حب الصينيين للمركبات الكهربائية المحلية يهدد المنتجين الأجانب

تتحول أكبر سوق للمركبات الكهربائية في العالم بشكل كبير نحو العلامات التجارية المحلية

صناعة السيارات في الصين.
صناعة السيارات في الصين. المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تمتع صانعو السيارات الأمريكيون والأوربيون على مدى أربعة عقود بحظوة في السوق الصينية، التي شدتها جودة وهيبة العلامات التجارية الأجنبية. لذا شكَّلت مبيعاتهم فيها النصيب الأكبر من إيراداتهم واعتمدت عليها خطط نموهم. قد يتغير ذلك مع ابتعاد شراة السيارات في الصين بسرعة عن السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين والديزل وتحولهم إلى السيارات الكهربائية. يستحوذ مصنعو السيارات المحليون على نصيب الأسد من مبيعات سيارات الطاقة الجديدة، تاركين عمالقة عالميين مثل "فولكس واجن" و"بي إم دبليو" يواجهون احتمال التراجع في أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم.

السيارات الكهربائية تُطوِّق سوق السيارات المتوسطة الهائلة في الصين

شكلت شركات صناعة السيارات المحلية زهاء 80% من مبيعات السيارات الكهربائية خلال الأشهر السبعة الأولى من 2022، وفقاً لبيانات جمعية سيارات الركاب في الصين. رغم أن شركة "بي واي دي"، التي تأسست منذ فترة طويلة بدعم من شركة "بيركشاير هاثاواي" (Berkshire Hathaway) التي يسيطر عليها وارن بافيت، هي الرائدة في السوق، إلا أن وافدين جدد مثل "شاوبنغ" (Xpeng) و"هوزون نيو إنرجي أوتوموبيل" (Hozon New Energy Automobile)، وهما بالكاد معروفتان خارج البلاد، تتفوقان حالياً في المبيعات على مشروعين مشتركين في الصين تابعين لشركة "فولكس واجن".

اتساع الإقبال

يأتي هذا التحول في الوقت الذي يقترب فيه سوق السيارات في الصين من نقطة انقلاب، حيث يعزز الإقبال على المركبات الكهربائية تقبل المستهلك والنمو. شكَّلت مركبات الطاقة الجديدة أكثر من 25% من المركبات الجديدة المباعة في يوليو، وهي تشمل الهجينة والكهربائية التي تعمل فقط بالبطاريات، مقارنة مع أقل من سيارة بين كل ست سيارات العام الماضي. كانت جمعية سيارات الركاب في الصين قد رفعت توقعاتها مؤخراً لمبيعات سيارات الطاقة الجديدة في 2022 إلى 6 ملايين سيارة، أي ضعف إجمالي مبيعات العام الماضي. تتوقع "بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس" نمواً متواصلاً لسنوات مع ارتفاع المبيعات السنوية إلى 22.3 مليون سيارة بحلول 2040، وهو ما يمثّل قرابة ثلث السوق العالمية لسيارات الطاقة الجديدة.

السيارات الكهربائية تستعد لغزو أسواق العالم

لا تستطيع الشركات العالمية العملاقة مثل "دايلمر" و"جنرال موتورز" و"فولكس واجن"، التي تضخ مليارات الدولارات لكهربة أساطيلها، تحمل أي إخفاق في السوق الصينية. ما تزال شركات صناعة السيارات الأجنبية متأخرة لأسباب مثل بطء التحول نحو كهربة السيارات، والإخفاق بجذب المشترين الصينيين العاديين عبر سعر المركبات وميزاتها. كما تخاطر شركات صناعة السيارات التقليدية، في ظل زيادة الإقبال على السيارات الكهربائية في الصين، بخسارة مبيعات سيارات البنزين، التي تعتمد عليها الشركات في تمويل تحوّلها إلى الكهربة.

