لماذا يُعَدّ التضخم البالغ 70% أزمة إضافية للأرجنتين؟

متظاهرون يحملون لافتة "الأرجنتين تريد العدالة" خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في ساحة بلازا دي مايو ببوينس آيرس، الأرجنتين، يوم الخميس 18 أغسطس 2022
متظاهرون يحملون لافتة "الأرجنتين تريد العدالة" خلال احتجاجات مناهضة للحكومة في ساحة بلازا دي مايو ببوينس آيرس، الأرجنتين، يوم الخميس 18 أغسطس 2022 المصور: أنيتا بوشارد سيرا / بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تُعَدّ الأرجنتين واحدة من الدول التي وصلت فيها معدلات التضخم إلى أعلى مستوى لها في العالم، إذ تجاوزت حاجز الـ70%.

عيَّنَت الحكومة ثالث وزير للاقتصاد في البلاد منذ يوليو، ويبدو أن الائتلاف اليساري بزعامة الرئيس ألبرتو فرنانديز منقسم بشكل دائم. يفتقر ثاني أكبر اقتصاد في أميركا الجنوبية تقريباً إلى إمكانية الوصول إلى رأس المال الدولي، فضلاً عن أنه مدين بأكثر من 40 مليار دولار لصندوق النقد الدولي.

طالع المزيد: استقالة وزير الاقتصاد الأرجنتيني وسط تزايد الانقسامات

الأرجنتينيون يتظاهرون ضد صندوق النقد خوفاً من تكرار الدمار الاجتماعي الذي سببه سابقاً

لكن هل هناك أي نقاط إيجابية؟

حتى الآن لم يلجأ السكان، الذين تأقلموا مع الظروف غير المواتية بسبب الأزمة الاقتصادية الدائمة منذ عقود، إلى إثارة احتجاجات عنيفة في الشوارع كتلك التي أسقطت حكومة سريلانكا المتعثرة، لكن المسارات الأكثر ترجيحاً للمضي قدماً تنطوي جميعها على مستويات كبيرة من الألم.

1- ما مدى خطورة أزمة الأرجنتين؟

عانت الأرجنتين من أزمة اقتصادية في عام 2018، وما زالت بعيدة عن التعافي الكامل، إذ تجاوز التضخم السنوي نسبة الـ50% خلال نصف هذه المدة تقريباً، ما فاقم الركود لثلاثة أعوام. يعيش نحو 40% من سكان الأرجنتين في فقر اليوم، مقارنة بنحو الربع في بداية الأزمة. أشار البنك الدولي إلى أن الأرجنتين عانت ركوداً اقتصادياً لفترات أطول من أي دولة أخرى تقريباً منذ الخمسينيات. مع ذلك، ما زالت ارتفاعات الأسعار اليوم بعيدة تماماً عن نوبة التضخم الجامح الأخيرة التي ضربت البلاد في عامَي 1989 و1990.

اقرأ أيضاً: الأرجنتين تلتزم تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي رغم المخاطر

2. كيف أصبحت الأمور بهذا السوء؟

كانت أزمة العملة سبباً في فقدان البيزو الأرجنتيني نصف قيمته مقابل الدولار الأميركي في عام 2018. وهذه الأزمة قادت صندوق النقد الدولي لإقراض الحكومة الأرجنتينية بقيادة الرئيس السابق ماوريسيو ماكري مبلغاً قياسياً قدره 57 مليار دولار، لكن الصفقة فشلت في تحقيق استقرار الاقتصاد. أثار انتخاب الرئيس فرنانديز في عام 2019 عمليات بيع ضخمة للسندات الحكومية، تخلفت حكومته عن سدادها لاحقاً. لجأ فرنانديز إلى طباعة النقود خلال الوباء لتمويل معونات نقدية وبرامج الأجور، بعد عدم تمكنه من توفير ائتمان بعد التعثر في السداد، الأمر الذي مهد الطريق لارتفاع التضخم.

اقرأ أيضاً: الأرجنتين تتعهد بإنهاء طباعة النقود لمحاربة التضخم الذي وصل إلى 60%

3- أين تقف الأمور؟

تفاوض فرنانديز مع صندوق النقد الدولي في مارس على صفقة جديدة، والهدف الأساسي منها -من منظور الحكومة- هو سداد المدفوعات المستحقة من البرنامج الأول، ما دامت الأرجنتين تمتثل للصفقة. على الرغم من أن الجدول الزمني الأصلي لسداد الديون ما زال سارياً، فإن الصفقة الجديدة تتيح للأرجنتين الحصول على أموال صندوق النقد الدولي وفقاً لجدول زمني يعيد تمويل المدفوعات الأصلية لأربعة أعوام على الأقل، لكن الصندوق لا يعطي كل الأموال دفعة واحدة.

