السندات الأميركية تستعد لأكبر خسارة في عقود مع استمرار تشدد "الفيدرالي"

عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات تجاوز ذروة أعلى معدل خلال دورات تشديد السياسة النقدية السابقة

مبنى مارينر إيكليس في مقر "الاحتياطي الفيدرالي" بالعاصمة واشنطن
مبنى مارينر إيكليس في مقر "الاحتياطي الفيدرالي" بالعاصمة واشنطن المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قد يكون المستثمرون الذين يتطلعون إلى عودة التعافي لأكبر سوق للسندات في العالم قريباً، بعد تكبّد أسوأ خسائره منذ عقود، على موعد مع فترة من الإحباط.

أظهر تقرير الوظائف الأميركي، يوم الجمعة الماضي، زخم الاقتصاد في مواجهة الجهد المتزايد من قبل "الاحتياطي الفيدرالي" لتخفيف وطأة هذا الزخم، إذ سرعان ما تضيف الشركات الوظائف، وتزيد الرواتب فيما تنضم المزيد من القوة العاملة الأميركية. بينما انخفضت عوائد سندات الخزانة، إذ أظهرت الأرقام تراجعاً طفيفاً في ضغوط الأجور وارتفاعاً في معدل البطالة، فقد عززت الصورة العامة التكهنات بأنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي مستعد لمواصلة رفع أسعار الفائدة والإبقاء عليها مرتفعة إلى أن يتراجع التضخم.

يأخذ متداولو عقود المقايضة في الحسبان فرصة أفضل قليلاً من احتمال أن يواصل البنك المركزي رفع سعر الفائدة المرجعي بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية في 21 سبتمبر، ويشدّد السياسة حتى تصل إلى حوالي 3.8%. ويشير ذلك إلى المزيد من التراجع المحتمل لأسعار السندات، نظراً لأنَّ عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات تجاوز أو يزيد عن ذروة معدل "الاحتياطي الفيدرالي" خلال دورات تشديد السياسة النقدية السابقة. ويبلغ هذا العائد حوالي 3.19% حالياً.

مخاوف رفع الفائدة تكبد الأسهم الأميركية ثالث خسائر أسبوعية على التوالي

تشديد مدمِّر

قالت كيري ديبس، المخططة المالية المعتمدة في "مين ستريت فايننشال سوليوشنز" (Main Street Financial Solutions)، إنَّ التضخم وسياسة التشدّد التي يتبعها "الاحتياطي الفيدرالي" "دمّرا الأسواق"، وإنَّ "التضخم لن يتلاشى في غضون شهرين، كما أنَّ هذا الواقع يلحق الضرر".

فقدت سوق الخزانة أكثر من 10% خلال عام 2022، مما جعلها في طريقها نحو أكبر خسارة سنوية لها، وأول انخفاضات سنوية متتالية منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي على الأقل، وفقاً لمؤشر "بلومبرغ". وأُهدر الانتعاش الذي بدأ في منتصف يونيو، مدعوماً بتكهنات مفادها أنَّ الركود سيؤدي إلى خفض أسعار الفائدة العام المقبل إلى حد كبير، إذ أكد رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول أنَّه يركز بشكل مباشر على خفض التضخم. وبلغت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين يوم الخميس الماضي 3.55%، وهي أعلى نسبة منذ 2007.

في الوقت نفسه، ارتفعت العوائد الحقيقية قصيرة الأجل، أو تلك المعدّلة حسب التضخم المتوقَّع، مما يشير إلى تشديد كبير في الأوضاع المالية.

مخاوف الركود تضغط على عوائد سندات الخزانة الأميركية

ريك ريدر، كبير مسؤولي الاستثمار للدخل الثابت العالمي في شركة "بلاك روك" (BlackRock Inc) التي تعد أكبر مدير للأصول في العالم، كان من بين أولئك الذين يعتقدون أنَّ العائدات طويلة الأجل قد ترتفع أكثر. وتوقَّع في مقابلة على تلفزيون "بلومبرغ" يوم الجمعة الماضي ارتفاعاً بـ75 نقطة أساس لسعر الفائدة الفيدرالي هذا الشهر، والتي ستكون الخطوة الثالثة على التوالي بهذا الحجم.