سيارة رياضية متعددة الأغراض Nio ES8 في صالة عرض "نيو هاوس" (Nio House) في شنغهاي في 2018.
سيارة رياضية متعددة الأغراض Nio ES8 في صالة عرض "نيو هاوس" (Nio House) في شنغهاي في 2018. المصدر: بلومبرغ

تصميمات بائدة

قال بيل تشانغ، العضو المنتدب في شركة الاستشارات "أوتوفورسايت" (Autoforesight): "إن شركات صناعة السيارات القديمة ليس لديها أي قدرة تنافسية عبر منتجاتها الكهربائية" فسياراتهم متخلفة عن الركب وذات تصميمات بائدة وتفتقر لخدمات ذكية مثل القيادة الذاتية، فضلاً عن غلاء أسعارها. قال تشانع: "تفرط هذه الشركات باتباع نفس مسارها حيال سيارات البنزين، لكن لعبة جديدة مثل السيارات الكهربائية لا تتطلب بالضرورة عراقة".

بعض الشركات ليست سريعة في تخطي أكبر المُصنعين في العالم. قال تشارلي زو، الشريك في مجموعة بوسطن الاستشارية (Boston Consulting Group) في شنغهاي: "تتطلب هذه الصناعة اقتصاديات ضخمة وربحية. تتمثل الميزة الرئيسية لشركات صناعة السيارات القديمة في التدفق النقدي الذي اكتسبته من بيع سيارات البنزين. يمكن أن يمنحهم ذلك وقتاً ورأس مال ليلحقول بالركب".

3 شركات سيارات عملاقة تخطط لاستثمار 23 مليار دولار في السيارات الكهربائية

تُعدّ "تسلا" الاستثناء الوحيد للهيمنة الصينية، حيث احتلت الشركة المرتبة الثالثة هذا العام في مبيعات التجزئة لسيارات الطاقة الجديدة بحصة سوقية بلغت 7.5%. إنها شركة صناعة السيارات الأجنبية الوحيدة المسموح لها بالعمل في الصين بلا شريك محلي، وهذا أحد تنازلات عديدة حصلها إيلون ماسك من بكين لافتتاح مصنعه الأول خارج الولايات المتحدة. قد لا تكون هالة التقنية الفائقة من "تسلا" وقوة ماسك الضاربة كافية لتحصينها من الانتقادات التي واجهتها علامات تجارية أجنبية مثل "نايكي" و"إتش أند إم" أخيراً. استدعت الحكومة الصينية المديرين التنفيذيين لوحدة "تسلا" المحلية العام الماضي لمناقشة ما رأوا أنها مسائل تتعلق بالجودة والسلامة في سيارات "تسلا"، وحظرت الحكومة دخولها لبعض المرافق الحكومية بسبب مخاوف حول إمكانية إرسالها بيانات إلى الولايات المتحدة.

جاذبية الأسعار

قال كوي دونغشو، أمين عام جمعية سيارات الركاب في الصين، أن الأسعار ميزة رئيسية للعلامات التجارية المحلية. سيارة "هونغوانغ ميني" (Hongguang Mini)، من إنتاج "إس إيه آي سي-جي إم وولينغ" (SAIC-GM-Wuling) هي إحدى أشهر السيارات الكهربائية في الصين ويبدأ سعرها من 4700 دولار فقط. تعتبر تلك العلامة التجارية محلية لأن حصة شركة "جنرال موتورز" فيها لا تتعدى 50%.

تتخذ شركات صناعة السيارات الصينية الأخرى خطوات لتبرز. تستهدف "هوزون" عائلات المدن الصغيرة والمناطق الريفية بسيارات بأربعة أبواب وصندوق أمتعة من فئة أعلى من "هونغوانغ ميني"، مع الإبقاء على تنافسية السعر الذي ببدأ عند أقل من 12000 دولار.

استثمرت شركة "شاوبنغ" بقوة في ميزات القيادة الذاتية التي تتيح للسائق توليتها مهام مثل تغيير المسار ودخول الطرق السريعة والخروج منها إلى طرق محددة، في حين جذت شركة "نيو" (Nio) عشاقها, الذين باتوا يشبهون طائفة عقائدية, إلى الفئة الأعلى من سياراتها الكهربائية عبر تشكيل أندية حصرية للمالكين وإنتاج ملابس وأطعمة ومعدات تمرين تحمل علاماتها التجارية.

