طفرة سوق الأسهم الأميركية تنقضي والتضخم ما يزال مرتفعاً

هل ما شهدناه كان تحقيقاً لعبارة أن المستثمرين حصدوا المال السهل ولم يبقَ منه شيئاً؟

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهدت الأسهم الأميركية صيفاً ساخناً جداً ومفاجئاً، فقد ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" بأكثر من 17% ومؤشر "ناسداك 100" بنسبة 23% تقريباً بين منتصف يونيو ومنتصف أغسطس، قبل أن تفقد السوق زخمها وتتراجع. لا شك بأنَّ الإقدام على الشراء هذه الأيام يتطلب من المستثمرين تفاؤلاً وأملاً قبل تأكيد طلب الشراء.

يأملون بأنَّ التضخم سيواصل التراجع بعد ارتفاع مؤشر أسعار المستهلك لأعلى مستوياته في أربعة عقود عند 9.1% في يونيو، والأهم من ذلك هو الأمل السائد باستمرار سعر البنزين بالانخفاض بعدما هبط بأكثر من دولار من مستوى 1.33 دولار للتر في منتصف يونيو، بحسب "جمعية السيارات الأميركية".

الأسهم العالمية والسندات توسع خسائرها.. والدولار يقفز

كما كانت هناك آمال بأن ينجح بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بتحقيق هدفه الطموح وصولاً للهبوط السلس من خلال ترويض التضخم الجامح دون التسبب بكثير من الألم الاقتصادي. كما يأملون بألا يستمر الاقتصاديون بتخفيض تقديراتهم لأرباح الشركات، وألّا تتحول لسيل يذهب بنمو 6.6% الضئيل في الأرباح الذي يتوقَّع محللو "وول ستريت" أن تحققه شركات مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" في 2023.

يتطلب توقُّع مزيد من انتعاش السوق إفراطاً بالتمني. يبدو أنَّ وضع "وول ستريت" المتهالك حالياً يستوجب أن تستحضر مقولة سائدة فيه، ومفادها أنَّ سهل المال قد جُني، فقد استمتع المستثمرون ببعض التحسن الأساسي (أو على الأقل تراجع التدهور).

لم يمر على تباطؤ التضخم الذي طال انتظاره سوى شهر واحد فقط، ومع اقتراب الخريف والشتاء دون انحسار للصراع الروسي الأوكراني؛ فإنَّ خطر تحويل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيطرته على جزء كبير من إمدادات الطاقة في أوروبا إلى سلاح يزداد، وقد يخلق أزمة إنسانية وصناعية خطيرة.

إبطاء لا توقف

لا يتحدث صُنّاع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي في هذه الأثناء عن وقف حملة رفع أسعار الفائدة، بل ألمحوا فقط لإمكانية إبطاء وتيرتها، مع التأكيد على أنَّ ذلك احتمال فقط بعدما أبقى ارتفاع الوظائف الأميركية بأكثر من المتوقَّع، عند 528 ألف وظيفة في يوليو، على خطر تضخم الأجور في الصدارة.

كانت استبيانات معنويات مديري المشتريات في الشركات المصنّعة تتحرك أيضاً في الاتجاه الخاطئ، وتقترب بشكل خطير من مستويات تشير إلى انكماش الاقتصاد.

تبدو تقييمات السوق الحالية وكأنَّها فاقت حدها ارتفاعاً برغم أنَّ مقياس التضخم ما يزال مرتفعاً. يجنح التضخم لضغط مضاعفات أسواق الأسهم، أو ما يرغب المستثمرون بدفعه مقابل دولار واحد من الأرباح المستقبلية. يحدث هذا عبر إضعاف قوة المستهلكين الشرائية، ورفع تكاليف عمل الشركات، ودفع عوائد السندات إلى حد تصبح به سندات الخزانة الآمنة منافساً شرساً للأسهم الأخطر.

3 مسؤولين بـ"الفيدرالي": مستمرون في زيادة الفائدة حتى يتراجع التضخم

ارتفع مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" نسبة للأرباح المتوقَّعة للشركات المدرجة ضمنه على مدى الـ12 شهراً المقبلة إلى مستوى الفقاعة في عصر "كوفيد"، الذي أشبع بالتحفيز ليعاني تداعيات سيئة بعد ما باتت السوق هابطة هذا العام. دفع الانتعاش في الصيف مكاسب الأسعار الآجلة إلى أعلى من مستوى 18، وهي نقطة بدت وكأنَّها تضبط الغزارة اللامنطقية في عقدين من التضخم المنضبط بين حقبة شركات الدوت كوم ووباء "كوفيد" في 2020.

كان انتعاش هذا الصيف قوياً للغاية لدرجة أنَّه قاد مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" لتحقيق هدف 4300 نقطة الذي وضعته مجموعة "غولدمان ساكس" لنهاية العام قبل ذلك بأكثر من أربعة أشهر. كان هذا الانتعاش مدفوعاً بما يسميه استراتيجيو المجموعة المصرفية، بقيادة ديفيد كوستين، "قفزة ثقة" في سياسة المناورة للاحتياطي الفيدرالي. كتب الاستراتيجيون: "المحرك الكلي الرئيسي كان يتمثل في استعداد مديري الصناديق لتبني وجهة نظر مفادها أنَّ الاحتياطي الفيدرالي سيلتف في مساره، وأنَّ الاقتصاد الأميركي سيشهد هبوطاً سلساً".