وسمح تقرير العمل يوم الجمعة، والذي أظهر تباطؤاً في نمو الرواتب، للأسواق أنَّ "تتنفس الصُعداء"، وفقاً لـ"ريدر"، الذي أشار إلى أنَّ شركته كانت تشتري بعض الأوراق المالية قصيرة الأجل ذات الدخل الثابت للاستفادة من الزيادة الكبيرة في العوائد، لكنَّه يعتقد أنَّ من لديه سندات ذات أجل استحقاق أطول، سيكون أمامه مجال أكبر للزيادة.

أضاف: "أرى أسعار الفائدة ترتفع في المدى الطويل. وأعتقد أنَّنا نقترب من هذا الوضع. وأرى أنَّنا في الطرف الأعلى لهذا النطاق. لكنَّني أعتقد أنَّه من الصعب للغاية القول إنَّنا رأينا الارتفاعات حالياً".

حاملو السندات الأميركية يترقبون الركود ويتطلعون لنصف عام أقل قسوة

عائدات السندات الحكومية

أسعار المستهلكين

يتضمن الأسبوع المقبل، الذي سيكون قصيراً بسبب العطلة، صدور بعض التقارير الاقتصادية، بما في ذلك استطلاعات رأي مديري المشتريات، ولمحة عن تقرير "بيغ ماك" الصادر عن بنك الاحتياطي الفيدرالي والذي يتناول الظروف الإقليمية والأرقام الأسبوعية حول إعانات البطالة. وستغلق الأسواق الأميركية يوم الإثنين بمناسبة عطلة عيد العمال، وسيكون المؤشر الأكثر أهمية قبل اجتماع "الاحتياطي الفيدرالي" هو إصدار مؤشر أسعار المستهلك في 13 سبتمبر.

لكنَّ السوق ستحلّل عن كثب التصريحات الصادرة عن مجموعة من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي المقرر لها الأسبوع المقبل، بما في ذلك لوريتا ميستر، رئيسة مجلس الاحتياطي في كليفلاند، والتي قالت يوم الأربعاء إنَّ على صانعي السياسة دفع سعر الفائدة إلى أكثر من 4% بحلول أوائل العام المقبل، مشيرة إلى أنَّها لا تتوقَّع تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2023.

اقرأ أيضاً: طفرة أسعار الفائدة الحقيقية تضرب كل الأصول في "وول ستريت"

قال غريغ ويلنسكي، رئيس الدخل الثابت للولايات المتحدة في "يانوس هندرسون" (Janus Henderson)، إنَّه يركز أيضاً على الإصدار القادم لبيانات الأجور من بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا قبل الاجتماع المقبل لوضع السياسة. وذكرت وزارة العمل يوم الجمعة أنَّ متوسط ​​الأجر في الساعة ارتفع بنسبة 5.2% في أغسطس الماضي، مقارنة بالعام السابق. وكان هذا أقل بقليل من 5.3% الذي توقَّعه الاقتصاديون، لكنَّه ما يزال يُظهر ضغطاً تصاعدياً على الأجور من سوق العمل التي تواجه تضييقاً.

أضاف "ويلنسكي": "أنا من المعسكر الذي يتوقَّع 4% إلى 4.25% على سعر الفائدة النهائي. فالناس يدركون أنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي لن يتوقف عند إصدار بيانات اقتصادية أكثر مرونة ما لم ينحسر التضخم بشكل كبير".

شبح مخيف

كذلك، فقد مُنيت الأسهم بأضرار بسبب الشبح المخيف المتمثل في تشديد بنك الاحتياطي الفيدرالي، والذي تسبب في هبوط مؤشر "إس آند بي 500" بأكثر من 17% هذا العام. وفي حين ارتفعت الأسهم الأميركية من أدنى مستوياتها في يونيو حتى منتصف أغسطس، فإنَّها قد تخلّت عن الكثير من تلك المكاسب منذ ذلك الحين، حيث تراجعت الرهانات على حدوث ركود وشيك وتخفيضات أسعار الفائدة في 2023.

واختتم "ويلنسكي"، الذي ما تزال صناديق سنداته الأساسية أقل وزناً نسبياً في سندات الخزانة، بالقول: "عليك أن تظل متواضعاً بشأن قدرتك على التنبؤ بالبيانات ومدى تفاعل الأسعار. الأسوأ قد انتهى لأنَّ السوق تتبع مساراً أكثر عقلانية فيما يتعلّق بالوضع في الحسبان وجهة أسعار الفائدة. لكنَّ السؤال الكبير هو ما الذي يحدث بالنسبة إلى التضخم؟".