم من الاستثمار الذي يحتاجه لإدارة مخاطر الكوارث الطبيعية بفعالية.

وتتمثل بعض أهم خطوط الدفاع ضد الفيضانات بمشاريع ترجع للحقبة الاستعمارية للبلاد مثل "سدّ سوكور" الكبير - وهو نظام من السدود والقنوات التي تُحوّل مياه نهر السند لريّ إقليم السند الجنوبي القاحل. وتجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من هذه السدود بحاجة ماسّة إلى الإصلاح، وذلك بسبب سنوات طويلة من نقص الاستثمار في الصيانة والفساد والنزاعات بين المقاطعات الباكستانية الأربع حول حصص المياه وتخصيص الأموال.

من جهة ثانية أصبح سدّا "تاربيلا" و"مانغلا" الواقعَان على جانبي إسلام آباد مُمتلئين للغاية بسبب الرواسب المنجرفة من جبال الهيمالايا، لدرجة لم تعد معها قادرة على التحكم في التدفق وابتلاع كميات مياه الفيضانات ومنعها من الاتّجاه نحو مجرى النهر. ولم يتبق سوى 57% فقط من سعة تخزين سدّ "تاربيلا" متاحة الآن، وقد تؤدي زيادة معدّلات الرواسب إلى انسداده تماماً، حسبما أبلغت لجنة حكومية في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر.

تغيّر المناخ يفاقم المشاكل

نقص الاستثمار الذي أدّى إلى هذا الوضع يُعتبر مشكلة مزمنة.

فمن بين أكبر 20 اقتصاداً في العالم من حيث عدد السكان، مصر تعد الدولة الوحيدة التي يقلّ لديها معدّل تكوين رأس المال عن باكستان – في مؤشر إلى عدم قدرة البلاد على بناء البنية التحتية الضرورية لدعم تزايد السكان.

ومع ارتفاع تكاليف آثار التغيّر المناخي، لن يتم إنفاق المزيد من الأموال على الاستثمارات الضرورية طويلة المدى لحماية البلاد وتجنّبه الكوارث الطبيعية في المستقبل، ولكن ببساطة سيتم إنفاقها على مواجهة آثار الكوارث الحالية والتعويض عن فقدان الإنتاجية عقبها.

وسيزيد تغير المناخ من تردّي المشاكل التي تواجهها باكستان حالياً. إذ من شأن الهواء الأكثر دفئاً الاحتفاظ بمزيد من الرطوبة، ما يجعل هطول الأمطار الموسمية الشديدة أكثر تواتراً. كما أنه يتسبّب في ذوبان الجليد على الجبال بشكلٍ أسرع - وهي قضية مهمّة في باكستان، التي لديها أنهار جليدية أكثر من أيّ بلدٍ يقع خارج المناطق القطبية. ويمكن أن تكون الفيضانات المفاجئة الناجمة عن فيضان البحيرات الجليدية مدمرة، خاصة في المناطق الجبلية القريبة من الحدود الأفغانية والهندية والصينية.

الحاجة إلى الدّعم

مجموعة التمويل العالمية المتاحة للتعامل مع تغير المناخ ليست على مستوى التحدي، ولا يزال أكثر من ثلاثة أرباع إجمالي التمويل متّجهاً نحو التخفيف من حدة التغيّر المناخي، أي الاستثمار في تقنيات التحوّل للاقتصاد الأخضر لمنع الانبعاثات المستقبلية. وفي حين يُعتبر هذا الإنفاق مهماً، إلا أنه من غير المرجح أن يكون مفيداً لدولة مثل باكستان ذات الانبعاثات الضئيلة للغاية. والتي تتمثّل حاجتها في تمويل يتكيّف مع التغيرات التي تطرأ بالوقت الحالي.

ومن الممكن أن يحلّ الإنفاق الكافي عدداً كبيراً من هذه المشاكل بضربةٍ واحدة، لكن باكستان تكافح من أجل الصعود في وضع آخذ بالانحدار، مع الاعتماد على واردات الطاقة، وضعف الإنتاجية الزراعية، ونقص الاستثمار الخارجي، ما يسهم في حلقة مفرغة من تراجع الإنماء. وحتى عندما تم توفير الأموال اللّازمة للبنية التحتية لبناءِ الدولة (كانت البلاد واحدة من أكبر المستفيدين من التمويل الصيني لمبادرة الحزام والطريق الذي أنفق الكثير منه على الطاقة الكهرومائية وإدارة المياه)، فإن تعرّض باكستان للصدمات الاقتصادية جعلها في وضع لم يعد معه بقدرتها دفع ثمن هذه الصدمات.

والواقع أن الدول الغنية تتردّد في الاستثمار المباشر في عملية تحوّل الطاقة في باكستان، والتي من شأنها أن توفر إمكانية تحقيق عوائد وإن كانت ضئيلة وغير مؤكدة. كما لا يزال من غير المرجح أن تتبرّع هذه الدول بأموال المنح الضرورية لمساعدة واحدة من أفقر دول العالم وحمايتها ضد تأثير ارتفاع درجات الحرارة العالمية.

صحيح أنه لا يمكن للأموال أن تمنع حدوث الفيضانات، لكنّها على الأقلّ تُساهم في تفادي الكوارث الطبيعية التي تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الاقتصاد. وباكستان بالتأكيد في أمسِّ الحاجة إلى هذا الدعم.