زاد هذا الأمر رهانات خطاب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الذي ألقاه في التجمع السنوي الصيفي للفيدرالي في "جاكسون هول" بولاية وايومنغ في 26 أغسطس. وفق الطريقة التي ينظر بها بنك "غولدمان ساكس" للأمور؛ ربما يكون صُنّاع السياسة قد أكملوا زيادات أسعار الفائدة بمقدار 0.75% التي أعلنوا عنها بعد آخر اجتماعين للسياسة. وبدلاً من ذلك؛ تتوقَّع زيادة بنسبة 0.5% في سبتمبر، تليها زيادتان إضافيتان بمقدار 0.25% ثم هناك توقف مؤقت.

قلق المستثمرين

مع ذلك؛ يحذر استراتيجيو "غولدمان ساكس" من أنَّهم يتلقون أسئلة كثيرة من العملاء حول كيفية تشابه الارتفاع الصيفي مع الارتفاع النموذجي في السوق الهابطة، وهو فجر مزيف شهدته أسواق الأسهم خلال انهيار فقاعة الدوت كوم وبعض فترات الانكماش السيئة الأخرى على مر التاريخ.

من جانبها، تراهن صناديق التحوط والمضاربون الكبار بشدة على فشل هذا الارتفاع الصيفي للأسهم، فقد بيع نحو 288 ألف عقد مستقبلي في أسهم مؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، وهو الموقف الأكثر هبوطاً منذ أن كانت إغلاقات كوفيد قائمة في يونيو 2020، وفقاً لبيانات لجنة تداول السلع الآجلة.

ما هي الأنباء الجيدة؟ هناك سبب للاعتقاد بأنَّ أسوأ ما في هذه السوق الهابطة قد مضى، فقد كان الانتعاش خلال منتصف أغسطس يوضّح أنَّ مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" استعاد أكثر من نصف انخفاضه البالغ 24%، بعدما انتقل من أعلى مستوى في السوق الصاعدة في يناير إلى أدنى مستوياتها في يونيو. تشير شركة الأبحاث "سي إف آر إيه ريسيرش" إلى أنَّ المؤشر القياسي لم يسجل قط مستوى منخفضاً قياسياً جديداً بعد انتعاشه بهذا القدر خلال 13 سوقاً هابطة منذ الحرب العالمية الثانية، وهو ما يُعرف باسم ارتدادة 50%.

بنوك مركزية توجه رسالة صارمة للمستثمرين.. سنواصل مواجهة التضخم حتى لو تسبب في الألم

قد يثير قلق المستثمرين بطبيعة الحال الوجود في منتصف الطريق بين الارتفاع القياسي لهذا العام وانخفاض الأسهم في السوق الهابطة، خاصة بالنسبة إلى مخالفي السائد ممن يبحثون عن سبب كي يكونوا طامعين حين يخاف الآخرون، أو أن يكونوا خائفين عندما يكون الآخرون طامعين.

تؤكد مقاييس المعنويات نوع الانقسام نفسه بين المستثمرين، فقد أظهر أحدث استطلاع أجرته الرابطة الأميركية للمستثمرين الأفراد أنَّ المتشائمين فاقوا المتفائلين بنسبة 41% في يونيو ثم 4% في منتصف أغسطس.

أظهر مسح آخر لمديري الصناديق من بنك أوف أميركا أنَّ "المعنويات ما تزال متشائمة، لكنَّها لم تعد تشاؤمية بشكل مروع مع ارتفاع الآمال بانتهاء صدمات التضخم وأسعار الفائدة في الأرباع السنوية المقبلة،" بحسب ما كتب كبير محللي الاستثمار في البنك مايكل هارتنت.

8 دقائق من باول تمحو 78 مليار دولار من ثروات مليارديرات أميركا

لكن لا تكلف نفسك عناء البحث في "وول ستريت" عن آراء إجمالية موحدة بشأن الباقي من هذا العام. جاءت أكثر توقُّعات الاستراتيجيين الذين تتبعهم "بلومبرغ" متفائلة من جانب توم لي، رئيس الأبحاث في "فوندسترات غلوبال أدفيزورز" (Fundstrat Global Advisors)، فهو يرى أنَّ مؤشر "ستاندرد آند بورز 500" سينهي العام عند 5100 نقطة، بزيادة قدرها 7% للعام وبأعلى من مستواه الحالي بنحو 24%.

في حين جاء التوقُّع الأكثر تشاؤماً من مايكل كانترويتز، وهو كبير محللي الاستثمار في "بايبر ساندلر" (Piper Sandler)، الذي يعتقد أنَّ المؤشر سينهي العام عند 3400، أو بنسبة 33% أقل من توقُّعات لي، فضلاً عن هبوط بنسبة 18%.

من أجل تحديد مقدار الافتقار لإمكانية تقييم الأبيض والأسود من خلال مذكرة بعنوان: "200 درجة من الرمادي"؛ قال جوليان إيمانويل، من "إيفر سكور أي سي أي" (Evercore ISI): "لا يمكن للمتفائلين أو المتشائمين أن يكونوا على يقين ولا يجب الاعتقاد بأنَّه ينبغي لهم ذلك".

قد يكون افتراض أنَّ أسوأ ما قد تشهده السوق بات وراءنا، كما يشير استطلاع "بنك أوف أميركا". لكن هذا لا يعني أنَّ بقية العام ستشهد تفاؤلاً كما كان حالها هذا الصيف. يرجح انتظار الاحتفال بمستويات ارتفاع قياسية جديدة في المؤشرات حتى 2023 على أقرب تقدير، وهذا يتطلب أملاً.