الصين تتوقع مضاعفة مبيعات السيارات الكهربائية العام الجاري

اتخذت "نيو" استراتيجية أهم، فبنت شبكة واسعة من محطات لتبديل البطاريات لتجذب مشترين ممن قد لا تُتاح لهم محطة شحن في مجمعهم السكني، فأتاحت لهم دخول محطات يستبدل فيها روبوت البطاريات المستنفدة بأخرى مشحونة بالكامل في أقل من ثلاث دقائق فيما يجلسون في سياراتهم.

اتخذت شركات أخرى طرقاً تستهدف فئات بعينها، مثل تقديم وسائل راحة تروق للصينيين مثل عطور "نيو" المنعشة التي تنتشر في المقصورة حين يتعب السائق ونظام الكاريوكي في سيارات شركة "لي أوتو" (Li Auto) وهو أحد أشكال الترفيه المحلية الرائجة.

صمّمت شركات ناشئة، بما فيها "نيو" و"شاوبنغ"، أنظمة صوتية ذكية تفاعلية على غرار نظام "أليكسا" (Alexa) من شركة "أمازون". بمقدور أنظمة المساعدة الرقمية في السيارة فتح النوافذ وتشغيل الموسيقى وحتى التخاطب بما يحاكي البشر مع الركاب، ما أكسبها رواجاً لدى الأسر الشابة.

تحول بطيء

يتحوّل صانعو السيارات الأجانب ببطء نسبي عن موروثات محركات الاحتراق الداخلي التي تعود إلى قرن من الزمان. طرحت شركة "فولكس واجن" طرازات "آي دي" الكهربائية في الصين في نهاية 2020، بعد نحو ثلاث سنوات من طرح "نيو" و"شاوبنغ" لسياراتهما الأولى. تتوقع "جنرال موتورز" أن تطرح للعملاء الصينيين أول سيارة "كاديلاك" كهربائية على الإطلاق في وقت لاحق هذا العام، ولن تدخل سيارة "أودي" الكهربائية الجديدة المبنية بتقنية (Premium Platform Electric) السوق حتى نهاية 2024 على أقل تقدير.

قال ستيفان ولينشتاين، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "فولكس واجن" في الصين، في مقابلة له قبل أن يتنحى في أغسطس: "إذا لم تكن في الصين وإذا كنت لا تواكب سرعة الصين وتتعامل مع الصين بصفة خاصة، فأشك في أنك ستكون شركة تصنيع رائدة في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة".

الصينيون يخشون تفويت فرصة شراء سيارة كهربائية في طفرتها

تخلّف بعض المصنّعين الأجانب عن مواكبة العلامات التجارية المحلية في تحديث الميزات المهمة للمشترين الصينيين، مثل إمكانات رسم الخرائط والملاحة والاتصالات بوسائل التواصل الاجتماعي الصينية الشهيرة وتطبيقات الترفيه. رغم أن تسعير سيارة فاخرة بسعر باهظ يُعدّ أمراً جيداً بالنسبة لربحية شركات صناعة السيارات التقليدية الحالية، لكن هذا يقصي مئات ملايين العملاء الجدد المحتملين في دولة يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار شخص وما تزال نسبة حيازة السيارات عند نحو ربع مثيلتها في الولايات المتحدة.

يشكّل النجاح الأخير الذي حققته شركتي "بي واي دي" و"غريت وول موتورز" في بيع السيارات الهجينة الموصولة بالكهرباء، التي تمنح المشترين المتجهين نحو المركبات الكهربائية تكلفة أقل، تهديداً أكبر غير متوقع لشركات صناعة السيارات القديمة التي اعتمدت على بيع السيارات التي تعمل بالبنزين في هذا النطاق السعري.

قال تشانغ: "لا يتمتع المستهلكون الصينيون بكثير من الولاء، حيث يسهل عليهم التحول من (فولكس واجن) أو (نيسان) أو (تويوتا) إن وجدوا سيارات طاقة جديدة ميسورة التكلفة واعتمادية".