يتعين على الأرجنتين اجتياز المراجعات الفصلية من خلال إظهار الحكومة تقدماً محرزاً في المعايير الأساسية، مثل الاحتفاظ باحتياطيات أجنبية متراكمة وخفض عجزها المالي. وإذا لم يتم اجتياز ما يسمى بالاستعراض، فإن الأرجنتين تخاطر بالتعثر في سداد قرض صندوق النقد الدولي، وهذا من شأنه إزالة كل مصادر التمويل الدولي المتبقية للبلاد تقريباً.

طالع أيضاً: "صندوق النقد الدولي" يوافق على منح الأرجنتين قرضاً بـ44 مليار دولار

4- هل الأرجنتين معرضة لخطر نفاد الأموال؟

يواجه البنك المركزي الأرجنتيني تراجعاً في صافي الاحتياطي النقدي، إذ انخفض إلى نحو 2.1 مليار دولار اعتباراً من الأسبوع الماضي، حسب شركة الاستشارات الأرجنتينية "إيكويليبرا" (Equilibra). وتراجع إجمالي الاحتياطيات إلى أقل من نصف المستوى الذي كان عليه في عام 2019، وهذا يزيد خطر تعرض العملة لخفض محتمل، وهو ما أثار في الماضي توتراً اجتماعياً.

جدير بالذكر أن توقع انخفاض العملة يقود مزيداً من الأفراد لشراء الدولارات أو تعليق الصادرات أو تسريع الواردات، ما يفاقم استنزاف الحكومة للدولار.

استقرت فجوة بين سعر الصرف الرسمي ومجموعة كبيرة من الأسعار الموازية عند مستوى أعلى من 100% لأكثر من شهر، وهو مستوى ومدة زمنية لم نشهدها منذ أيام التضخم المفرط في الأرجنتين. لا شك أن الفجوة تخلق حوافز ضارة، مثل شراء أشياء بائتمان مقوم بالدولار فقط لسدادها بالبيزو مع التمتع بخصم، ما يفرض مزيداً من الضغط على سعر الصرف.

5- ما خطة الحكومة؟

حتى الآن، لم يكن هناك خطة واحدة بالفعل، بجانب محاولة تحقيق الأهداف المنصوص عليها في صفقة صندوق النقد الدولي. عن ذلك، قال فرنانديز في مقابلة أجراها مع صحيفة "فاينانشال تايمز" في عام 2020: "بصراحة، لا أومن بالخطط الاقتصادية".

كان الموضوع الأكثر اتساقاً في سياساته هو اعتماد خطوات مجزأة للحد من الألم الاقتصادي، مثل التجميد المؤقت للأسعار وحظر إقالة العمال. وهذا أحد الأسباب التي تجعل الأسواق تأمل في تنفيذ وزير الاقتصاد الجديد سيرخيو ماسا لبعض السياسات الصارمة المضمنة في اتفاق صندوق النقد الدولي على الأقل. سيتمثل الاختبار الرئيسي في ما إذا كان بإمكان ماسا معالجة دعم الطاقة الذي يحمي الأرجنتينيين إلى حد كبير من ارتفاع أسعار الخدمات العامة في جميع أنحاء العالم.

اقرأ المزيد: الأرجنتين تخفف 60% من أعباء الديون خلال يونيو عبر مبادلة محلية

6- كيف تتدخل السياسة في هذا الأمر؟

يتفق المحللون على أن القضية الرئيسية للأرجنتين سياسية لا اقتصادية، إذ أدى الصراع الداخلي بين الرئيس فرنانديز ونائبته ذات النفوذ كريستينا فرنانديز دي كيرشنر (التي لا تربطها صلة قرابة بالرئيس) إلى خلق فراغ قيادي في البلاد. يختلف كل من فيرنانديز وكيرشنر، التي شغلت منصب رئيس البلاد من عام 2007 حتى عام 2015، حول الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد.

يفضل الموالون لكيرشنر اتخاذ بعض التدابير مثل بدء العمل بدخل أساسي شامل، بجانب أنهم عاقوا تنفيذ صُناع السياسة التابعين لفرنانديز لتدابير لا تحظى بشعبية، مثل ارتفاع أسعار الخدمات. بصرف النظر عن هذا الانقسام، من المتوقع إعادة انتخاب فرنانديز خلال العام المقبل، إذ يُتوقع أن تكون لديه شهية محدودة تجاه التحركات التي لا تحظى بشعبية. في الوقت نفسه، يصعّب ارتفاع مستوى الفقر والتداعيات الاقتصادية للتضخم المضي قدماً في تدابير التقشف ذات التكاليف السياسية قصيرة الأجل والمكاسب الاقتصادية طويلة الأجل.